العراق أكثر من مجرد مشكلة أميركية

نشر في 25-07-2007 | 00:00
آخر تحديث 25-07-2007 | 00:00
 ريتشارد ن. هاس

من المحتمل أيضاً أن تؤدي مقاومة الجهود الإيرانية الرامية إلى فرض هيمنة إيران على العراق إلى اتساع رقعة الصراع لكي تشمل المملكة العربية السعودية، ومصر، وغيرها من بلدان المنطقة. ومثل هذا الصراع من شأنه أن يهدد تدفق النفط من منطقة الشرق الأوسط إلى بقية العالم.

يبدو أن العديد من الناس في أنحاء العالم كافة منغمسون في الاستمتاع بمعاناة الآخرين، ويبدو أن هذا النوع من المتعة يستمد الآن من المعاناة التي تتكبدها الولايات المتحدة بعد أربعة أعوام من الجهود المستمرة في محاولة لجلب الاستقرار إلى العراق.

ربما كانت ردة الفعل هذه متوقعة على مستوى ما. فالسخط على الأثرياء والأقوياء ليس بالأمر الجديد. إلا أن الولايات المتحدة تسببت بأفعالها وأساليبها المنحرفة خلال السنوات القليلة الأخيرة في تفاقم ردة الفعل هذه.

وفي نظر بعضهم كان السبب المباشر لهذا قرار أميركا بشن الحرب ضد العراق؛ وفي نظر آخرين كانت غوانتانامو والمعايير المزدوجة للعدالة الأميركية هي السبب. وهناك من يرى أن السبب يكمن في الافتقار إلى الجهود الجادة لإحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين أو معارضة الولايات المتحدة لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية أو التوقيع على «بروتوكول كيوتو» الخاص بتغير المناخ. ونتيجة لهذا فقد تنامت كراهية أميركا من حيث مداها ومن حيث حدتها.

إن كل الحلول المقترحة للمشاكل التي تواجهها الولايات المتحدة في العراق تفتقر إلى بُـعد النظر، وهي بالتالي قصيرة العمر.

إن كل حكومات العالم تهتم بمستقبل العراق واستقرار الشرق الأوسط. فالإرهاب الذي تولد في العراق لن يظل كامناً هناك. وهؤلاء الرجال والنساء الذين تعلموا كيفية تصنيع وتفجير القنابل في شوارع بغداد سوف يمارسون حرفتهم في أماكن أخرى من المنطقة وخارجها.

والإرهابيون الذين تذوقوا طعم النجاح في العراق سوف يستديرون نحو الآخرين. ولن تكون العبارات والشعارات المناهضة لأميركا كافية لتوفير الحماية أو الحصانة للحكومات أو الأفراد الذين يحجمون، ولأسباب وجيهة، عن المصادقة على الأجندة المتعصبة التي يتبناها الإرهابيون.

إن الحرب في العراق لن تؤدي إلا إلى تفاقم الصراعات بين الأقلية السُـنّية والأغلبية الشيعية في البلاد، ومثل هذه الصراعات قد تتكرر في أماكن أخرى حيث يعيش السُـنّة والشيعة جنباً إلى جنب. وحتى إن لم يحدث ذلك فإن فرار الملايين من اللاجئين السُـنّة من شأنه أن يضعف من أساسات الدول المجاورة، بما فيها الأردن. فضلاً عن ذلك فإن الاقتتال المستمر في العراق قد يؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية. على سبيل المثال، سنجد أن تركيا الآن على أهبة الاستعداد للهجوم على الدويلة الكردية المغلقة في شمالي العراق.

من المحتمل أيضاً أن تؤدي مقاومة الجهود الإيرانية الرامية إلى فرض هيمنة إيران على العراق إلى اتساع رقعة الصراع لكي تشمل المملكة العربية السعودية، ومصر، وغيرها من بلدان المنطقة. ومثل هذا الصراع من شأنه أن يهدد تدفق النفط من منطقة الشرق الأوسط إلى بقية العالم.

حتى لو لم تتسع رقعة الصراع على هذا النحو، فإن ما يحدث في العراق لابد أن يؤثر على أسعار النفط. إن معدلات إنتاج النفط في العراق الآن أقل مما كانت عليه أثناء حكم صدّام حسين، والعراق قادر على مضاعفة إنتاجه الحالي إلى ثلاثة أمثاله. إلا أن تحقيق هذه الغاية يحتاج إلى استثمارات ضخمة، وهو ما يتطلب بالتالي الثقة الدولية في استقرار مستقبل العراق.

في ظل الافتقار إلى هذه الثقة فإن الناتج من النفط العراقي لن يقترب من تحقيق طاقاته الممكنة. ولسوف يؤدي هذا إلى توسيع الفجوة بين المعروض العالمي من النفط وبين الطلب عليه. والنفط الباهظ الثمن يشكل ضريبة باهظة على الفقراء في الدول النامية ومصدراً للتضخم في الدول المتقدمة. كما أن ارتفاع أسعار النفط من شأنه أن يوفر المصادر لحكومات تتبنى في كثير من الأحوال سياسات خارجية متضاربة مع مصالح أغلب الدول الأخرى.

إن الهيئة التي ستخرج عليها الولايات المتحدة من العراق سوف تؤثر أيضاً على بقية دول العالم، التي تخشى الآن أن يتسبب الفشل في العراق على نطاق واسع إلى إضعاف الدعم السياسي الداخلي في أميركا للاضطلاع بأي دور دولي نشط في المستقبل، وبصورة خاصة نشر القوات العسكرية. وهو الدور الذي قد يكون صعباً، إلا أنه ضروري في كثير من الأحوال.

إن البديل لعالم تصوغه ولايات متحدة قوية واثقة ومستعدة للمشاركة ليس من المرجح أن يكون عالماً مسالماً مزدهراً وحراً. ونستطيع أن نؤكد من الناحية الاستراتيجية أن أي دولة أخرى، أو مجموعة من الدول، لا تملك المقومات اللازمة للحلول محل الولايات المتحدة. والبديل للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة هو الفوضى العالمية، حيث الإرهاب، والانتشار النووي، وفرض إجراءات الحماية الاقتصادية.

وهذا يعني؛ أولاً، أن الحكومات ينبغي أن تتجنب التصريحات العامة التي تصف الوجود الأميركي بالاحتلال والافتقار إلى الشرعية، خشية أن تتعاظم احتمالات رحيل قوات الولايات المتحدة بالكامل عن العراق وترك البلاد وشعبها لمواجهة مصير رهيب.

ثانياً، يتعين على بلدان العالم مساعدة الحكومة العراقية، على الرغم من النقائص التي تعيبها. وهذا يعني توسيع نطاق الاعتراف الدبلوماسي بها، بما في ذلك افتتاح السفارات. كما يتطلب الأمر توفير المساعدة المالية، التي تتراوح ما بين الإعفاء من الديون إلى تقديم القروض والاستثمارات والأشكال الأخرى من المساعدة. وبطبيعة الحال، هناك العديد من الحجج الأخلاقية والعملية التي تدفعنا إلى تخفيف المحنة التي يعانيها اللاجئون والنازحون داخلياً.

ثالثاً، لابد من كبح جماح الإرهاب. وهذا يعني بذل كل الجهود الممكنة لوقف تسلل الإرهابيين إلى العراق وإعادة النظر في دعم الميليشيات. والحقيقة أن أياً من الدول المجاورة للعراق، بما في ذلك إيران، لن تستفيد بأي حال من ذلك الصراع الطائفي الذي قد يتحول إلى حرب إقليمية.

أخيراً، يتعين على الحكومات أن تفكر في المساهمة بقوات عسكرية للمساعدة في إحلال النظام، وتدريب قوات الشرطة العراقية وقواتها المسلحة، ومساعدة العراق في حراسة حدوده. وبينما تخفض الولايات المتحدة من دورها في العراق، فلابد أن تبادر دول أخرى إلى سد الفراغ، لحماية الحكومة العراقية من السقوط وحماية العراق من التحول إلى دولة فاشلة.

تؤكد الوقائع الحالية أن مستقبل العراق ليس مضموناً حتى بعد اتخاذ مثل هذه الخطوات وغيرها. إلا أن الفارق كبير بين عراق يناضل وعراق ينهار؛ بين عراق يساهم في أمن الطاقة العالمي وعراق يساهم في تقويض ذلك الأمن؛ بين حرب أهلية وحرب إقليمية. ربما تكون فرص نجاح الولايات المتحدة في العراق قد ضاعت، إلا أن الفرصة مازالت متاحة أمام دول أخرى لإنقاذ الولايات المتحدة من فشل تام.

 

رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركية ومؤلف كتاب «الفرصة: اللحظة التي تستطيع فيها أميركا أن تبدل مسار التاريخ».

«بروجيكت سنديكيت» بالتعاون مع «الجريدة»

back to top