ما قل ودل: حق الشكوى حق دستوري يحده واجب دستوري وأخلاقي

نشر في 10-03-2008
آخر تحديث 10-03-2008 | 00:00
 المستشار شفيق إمام

ولا جدال في أن تجاوز الشاكي الحدود القانونية التي تقتضيها ضرورة الدفاع عن شكواه، أمام لجنة العرائض والشكاوى، لا يمنحه حصانة، لأن القانون يطول الجميع، أيا كان موقع ارتكاب الفعل المؤثم تأديبياً أو جزائياً، الأمر الذي ينبغي أن ينبه إليه الشاكي عند مثوله أمام لجنة العرائض والشكاوى.

أثار مقالي «حق الشكوى وحق التقاضي منظومة واحدة»، المنشور يوم الاثنين 4/2/2008 تعليق الأستاذة نادية خالد العبد الغفور مديرة إدارة بوزارة الدولة لشؤون مجلس الأمة، التي تتساءل عن الحدود التي يقف عندها حق الشكوى، وتضيف إلى تساؤلها أن الحقوق الدستورية كافة ليست حقوقاً مطلقة لا يقيدها قيد ولا يحدها حد، بل تحوطها ضوابط واعتبارات دستورية، لأن الدستور يجب أن يفسر باعتباره وحدة واحدة، مثلما قضت المحكمة الدستورية، أن الحق في الرقابة البرلمانية يقف في مقابله حق الفرد في حماية خصوصياته، بما يوجب التوفيق بينهما علي نحو يحقق مصلحة المجتمع (المحكمة الدستورية – جلسة 8/11/1982 – تفسير رقم 3 لسنة 1982).

وتضيف إلى ذلك- بحكم عملها في وزارة الدولة لشؤون مجلس الأمة- ما يلقاه المسؤولون الذين تدعوهم لجنة العرائض والشكاوى إلى الحضور أمامها والاجتماع بهم لمناقشة موضوع الشكوى والتعرف على وجهة نظرهم فيها من تجاوزات من أصحاب الشكاوى في حق رؤسائهم، لأن الشاكي يشعر بأنه في حمى مجلس الأمة وفي حمى اللجنة، وأن ذلك يقف سداً منيعاً يحول دون محاسبته أو مؤاخذته على أي تجاوزات تقع منه داخل اللجنة في حق المسؤولين الذين حضروا أمام اللجنة، بناء على دعوتها لتقديم وجهة نظرهم في موضوع الشكوى.

وأتفق مع القارئة في أن الحقوق الدستورية ليست حقوقاً مطلقة، وأجيب عن تساؤلها بأن حق الشكوى، باعتباره حقاً دستورياً يقابله واجب دستوري تفرضه القيم الرفيعة في المجتمع، والأخلاقيات العامة التي يجب أن يتحلى بها أفراده في مخاطبة المسؤولين، بل في مخاطبة بعضهم بعضاً، وهو واجب فرضه الدستور على الكافة فيما نصت عليه المادة (49) من أن «مراعاة النظام العام واحترام الآداب العامة واجب على جميع سكان الكويت».

وجاءت المادة (152) من اللائحة الداخلية لتجسد هذا المعنى، بالنسبة إلى حق الشكوى، فيما أوجبته على الشاكي بأن تكون شكواه أو عريضته «خالية من العبارات غير اللائقة»، فإذا لم تستوف الشكوى أو العريضة هذا الشرط، فلرئيس مجلس الأمة أن يأمر بحفظها، إعمالاً للمادة (154) من اللائحة.

وهو التزام على الشاكي، لا يقتصر على مدونات الشكوى أو العريضة، بل يمتد إلى المناقشات التي تجري داخل لجنة العرائض والشكاوى، عند فحصها للشكوى.

الأمر الذي يحتاج إلى وقفة نضع فيها النقاط على الحروف في هذه المسألة، بدءاً بأنه لا يجوز للشاكي، لدى دعوته للحضور أمام لجنة العرائض والشكاوى أن يتطاول على المسؤولين أو يوجه إليهم عبارات لا تليق، مستغلاً في ذلك سعة صدر اللجنة والأدب الذي يتحلى به المسؤول، وغالباً ما يكون الشاكي موظفاً بالجهة المشكو في حقها، فيردد على مسامع رؤسائه من العبارات والألفاظ، ما يستهجنه عادة رؤساء اللجنة، في محاولة لمنعه من الاسترسال، إلا أن ما نراه، في هذه الحالة هو عدم الاكتفاء بهذا الاستهجان، بل يجوز للجنة أن تأمر بحفظ الشكوى، قياساً على حكم المادة (154) الذي يخول رئيس مجلس الأمة حفظ الشكوى عندما تحتوي على عبارات غير لائقة، خصوصا مع ما هو معروف من أنه إذا كان القلم مقيداً فاللسان طليق.

وفي رأينا كذلك أن الأمر لا يقتصر على حق رئيس المجلس وحق لجنة العرائض والشكاوى في حفظ الشكوى، عندما ينطوي التطاول على المسؤول على فعل مؤثم جزائياً، سواء كان الشاكي فرداً عادياً أو موظفاً، بل يتعداه إلى حق المسؤول في إبلاغ سلطات التحقيق الجزائية بما وقع عليه من اعتداء بألفاظ وعبارات جارحة في اللجنة.

كما أن الأمر يشكل، بالنسبة إلى الشاكي، عندما يكون موظفاً- في الأغلب الأعم من الشكاوى- يشكل مخالفة لواجبات الوظيفة تستأهل العقاب التأديبي بوصفها ذنباً إدارياً، لأنه من المستقر في أحكام القضاء أنه وإن كان من حق الموظف أن يطعن في التصرف الإداري بأوجه الطعن القانونية التي من بينها سوء استعمال السلطة أو الانحراف بها، إلا أنه يجب عليه أن يلتزم في هذا الشأن الحدود القانونية التي تقتضيها ضرورة الدفاع من دون أن يجاوز ذلك إلى ما فيه تحدٍ لرؤسائه، أو التطاول أو التمرد عليهم، أو المساس أو التشهير بهم وامتهانهم، وإلا فإنه عند المجاوزة يكون قد أخل بواجبات وظيفته بما تقتضيه من توقير لرؤسائه، وبما تفرضه عليه من واجب إطاعتهم، فليس يسوغ للموظف أن يتخذ من شكواه ذريعة للتطاول على رئيسه بما لا يليق، أو لتحديه والتمرد عليه أو التشهير به.

ولا جدال في أن تجاوز الشاكي الحدود القانونية التي تقتضيها ضرورة الدفاع عن شكواه، أمام لجنة العرائض والشكاوى، لا يمنحه حصانة، لأن القانون يطول الجميع، أيا كان موقع ارتكاب الفعل المؤثم تأديبياً أو جزائياً، الأمر الذي ينبغي أن ينبه إليه الشاكي عند مثوله أمام لجنة العرائض والشكاوى، وهو ما يحقق كذلك التعاون بين السلطتين التشريعية والقانونية التزاماً بأحكام الدستور التي نصت على قيام نظام الحكم على أساس فصل السلطات مع تعاونها.

back to top