هل نقول وداعاً للدولار؟

نشر في 04-04-2008
آخر تحديث 04-04-2008 | 00:00
في أثناء عام 1971، وبعد انهيار الدولار مع اقتراب نهاية العمل بنظام سعر الصرف الثابت الذي بدأ العمل به في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، قال جون كونلي، وزير مالية الولايات المتحدة آنذاك، خلال اجتماعه بنظرائه الأجانب: «الدولار عملتنا، ولكنه مشكلتنا نحن». ومنذ ذلك الوقت اكتسب الدولار مكانة عالمية استمرت حتى الآن.
 بروجيكت سنديكيت حين يلتقي زعماء المال على مستوى العالم في واشنطن هذا الشهر أثناء اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي السنوية، فلربما كان عليهم أن يشعروا بالسعادة لعدم وجود بديل واضح للدولار كمعيار عالمي للعملة، ولو كان اليورو في أتـَمّ استعداده لاحتلال الصدارة فلربما كنا نرى سعر صرفه في مقابل الدولار، وقد قفز ليتجاوز الدولارين، وليس 1.65 أو 1.70 دولار فقط كما هو متوقع على أية حال، وما كان لأحد أن يتعامل مع عملائه بهذا القدر من السوء، كما فعلت الولايات المتحدة أخيراً، لو كان يعلم أنهم قد يجدوا بديلاً عنه.

مع استمرار الولايات المتحدة في تسجيل مستويات عجز تجاري غير مسبوقة تاريخياً على مدار الأعوام الستة الماضية، هبطت القيمة التجارية للدولار بنسبة تتجاوز الربع. وفي ظل اقتصاد ضعيف، ونظام مالي مضطرب بشدة، ومخاوف جادة بشأن مستويات التضخم المتصاعدة، بات من الواضح أن الدولار سوف يميل نحو الانحدار مدة طويلة، أياً كانت نهاية الأزمة الحالية، وهذا ليس كل شيء.

إن محاولات بنك الاحتياطي الفدرالي لإنقاذ النظام المالي ليس من المرجح أن تصادف النجاح ما لم تجد البنوك رؤوس أموال جديدة، وبكميات ضخمة. والحقيقة ان صناديق الثروة السيادية البالغة الثراء لديها من المال ما يكفي لإنقاذ بنوك الولايات المتحدة، ولكن ليس من المرجح أن تكون لديها الرغبة في الاضطلاع بهذا الدور في هذه المرحلة، حتى ولو سمح النظام السياسي في الولايات المتحدة بذلك. عوضاً عن ذلك، ومع استمرار أزمة الائتمان وانحدار أسعار المساكن، أصبح من المرجح على نحو متزايد أن نشهد حملة بطولية لإعانة مديني الرهن العقاري، وهذا يعني أن دافعي الضرائب في الولايات المتحدة سوف يتكبدون نحو التريليون دولار أو أكثر.

المشكلة هنا كالتالي: هل من المعقول بعد كل هذه الأعوام من العائدات الضحلة على الأصول الدولارية، أن يقدم المستثمرون العالميون حقاً على استيعاب تريليون دولار آخر من ديون الولايات المتحدة في ظل أسعار الفائدة الحالية وسعر الصرف الحالي؟

إن دين الولايات المتحدة لا يبدو كصفقة مربحة الآن، حتى ولو لم يكن الدولار في هبوط. فمازالت المغامرات العسكرية المأساوية مستمرة في الضغط على الموارد المالية للبلاد، حيث من المرجح أن تتجاوز تكاليف هذه المغامرات عدة تريليونات من الدولارات، وفقاً لدراسة حديثة أجراها جوزيف ستيغليتز بالاشتراك مع ليندا بيلميز.

ويكاد يكون من المؤكد أن يشهد العام القادم ارتفاعاً هائلاً في مستويات عجز الشركات في الولايات المتحدة عن سداد ديونها، رغم دخول العديد من الشركات حالة الركود، وهي تتمتع بموازنات قوية نسبياً، أما الأحوال المالية في الولايات والبلديات فهي أسوأ كثيراً. فمع انهيار عائدات الضرائب نتيجة لهبوط أسعار المساكن والدخول، أصبح من المحتمل أن تخضع العشرات من البلديات في الولايات المتحدة للحراسة القضائية، كما حدث مع مدينة نيويورك أثناء سبعينيات القرن العشرين. والآن أصبحت المتاجرة في السندات البلدية في الولايات المتحدة تتم وفقاً لعلاوة مخاطرة ضخمة، وحتى الآن لم يحدث بعد أول تخلف حكومي ضخم عن السداد.

بطبيعة الحال، إذا ما سقط الدولار من عليائه باعتباره العملة المهيمنة على مستوى العالم في أي وقت قريب، فإن اليورو سوف يشكل البديل الجاد الوحيد له. وقد يحل اليوان محل الدولار أثناء النصف الثاني من هذا القرن، إلا أن الضوابط الرهيبة التي تفرضها الصين على رأس المال وغير ذلك من أساليب القمع المالية تجعل اليوان غير مؤهل في الوقت الحالي للعمل كمرساة للنظام الاقتصادي العالمي.

من حسن حظ الدولار أن اليورو أيضاً يعاني مشاكله الخاصة، فمازالت البنوك الأوروبية مجزأة إلى ما يشبه الدويلات، حيث تسعى الأنظمة الوطنية المختلفة إلى دعم أبطالها، وقد يكون القدر الأعظم من دين الحكومات الأوروبية باليورو، إلا أن الأمر مختلف في ألمانيا وإيطاليا، وهذا يعني أن سوق سندات اليورو الحكومية تفتقر إلى العمق والسيولة الذي يتمتع به سوق سندات الخزانة الأميركية.

فضلاً عن ذلك فإن المستثمرين الدوليين يستطيعون شراء وبيع العقارات في الولايات المتحدة بيسر وسهولة مقارنة بأغلب بلدان أوروبا. وغياب السياسة المالية التي تشمل أوروبا بالكامل يتسبب في حالة من عدم اليقين بشأن الكيفية التي قد تتمكن بها البنوك المركزية الأوروبية من تمويل نفسها إذا ما تعرضت فجأة لخسائر ضخمة ناتجة عن ديون مصرفية معدومة بعد محاولة إنقاذ كبرى.

بيد أن اليورو يتمتع بمواطن قوة متنامية، فبأسعار الصرف الحالية في السوق، أصبح الاتحاد الأوروبي أضخم من الولايات المتحدة اقتصادياً. هذا فضلاً عن القدر الهائل من الحيوية والمرونة التي جلبتها البلدان الأعضاء الجديدة من شرق ووسط أوروبا على الاتحاد الأوروبي.

وفي ذات الوقت، اكتسب البنك المركزي الأوروبي قدراً معقولاً من المصداقية بفضل تعامله مع أزمة الائتمان العالمية، وإذا ما تمكنت منطقة اليورو من إقناع بريطانيا العظمى بالالتحاق كعضو كامل العضوية، وبالتالي اكتساب أحد المركزين الماليين العالميين الرئيسيين (لندن) في صفها، فقد يبدأ اليورو حقاً في البروز كبديل حقيقي عن الدولار.

أثناء عام 1971، وبعد انهيار الدولار مع اقتراب نهاية العمل بنظام سعر الصرف الثابت الذي بدأ العمل به في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، قال جون كونلي، وزير مالية الولايات المتحدة آنذاك، أثناء اجتماعه بنظرائه الأجانب: «الدولار عملتنا، ولكنه مشكلتنا نحن». ومنذ ذلك الوقت اكتسب الدولار مكانة عالمية استمرت حتى الآن، على الرغم من العديد من نوبات الإهمال وسوء الإدارة.

إن المعايير التي تحكم العملة النقدية العالمية تتسم بقدر هائل من الجمود. فالجنيه البريطاني لم يتنازل عن مكانته للدولار الأميركي إلا بعد خمسين عاماً من الانحدار الصناعي وبعد حربين عالميتين، إلا أن التحول قد يحدث على نحو أسرع كثيراً هذه المرة، ويتعين على محافظي البنوك المركزية ووزراء المالية أثناء تفكيرهم في الكيفية التي يمكنهم بها التدخل لدعم الدولار، أن يشرعوا في التفكير أيضاً في التصرف الواجب القيام به حين يصبح لزاماً عليهم أن يكفوا عن المحاولة.

* كينيث روغوف | Kenneth Rogoff ، أستاذ علوم الاقتصاد والسياسات العامة بجامعة هارفارد وكان سابقاً يشغل منصب كبير خبراء الاقتصاد لدى صندوق النقد الدولي.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top