جوليان غراك... الفرنسي الذي رفض مجد غونكور
غيّب الموت الكاتب الفرنسي جوليان غراك، صاحب رواية «سواحل الرمل»عن 97 عاماً إثر توعك، على ما عُلم من المحيطين به ولم نلحظ اهتمام الصحف العربية به، إذ لم تتناوله الا بخبر وجيز لا يحمل في طياته أيّ تعريف به، ربما لأنه ليس أسطورة. و المعروف أن غراك صاحب 19 عملاً من شعر ومسرح ورسائل وروايات، مستلهمة من الرومنطيقية الالمانية والخيالية والسوريالية.
لم نقرأ كتباً لغراك بالعربية، او لم يترجم في حد علمنا، اذ ترجمت له بعض الدراسات في الدوريات العربية. واللافت أن غراك كان رفض جائزة غونكور وفي هذا الصدد كتبت «المجلة الأدبية» الفرنسية عنه في مقدمة ملف: «غراك هو آخر الكلاسيكيين في أدبنا الفرنسي. إنه كاتب من الزمن القديم، قبل هيمنة وسائل الاعلام، وسقوط الأسلوب الأدبي الرفيع. ومنذ عام 1950، وهو في أوج مجده الأدبي. ثار غراك من خلال إحدى مقالاته اللاذعة اللهجة على المخاطر التي تتهدد الأدب والمتمثلة في الاستعباد التدريجي للعقول، وفي التقديرات المتسرعة والخاطئة، وفي ظهور جمهور فاقد للبوصلة، لا يقرأ، ولا يعني الكاتب بالنسبة إليه غير قيمة تجارية (..) وكمناهض لـ»المطبخ الأدبي الصغير»، اختار جوليان غراك التقشف والصوم والعزلة. ففي عام 1951، رفض جائزة «غونكور» التي يتمنى كل كاتب فرنسي الفوز بها. وفي عام 1992، وبعد أن أصدر «دفاتر الطريق الكبير» وذلك بمناسبة بلوغه سن السبعين، قرر الانقطاع عن الكتابة، ومضى ليعيش في البيت العائلي في «سان – فلوران – لافياي»، على ضفاف نهر «لوار»، وبصحبة أخته، يستمتع بملذات الحياة الريفية، بعيداً عن الحداثة». حواروفي بداية الحوار الذي أجرته معه «لوماغازين ليتيرير» قال غراك: «لقد بدأت أقرأ في سن مبكرة جدا. ففي سن الرابعة، كنت أقرأ من البداية إلى النهاية مجلة «L’illustration». وفي ما بعد قرأت جول فارن. وكنت أسعى بصعوبة كبيرة إلى اقتناء جميع كتبه. غير أن جول فارن لم يكن أبدا بالنسبة إليّ «الكاتب الحقيقي» بحسب مواصفاتي له في ما بعد. لقد كان فقط بئراً من المعلومات. وكانت أعاجيبه متعددة ومتنوعة، بحيث يمكننا أن نقول إنها لن تعرف النضوب البتة. وكان جيل فارن يفتح العالم أمامي، بلداً بعد آخر، وقارة بعد أخرى. لكنه كان رائعاً من ناحية المحتوى.وعن كتابه الأول «حصن ارغول» يقول جوليان غراك: «لا أدري كيف ولدت عندي فكرة كتابة «حصن ارغول» ومن المؤكد أن هذه الخطوة التي كان لابد من قطعها، يجب أن تحدث في هذا اليوم أو ذاك. وكان هناك عامل مادي لعب دوراً مهماً في هذا الأمر. فالتأشيرة التي كنت أنتظرها للذهاب إلى روسيا بهدف إعداد بحث جغرافي (فقد درست الفلسفة في دار المعلمين العليا) لم تصل. وكانت العطلة الصيفية قد بدأت. وهكذا بدأت أكتب «حصن أرغول». ثم واصلت الكتابة وأنا في حيرة من أمري. وقد انهيت الكتاب خلال بضعة أشهر. ومنذ ذلك الحين أعدت النظر في جميع مشاريعي ومن المحتمل أن تكون قد تجمعت في داخلي طاقة غنائية لم أكن واعياً لها. وبعد أن انتهيت من كتابي الأول، وكان ذلك في خريف عام 1937 «خفت الحمى» وعلى مدى السنتين اللتين أعقبتا ذلك، وأيضاً خلال سنوات الحرب الكونية الثانية لم أكتب سطراً واحداً. وقد انطلقت إلى الحرب، وبي احساس أنني كتبت «كتابي». لذا لم أكن أتصور أنني سأكتب كتاباً آخر. لكن وأنا في الأسر، في وقت كنا نواجه فيه الجوع يومياً بدأت أكتب من جديد. وعندما عدت إلى فرنسا، واصلت الكتابة. والسنوات الخمس التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، كانت من أكثر السنوات ثراء في مجال الكتابة، بالنسبة إليّ».ولد غراك في 27 يوليو 1910 في سان فلوران لو فياي، واسمه الحقيقي لوي بوارييه، وكان مجازاً في التاريخ والجغرافيا وبدأ الكتابة أثناء تدريسه في الثانويات. واختار اسم غراك ببساطة «لأسباب إيقاعية وسمعية». عام 1938، نشر كتابه الاول «حصن ارغول» لدى الناشر جوزيه كورتي الذي سيظل مخلصاً له طوال حياته.ورفض غراك عام 1951 تسلم جائزة غونكور الأدبية الفرنسية عن تحفته «سواحل الرمل». غير انه وافق عام 1989 على الانخراط في مجموعة دار «غاليمار» المرموقة، «لا بلياد». نشر كتابه الاخير «مقابلات» عام 2002، حيث اختار كما في أعماله السابقة، نشراً قديم الطراز على أوراق غير مقطعة في المطبعة ينبغي على القارىء أن يفصلها بنفسه.