الردود على تقارير حقوق الإنسان بشأن الكويت... اجتهادات موظفين ما قيمتها إن لم تحددها سياسة عامة ويجمعها كيان مستقل؟!

نشر في 26-07-2007 | 00:00
آخر تحديث 26-07-2007 | 00:00
تبدو الكويت في حال مرتبكة، كلما قامت جهة خارجية بإصدار تقرير دولي يتناول حقوق الإنسان في دول العالم ومنها الكويت، والسؤال الذي يجدر الاهتمام بالإجابة عنه: أيهما أولى تصحيح أوضاعنا في مجال حقوق الإنسان، أم نفي ما يقال في تقارير المنظمات والدول الأخرى؟

حديثنا اليوم سوف يرتكز على نقاط محددة ذات صلة بالاوضاع الانسانية المحلية والتقارير الدولية. فهذا الموضوع يحدث صخبا على اثر اي تقرير سنوي يصدر في الخارج لرصد اوضاع حقوق الانسان، تكون الكويت من بين مواده.

* السياسة العامة لمعالجة التقارير: لا تملك الحكومة حاليا سياسة واضحة المعالم في شأن الرد على التقارير الدولية، ولا يزال ما يتم من نشاط في هذا المجال مجرد اجتهادات وزراء تبدلوا وبقيت اجتهاداتهم تنفذ من خلال لجان في بعض الوزارات. ولا تزال الكويت تفتقد الى جهة مركزية تكون معنية مباشرة بحقوق الانسان، اذ لا يزال الوضع الحالي يتوزع، وربما يُتنازع عليه بين الجهات المختلفة، ولاتزال هناك مشكلة في التفريق بين تقارير تصدر عن منظمات حقوق الانسان، او تقارير تصدرها حكومات.

ونعني هنا تحديدا تقارير وزارة الخارجية الاميركية حول الحريات الدينية والاتجار بالبشر وغيرها.

* الارتباك والتشتت: ونقصد هنا أن اهتمام الجهات الرسمية بمسألة التقارير السنوية يصب في الخانة الخطأ، فما ان يصدر تقرير عن الحكومة الأميركية، حتى نرى النشاط المحموم يدب في تلك الجهات للرد على كل ما يحتويه التقرير، فيما تقارير منظمتي هيومن رايتس ووتش وآمنستي، لا تلقى أي بال رغم أنها الأجدر بالاهتمام على اعتبار أنها تقارير غير حكومية ومهنية صرفه.

* الضعف والسطحية: وهما سمتان تسودان كتابة الردود على التقارير، فالملاحظ ان ما يتم تجميعه من معلومات لا يعدو كونه كلاما مرسلا، واستعراضا لمواد الدستور والقوانين المرعية، وليس هذا الهدف من التفاعل مع ما يكتب في الخارج، مع اعتقادنا ان مسألة الرد هي في حد ذاتها مضيعة للوقت ليس الا، وسنوضح ذلك في نقطة مستقلة. والحاصل ان ما تكتبه المنظمات المتخصصة او تقارير الحكومة الأميركية يتضمن وقائع وأرقام وأحداث. أما ردود الكويت، فلا ترشدنا الا الى مواد جامدة في الدستور واللوائح والقوانين والقرارات الوزارية.

* الفقر المؤسسي: الكويت فقيرة جدا في البناء المؤسسي المعني بحقوق الانسان، ورغم الجودة النسبية لأوضاع حقوق الانسان في الكويت بالمقارنة مع أوضاع دول أخرى وربما مجاورة، إلا اننا نجد ان الأخيرة سبقتنا كثيرا في تشكيل مؤسسات متخصصة تتولى هذا الملف برمته، وتُذكر في هذا الشأن المؤسسات الموجودة في كل من مصر والمغرب واليمن، وقطر اخيرا. ولذلك فإن احياء فكرة الهيئة الوطنية لحقوق الانسان التي ناقشها مجلس الامة في منتصف التسعينيات ولم تتحمس لها الحكومة، وحاربته بشكل واضح القوى الاسلامية آنذاك على اعتبار انه مشروع (ليبرالي)، أمر جدير بالاهتمام اليوم!! فنحن بحاجة الى مثل هذا المشروع بعد تطويره، وتعديل بعض مواده ليؤسس لنا كيانا مسؤولا عن حقوق الانسان، كما هي الحال في نموذجي الهيئة العامة للبيئة والهيئة العامة للشباب والرياضة.

* الهدف من الرد: في الرد على ما يكتب عن الكويت في الخارج عناء كبير، ومضيعة للوقت، خاصة إن كانت الردود بالطريقة التي يجري الاعداد لها وإخراجها على الملأ، فالأصل ان يتم الاهتمام بالحالات التي تمس أشخاصا تعرضوا لانتهاك محدد، وضمن وقائع وملابسات، ولو تم التركيز على مثل هذه الأمور فلن تكون هناك أي مشكلة، والكويت في النهاية ليست جنة الله على الأرض، فهناك مشاكل يتعرض لها أفراد كما يتعرض لها أناس في السويد وأميركا أو أي بلد راق ومتحضر. أما الدخول في متاهات تتعلق بالنظرة الى المرأة، أو طبيعة نظام الحكم، او قوانين الاعدام وغيرها من الأمور المتعلقة بسياسات عامة أو إرث اجتماعي وديني، فلا طائل من الدخول في نقاشات سنوية متكررة حولها. ونعتقد ان تغيير السياسة الخاص بالردود في اتجاه يصب في هذا المنحى سيرشد عملية التعامل مع التقارير الدولية.

* الادارة الحكومية: مسألة الادارة بشكلها العام في الكويت هي مشكلة المشاكل، وهناك انطباع (يصدقه العمل) كما يقولون، بأن مؤسسات الدولة تعمل بشكل انفرادي، ولا ترابط فيما بينها. وما دام موضوعنا هنا حول حقوق الانسان، فلدينا مثال واضح تمت معالجته بشكل حاسم عام 2003. الهيئة العامة للشباب والرياضة هي جهة حضارية تعكس مدى اهتمام الدولة بالشباب والرياضة، إلا ان أحد النوادي التابعة لها، ونعني هنا نادي (سباق الهجن) كان منفلتا في السابق في الشروط الواجب اتخاذها بشأن استخدام الاطفال في تلك السباقات الخطيرة. ووجهت انتقادات لاذعة للكويت بهذا الشأن من المنظمات الدولية، وتحديدا منظمتا هيومن رايتس ووتش، وآمنستي، إلا ان التفاعل مع تلك التقارير لم يكن على مستوى الحدث، فالهيئة لم تحرك ساكنا تجاه ذلك الوضع الاعلامي المتوتر لسنوات طويلة، حتى تفتق ذهن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وهي المشرفة على الهيئة، عن ضرورة معالجة ما يجري في النادي المذكور... فأصدرت القرارات ومُنع بموجبها استخدام الاطفال في مثل هذه السباقات، وحل محلهم ما يسمى بـ (الروبوت الآلي) وكان ذلك في عام 2003، هذا نموذج يعكس عدم وعي الجهات الحكومية بالواقع الدولي ومتطلباته فيما يخص حقوق الانسان. وتسري مشكلة التخطيط الاداري وغياب السياسات على قضايا أخرى مثل الكفيل، تجارة الاقامات، وخدم المنازل...

* نختم هذا الجزء، على ان نقدم جزءا أخيرا الخميس المقبل، بالقول إن دولة الكويت لم تصنف في يوم الأيام بانتهاكها (المنهجي) لحقوق الانسان، فما يحدث من تعديات واشكالات لا تعدو كونها مرتبطة بطبيعة الادارة وسوئها التي تؤثر على انجاز معاملة بسيطة في دائرة حكومية، كما تؤثر في موضوع يهم كرامة الانسان أيا كان مواطنا أم مقيما... ونعتقد أن تحسين ظروف وبيئة الادارة ونبذ الواسطة وتحكيم القانون، كفيلة بحل معظم المشكلات التي تشارك الدولة فيها وبتعمد عبر انتشار الفساد الاداري وسوء التخطيط، وترك الملفات الكبرى في أيدي أفراد يأتون ويذهبون ولا تتحرك نحو الحل لسنوات طويلة... فهل يعقل ان تكون لدينا مشاكل يزيد عمرها على 40 سنة في بلد لم يكمل سكانه 3 ملايين نسمة؟!

في حلقة الاسبوع القادم سنتطرق الى موضوع ذي صلة بحديثنا في هذه الحلقة، وسنتحدث لاحقا عن تحدي إنشاء لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. وكيف ستتعامل الكويت مع هذا التطور بموجب طبيعة وتقييم الأداء الحالي للإدارة الرسمية لملف حقوق الإنسان.

back to top