موضة إصدار المجلات الشعريَّة من الغاوون الى مقدمة

نشر في 02-04-2008 | 00:00
آخر تحديث 02-04-2008 | 00:00
No Image Caption

صدر العدد الأول من جريدة «الغاوون» الشعرية في بيروت، بالتزامن مع صدور العدد الأول من مجلة «مقدمة» في مصر، وتستعد مجموعة شبابية أخرى في ليبيا لإصدار مجلّة «الغربال».

تدير هذه الحركة الثقافية، في زمن خفوت ضوء الشعر، مجموعات شبابية تصبو إلى إعادته إلى «عصره الذهبي»، أو على الأقل أن لا تتّهم بالصمت في زمن الكفر، متّخذة من قول الشاعر الألماني بريخت: «لن يقولوا: كانت الأزمة رديئة، بل سيقولون: لماذا سكت الشعراء» قاعدة لها.

ومع أنّ الهدف الأول لهذه المجلاّت، هو دعم الشعر والشعراء، الشباب خصوصاً، إلاّ أنّ لكل واحدة شعارها الخاص. فبعد أقلّ من عام على إصدار مجلّة «نقد» الفصلية، التي تُعنى بنقد الشعر العربي عبر تخصيص كل عدد لتجربة شاعر واحد بأقلام نقّاد وشعراء شباب، أطلق الفريق نفسه مجلّة «الغاوون»، والسؤال نشهد ربيع الشعر» من خلال النشرات الشعرية ام ان ما يحصل هو مجرد موضة وسحابة صيف؟

نقد

ويقول ماهر شرف الدين مؤسس المجلة ورئيس تحريرها، إلى جانب زينب عسّاف إنّ «نقد» هي «مجلّة شبابية من حيث الأقلام التي تكتب فيها ومن حيث فكرتها التي تعطي الشباب الحقّ بإعادة تقييم تجارب المكرّسين من الشعراء، وهي بالتالي تسلّم الشباب دفة شيء لم يُعهد يوماً لهم بهذا الشكل». ويضيف أنّ «الناقد هو أصعب لقب يناله الذي يتعاطى حقول الأدب. إلاّ أنّ المجلّة بحسب مؤسسيها، لم تكن كافية لتلبية طموحات الشباب الكثيرة بعدما كشفت حالة الفراغ التي يعيشها الشعر في غياب منبر جدّي خاص به». من هنا وُلد مشروع «الغاوون» الذي لا يؤثّر على «نقد» إنّما يُكمّلها. و «الغاوون» هي مجلّة، تأخذ شكل الجريدة، متخصّصة بالشعر والقضايا الشعرية، شعارها «إنزال الشعر من برجه العاجي إلى معركة الحياة، كاشفة عن وجهه الآخر وارتباطه بهذه الحياة».

أمّا مجلّة «مقدمة»، التي تتألّف هيئة تحريرها من كلّ من الشعراء: محمد فؤاد(سوريا)، سامر أبو هواش(فلسطين - لبنان)، غادة نبيل، عاطف عبد العزيز محمود قرني (مصر)، فهي تعنى بقصيدة النثر العربية إبداعاً ونقداً. من المُنتظر أن تصدر مرّتين في العام على نفقة هيئة تحريرها. على ان المجلة التي اختارت في عددها الاول الشاعر انسي الحاج لتحتفي به، ايضا اختير اسمها من كتاب «لن» لأنسي الحاج الذي اشتهر بمقدمته، بينما «الغاوون» مصدرها الآية التي وصفت الشعراء في القرآن الكريم، ربما يحاول رئيسا هذه الجريدة توظيف للفت انتباه القارئ على النحو اللازم. واذا كانت «الغاوون» تهتم بالشعر على نحو عام، فقد ورد العدد الاول من مجلة مقدمة: «إنّ هدفها هو خروج النصّ الجديد على الوعي الرسولي ولغته المتفجّعة، معارضة الخطاب الأبوي السلطوي ورفض القولبة والصراعات المجّانية و»الخنادق» ونبذ الأيديولوجيا... في كل الأحوال ستظلّ مجلّة «مقدمة» مساحة مفتوحة لكل الأصوات الشعرية الجادة في العالم العربي من محيطه إلى خليجه، وهو ما دفعنا إلى توسيع دائرة التمثيل عربياً ونتمنى لها تنوعاً يعكس خارطة النص الجديد بصدق وشفافية، على أنّ ذلك لن يثنينا عن التمسّك باستقلالنا التام عن أيّ مؤسسة أو أيّ رؤى فردية، معتمدين في ذلك على إمكاناتنا الخاطئة، التي نعرف أنها ضئيلة ومحدودة، في مواجهة مؤسسات ثقافية كبرى، تقصي وتفسد ما استطاعت له سبيلا».

لوحظ ان بعض الكتاب اللبنانيين انتقدوا مجلة «مقدمة» لانها تهتم بقصيدة النثر فحسب واثنوا على جريدة «الغاوون» لأنها منفتحة على حقول الشعر بمجملها ولا يقتصر اهتمامها على جنس أدبي بعينه. ثمة من يقول ان هناك حسابات شخصية في الكتابات التي تناولت المجلات والنشرات الشعرية، خصوصا أن الوسط الشعري غارق في المحسوبيات والنميمة التي تطغى على الابداع في احيان كثيرة، إذ سبق إن أصدر الشاعر يوسف بزي مجلة بعنوان «داتا» وتوقفت بعد العدد الأول بسبب الخلافات بين الشعراء.

الشعر الأميركي

وغالبا ما يكون تحرُّر المجلات الشعرية من السلطة المادية هو الهدف المنشود لبقائها، والتمويل الذاتي هو الطريق لتحقيق هدفها المنشود وهو تحرير النصّ من القيود التي سبق ذكرها. ولطالما شكلت المسألة المادية تحدياً لهذا النوع من المجلاّت، نظراً إلى كون قارئيها نخبة قليلة جداً.

ولم يكن لعدد من المجلاّت الشعرية التي توقّفت عن العمل لأسباب مادّية، حظّ مجلّة «شعر» الأميركية، التي تأسّست عام 1912، على يد الشاعرة والناقدة الأميركية هارييت منرو. ففي العام 2002 خصصت روث ليلي الوريثة الوحيدة المتبقية من سلالة «إلى ليلي»، مؤسس الشركة العملاقة «ليلي» المتخصصة بإنتاج الأدوية، مئة مليون دولار في وصيّتها الأخيرة لمجلّة «شعر» ولجمعية «الشعر الحديث» التي تأسست تحت غطاء المجلّة. أحدثت «الهدية» صدمة في الوسط الأدبي والإعلامي، ووضعت المجلّة وقرّاءها والوسط الأدبي الأميركي عموماً والشعري خصوصاً، أمام الأسئلة الصعبة والخيارات المحيّرة حول كيفيّة التعامل مع هذه الهبة. فكان الردّ الأولي لرئيس تحرير المجلّة آنذاك جوزف باريسي، أنّه سيحاول استخدام المال لتنفيذ برامج تزيد من جمهور الشعر، وإنشاء مناهج تدريبية على المستويات المختلفة لتدريس الشعر. تحوّلت هذه المجلّة من مجلّة فقيرة نسبياً، يتألّف طاقم تحريرها من محررين أربعة يعملون في طابق متواضع في إحدى المكتبات الخاصة في شيكاغو، وبحساب مصرفي وصل أحيانا إلى مئة دولار، إلى عملاق مالي، طباعي وفني لم يحصل عليه أي قطاع في العالم الأدبي.

وفي معرض الحديث عن المجلاّت الشعرية، يجب ذكر مجلّة «شعر»، التي صدرت في بيروت للمرة الأولى في كانون الثاني (يناير) من العام 1957، تحت رئاسة الشاعر يوسف الخال، وهي على قدر من الشهرة لأنها اعتُبرت المنبر الأدبي العربي الذي كرّس نفسه للشعر العربي الحديث. إستمر صدور المجلّة إلى خريف 1964 حين أعلن الخال عن توقُّّفها، ثم عادت إلى الصدور في كانون الثاني (يناير)1967 وتوقفت نهائياً في خريف 1969. تعتبر «شعر» المجلة العربية الأولى التي أدخلت مفهوم «الحداثة»، بنبذها الرومانسية التي كان الشعر العربي بتياراته كلها غارقاً في مياهها، وبالتالي أعادت الإعتبار إلى الشعر كموقف من العالم مستقل بذاته، واضعة العملية الشعرية في وجه «تسييس الشعر». كتب يوسف الخال في العدد الأول إنّ سبب إنشائها هو « ... الدعوة الملحّة إلى إبداع أشكال جديدة، مستمدة من عبقرية اللغة العربية، ومستفيدة إلى أقصى حدّ، من تجارب العالم المتحضّر، دونما حاجة لأي صراع مع القديم، لأن الحياة بدأت تتجدد فينا وتجدّدنا...».

إضافة إلى المجلات التي صدرت أو ما زالت تصدر في العالم العربي، إهتم الأدباء الذين يعيشون في المهجر بإصدار مجلات شعرية متخصصةً. فهناك مثلاً «الحركة الشعرية» التي يصدرها قيصر عفيف في المكسيك، وهي مجلّة تُعنى بالشعر الحديث كما جاء في شعارها ويغلب عليها نشر القصائد بجميع أشكالها. كذلك صدرت عن «نيبور للنشر» في السويد مجلّة «ملامح» الفصلية، الشعرية، رئيس تحريرها المسؤول هو باسم المرعبي، تحمل شعار «ثمّة دائما متّسع للجديد»، نشر عنها خبر يتيم ولم نعد نعرف اين أصبحت، كذلك نشرت مجلة شعرية في البحرين وبدت أشبه بكتاب أنطولوجي صغير يوزع على بعض المهتمين، وهي تختار عناوين عريضة وتخصص عدداً عن كل موضوع، لم تتبن إشكالية شعرية ولا تحمل مشروعاً. الأرجح أن معظم المجلات الراهنة لا يحمل مشاريع ربما لأن البقاء هو الهدف الأسمى في زمن أصبح الشعر أكثر من نخبوي.

back to top