تعديل الدوائر... أم تعديل العقول والضمائر؟!

نشر في 12-04-2008
آخر تحديث 12-04-2008 | 00:00
 حمد نايف العنزي

أرى أن الجهود يجب أن تنصب على «إعادة برمجة» العقليات، واستبدال المفاهيم الخاطئة، والتركيز على زيادة الوعي البرلماني عند الناس ناخبين ومنتخبين،لأنه طالما بقيت هذه العقليات والمفاهيم على حالها فلن يتغير شيء، سواء كانت الدوائر «واحدة» أو «خمسا» أو حتى «عشرمية»!

تعددت الآراء وتنوعت فيما يخص العدد الأمثل والأفضل للدوائر، لضمان الحصول على نواب وطنيين يمثلون الجميع بعيدا عن القبلية والفئوية والطائفية، وقد اجتهد الجميع وطالبوا بما يرونه الأصوب والأنجح، ولم تخل المطالبات بطبيعة الحال من الأهواء والمصالح الشخصية، فبعضهم حنّ «للأيام الخوالي» وتمنى أن تعود الدوائر الانتخابية كما كانت 25 دائرة، لأن أسهمه بالنجاح قد تقلصت، إن لم تكن قد انعدمت بعد تحويلها إلى دوائر خمس، وبعضهم الآخر سعيد ويقول «الله لا يغير علينا» لأنه قد وجد أن الدوائر الخمس هي الأفضل بالنسبة له، حيث إنها تتيح له ومن خلال قبيلته أو طائفته ذات الوجود الأكبر في دائرته، ضمان الوجود في البرلمان إن «رست» عليه الفرعية و«ضبط نفسه» بالتحالفات، وآخرون ينادون وبدافع وطني صادق في كثير من الأحيان بجعلها دائرة واحدة، فقد اتضح لهم أن الدوائر الخمس كانت «مقلبا» صنعوه من دون أن يشعروا ثم كانوا أول من شربه، فالدوائر الخمس لم تقضِ كما توقعوا على القبلية والطائفية وشراء الأصوات والتدخل الحكومي، بل لعلها يسّرت الأمور حين ظهرت طرق جديدة مبتكرة، كان «الإبداع» فيها جليا واضحا! ولكن، أيها السادة الكرام، هل تظنون حقا أن مشكلتنا في «عدد» الدوائر؟!

وهل تغيير عددها هو الحل الأمثل، للحصول على مجلس أمة مثالي؟! رأيي الشخصي أن المشكلة لم ولن تكون أبدا في عدد الدوائر، لأن الأمر في الواقع خلاف ذلك تماما، فحتى لو جعلناها دائرة واحدة كما يرى بعض المخلصين، صدقوني سيجد الفاسدون منفذاً ينفذون منه، وطريقة يحتالون بها، فالمشكلة الحقيقية أيها الإخوة لا تكمن في طريقة الانتخاب أو عدد الدوائر، بل في عقلية وثقافة الناخب والمرشح على السواء، فالعلة كل العلة هي في مفهوم الناخبين عن مجلس الأمة، وتصوراتهم عن النواب وعن المجلس، فبعض الناخبين لا يرى في نائب مجلس الأمة، سوى أداة يستخدمها لتجاوز الآخرين في كل معاملاته وأموره الشخصية، وبعضهم الآخر يرى فيه وسيلة للمنفعة الاقتصادية والتكسب التجاري، وآخرون يعتبرونه سلاحا يدافعون به عن الطائفة أو العرق أو الطبقة التي ينتمون إليها، والمرشحون أنواع كذلك، فمنهم وطني مخلص لا هدف له سوى خدمة الوطن ورعاية مصالح مواطنية كافة -وهم القلة القليلة- أما الأغلبية فيرون في وجودهم في المجلس مزايا شخصية عديدة، فهو أولا وجاهة اجتماعية، ومنفعة مادية، وواسطة تتفنّن في تجاوز القانون ومخالفتة، كما أن في التحول إلى «طويل عمر»، والتلذذ بسماع كلمة «طال عمرك» ممن يبحثون عن وساطته في تخليص شؤونهم الخاصة، نشوة تستحق العناء، وهؤلاء هم الأكثرية للأسف!

ولذلك أرى أن الجهود يجب أن تنصب على «إعادة برمجة» هذه العقليات، واستبدال هذه المفاهيم الخاطئة، والتركيز على زيادة الوعي البرلماني عند الناس ناخبين ومنتخبين، لأنه طالما بقيت هذه العقليات والمفاهيم على حالها فلن يتغير شيء، سواء كانت الدوائر «واحدة» أو «خمسا» أو حتى «عشرمية»!

وعلينا أن نعي أن الديموقراطية «الحقيقية» بناء متواصل وعمل لا ينتهي، وهو يتطلب تكاتف جميع المخلصين والوطنيين، فالديموقراطية الحقة هي نتاج وعي الشعوب وإدراكها، والانتخابات هي خيار الأمم المتحضرة الذي يتيح لها الحرية والعدالة والتقدم، والمواطن هو المسؤول في آخر الأمر عن نفسه ومجتمعه، وعلى قدر مستوى وعيه وعلو همته ورفعته الأخلاقية، تكون الديموقراطية والحرية والمجتمع المتحضر، وهذا معناه ألّا ننجرّ خلف من يتملق العواطف القبلية والطائفية، وينحدر إلى حضيض المزايدات الوطنية، والغوغائية الانتخابية، فتصبح ديموقراطيتنا شبحا لا حقيقة، ومفسدة لا مدرسة، وتصبح الانتخابات مجرد أداة للعبث والاستهتار بالمصلحة العليا للوطن، أو قناعا للأنانية والاستثمار، أو طريقا للفوضى ومصنعا للفساد والفاسدين!

back to top