النفايات النووية في الكويت... أين الخارطة؟... وأين السفينة؟ بيعت لتاجر كويتي بواسطة شركة هنغارية لكنه تخلى عنها أخيراً قسم في أم القواطي وآخر قرب بوبيان... وربما في أماكن أخرى!
رغم تحرير الكويت من الاحتلال العراقي قبل 16 عاماً، فإن تداعيات العدوان لم تنته فصولاً، حيث تؤكد العديد من المصادر وجود نفايات نووية في الكويت، تسببت في العديد من الأمراض المزمنة، وتؤثر في البيئة، من بين هذه المناطق جزيرة بوبيان وصحراء أم القواطي، لكن الموضوع لا يزال يكتنفه بعض الغموض...
مجرد علامات استفهام، ما يحصل عليه كل من يريد معرفة حقيقة النفايات النووية الموجودة في الكويت، فالأميركيون وحدهم يملكون «الخارطة» التي تدل على الأماكن التي دفنت فيها تلك النفايات، و«جماعتنا»... الكويتيون، لايؤكدون ولا ينفون مدى خطورة هذه النفايات، وآخر ما سمعنا أن آلاف الاطنان من الاتربة الملوثة بالاشعاعات، وما يقارب مئتي دبابة ملوثة أيضا، بانتظار وصول باخرة مخصصة لنقلها إلى الولايات المتحدة الاميركية للتخلص منها هناك في عملية اعتبرت «واحدة من أكبر مشاريع معالجة النفايات النووية التي تشهدها المنطقة»!حسنا أين الباخرة؟بعد مشروع استمر 16عاما جرى خلاله جرف تربة ملوثة بالاشعاع نتيجة حرب تحرير الكويت عام 1991، أقيمت مصانع في منطقة ام القواطي البرية في الكويت، حيث جمعت تلك الملوثات في براميل خاصة، مع تقطيع معادن الآليات الملوثة وتعبئتها استعدادا لنقلها إلى الولايات المتحدة الاميركية في باخرة معدة لهذا الغرض، لكن الباخرة لم تصل، لا أحد يعرف أين ذهبت أو ربما ضلّت طريقها!الأكيد أن جميع مخلفات حرب تحرير الكويت من الذخائر والدبابات، جرى جمعها في منطقة «أم القواطي» وهي منطقة صحراوية تقع في محيط منطقة الأديرع (شمال الكويت) وقريبا من قاعدة على السالم الجوية، تطبيقا لعرف عسكري، بأن أي ذخيرة تدخل حربا يجب التخلص منها، لأنها تحتاج الى صيانة ومتابعة، أو لأنها ستشكل خطرا، وربما تنفجر أو تصبح غير مأمونة، وعلى هذا الأساس جرى جمعها في مكان واحد لإيجاد طريقة لاحقا للتخلص منها. بعد شهرين من جمعها، بيعت لتاجر كويتي بواسطة شركة هنغارية، وبسبب سوء تخزينها وتركها في الصحراء تحت درجات حرارة مرتفعة، حدث أكثر من عشرين انفجارا لها، وتعرضت لتلف كبير، وباتت أكثر خطورة، رفض التاجر أن يأخذها، ورفع قضية ضد وزارة الدفاع، للحصول على تعويض مناسب... حتى تبين بعد ذلك أنها ملوثة باليورانيوم المستنفد، ويبدو أن البعض فكر في التخلص منها بأسهل طريقة متاحة، عبر دفنها في الكويت، ووأد الموضوع! غير أن مصادر مطلعة كشفت لـ«الجريدة» أن العديد من النفايات النووية موجودة في جزيرة بوبيان، ويسهل على كل من يقف أمام جسر بوبيان أن يشاهدها بالعين المجردة، مشيرا إلى أن آخر زيارة إلى هذا المكان كانت في أكتوبر من العام الماضي، وأبدى المصدر تخوّفه في حال وصول اليورانيوم المستنفد إلى الماء. الاستنشاق والبلع والامتصاصوفقا لمدير عام «ايكو» للاستشارات البيئية الدكتور علي خريبط يستخدم اليورانيوم المستنفد في التسلح العسكري كونه مادة صلبة وقوية جدا وعالية الكثافة، حيث يستخدم في تصنيع القذائف الخارقة للدروع وفي تقوية هياكل بعض الآليات العسكرية مثل الدبابات. والسبب الآخر في الاستخدام هو أيضا تخفيف كميات المخلفات الإشعاعية عن طريق إعادة استخدامها بعد تأهيلها، واستطرد دكتور خريبط قائلا «أثناء العمليات العسكرية وفي حال استخدام اليورانيوم المستنفد من خلال بعض الأسلحة المعينة مثل الخارقة للدروع والتي في حالة إصابتها للهدف تنطلق منها المادة المكونة لجزء منها (مادة اليورانيوم المستنفد). مشيرا إلى ثلاثة طرق للتعرض للإصابة من المواد المشعة وهي الاستنشاق، والبلع والتي تحدث في حال وصول المادة المشعة إلى مصدر مائي أوغذائي أو إلى التربة، وأخيرا يمكن أن يتعرض الإنسان للإصابة من الإشعاع عن طريق الامتصاص الجلدي وهو قد يحدث بصورة خطيرة عندما يكون جسم الإنسان به جروح وبالتالي تدخل المادة المشعة إلى الدم ومنه إلى أجزاء الجسم المختلفة.وأكد الدكتور خريبط «استخدام قدائف تحتوي على يورانيوم منضب في منطقة الخليج العربي أثناء العمليات العسكرية، في حرب تحرير الكويت وفي حرب تحرير العراق»، وأوضح أن «مشكلة تأثير مثل هذه القذائف والأسلحة على الصحة والبيئة ليس في استخدامها فحسب، بل حتى في تخزينها ونقلها»، مؤكدا أن «التعامل معها بشكل صحيح وأخذ الاحتياطات يقللان من آثارها كثيرا». ولاحظ أن «شمال وجنوب العراق وجزءا من المنطقة المحاذية للحدود السعودية-الكويتية يوجد بها اليورانيوم المستنفد، بسبب وجود المدرعات العراقية في هذه المناطق»، مشيرا إلى أنه تم «تسجيل عدة حوداث وبشكل رسمي من قبل القوات الأميركية، منها حوادث دبابات ملوثة باليورانيوم المستنفد بعد إصابتها وانفجار مستودع ذخيرة لليورانيوم المستنفد».أعراض مرضيةوأشار الدكتور خريبط إلى أنه أثناء عملهم التطوعي مع زملاء كويتيين آخرين في مكافحة كارثة حرق آبار النفط الكويتية، في أواخر مارس أو أبريل 1991، ونتيجة احتكاكهم مع فرق بحثية عالمية، نمى إلى علمهم وجود «أعراض مرضية متلازمة لدى أفراد القوات العسكرية العاملة ضمن قوات التحالف وبالأخص القوات الأميركية والبريطانية، بلغ رقم إصابات متلازمة حرب الخليج حوالي 300 ألف إصابة في احدى الفترات». لافتا الى أنه «من الصعب تحديد عامل واحد كمسبب رئيسي لمرض حرب الخليج».وكشف عن بعض الاصابات غير المدنية من جراء هذه الأسلحة بالرغم من وجود نقص في الدراسات العلمية والطبية حول هذا الموضوع بالذات، لاعتبارات مختلفة. لكن هنالك زيادة ملحوظة في نسبة السرطان، وليس معروفا إن كان له علاقة مباشرة بالتعرض لليورانيوم المستنفد أم بعوامل أخرى غير متعلقة بالعمليات العسكرية، كالعوامل البيئية، وتغير نمط المعيشة بشكل عام.أطفال مصابون في العراقوقال الدكتور خريبط إنه خلال زيارته للعراق، وخصوصا الى مدينة البصرة بعد سقوط النظام العراقي مباشرة في أبريل 2003، قام بزيارة بعض المستشفيات، وشاهد «حالات كثيرة ومؤلمة لأطفال مصابين بالسرطان» وأشار الى نقاشه العلمي مع أحد الأطباء العاملين في مستشفى الأطفال، الذي أكد أنه «شاهد بنفسه منذ انضمامه إلى المستشفى أكثر من 250 حالة سرطان لدى أطفال في جنوب العراق في البصرة وفي المستشفى الذي يعمل به، وربط بين استخدام اليورانيوم المستنفد في الجنوب العراقي بكثافة أثناء حرب تحرير الكويت و إصابة الأطفال بأمراض سرطانية مختلفة». وطالب «بضرورة عمل اتصالات دائمة مع وكالة الطاقة الذرية العالمية ومنظمة الصحة العالمية من قبل وزارة الصحة الكويتية، بما أن لدى الوزارة إدارة ومختصين في هذا المجال ويقومون بأعمال متابعة»، كما طالب بإيجاد «تنسيق بين الكويت وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، والمنظمات الحكومية وغير الحكومية في منطقة الخليج العربي والعراق، على أن يكون مبنيا على أسس علمية صحيحة لا سياسية، من أجل التنسيق والتعاون والقيام بعمل دراسات مستفيضة عن موضوع الاستخدام والنقل والتخزين، والاستخدام المستقبلي لهذه المادة المشعة المضرة في المجال العسكري».أم القواطيوفي الوقت الذي نفى فيه مدير إدارة الوقاية من الإشعاع بوزارة الصحة سمير العصفور وجود نفايات نووية في الكويت، أشار الى وجود «بعض القذائف التي دمرت بها الدبابات العراقية وتحتوي على يورانيوم مستنفد»، مؤكدا أنه بعد التحرير قاموا بجمع هذه الدبابات ووضعت في منطقة «أم القواطي» وجرى تقطيعها ونقلت من خلال مناقصة طرحتها وزارة الدفاع إلى خارج البلاد، وقال العصفور «لا يوجد الآن سوى بعض الأتربة التي تأتي في مستوى الإشعاع الطبيعي»، مشيرا إلى أنه سيتم نقلها قريبا خارج الكويت، واستطرد «هذه لا تعد نفايات بل نتاجا لحرب تحرير الكويت».لا علاقة بين السرطان واليورانيوموأكد العصفور أن اليورانيوم المستنفد تكمن خطورته في التعامل المباشر معه (من خلال اللمس)، ونفى وجود «أي علاقة بين ارتفاع نسبة المصابين بمرض السرطان في الكويت ووجود اليورانيوم المستنفد»، وأشار إلى أن «كل رأي يقول ان الأميركيين دفنوا نفاياتهم النووية في الكويت رأي غير علمي وغير مسؤول وغير صحيح، وكل ما تم نشره خلال النظام البائد حول تأثير كمية اليورانيوم على أطفال العراق غير صحيح أيضا»، مشيرا إلى أن «العراقيين لم يتقدموا في ذالك الوقت بأي دراسة علمية محكمة تثبت وجود علاقة بين الإصابات ببعض الأمراض وانتشار كمية اليورانيوم في العراق»، وقال العصفور إن من تأثر نتيجة هذا اليورانيوم هو «بعض الجنود الأميركيين والبريطانيين من خلال استنشاقهم بخاره أثناء الانفجارات»، مشيرا الى أنه «تم التعرف عليهم ومعالجتهم».الإنسان والحيوانمن جانبه رأى مدير ادارة العلاقات العامة في الهيئة العامة للبيئة محمد سعيد رمضان أن التلوث النووي في أي مكان له خطورة شديدة على الانسان، ومنذ إجراء أول تجربة نووية في الثلاثينيات والعالم يعاني مظاهر مرضية مستعصية، وأكد رمضان أنه منذ اطلاق القنبلة النووية على هيروشيما وناكازاكي وجدت الحالات المرضية التي حدثت في وقتها من حروب وتغيير في العادات الغذائية المختلفة ومشاكل في الجهازين التنفسي والهضمي، وأشار الى أن هناك أمراضا عديدة بسبب هذه الإشعاعات، التي قد تسبب الوفاة في وقت قصير، أو تستمر مع الانسان مدة طويلة، مشيرا إلى أن خطر بعضها ينتقل إلى الجهاز الوراثي للإنسان بوصوله إلى الأجنة والتي تتسبب بإصابة الإنسان بسرطان الدرن أو الجلد أو يولد بأطراف ناقصة، وذلك لأن الإشعاع يهاجم DNA وRNA المسؤولين عن نقل الصفات الوراثية، وأكد خطورة الإشعاعات النووية على كل من الإنسان والحيوان، مشيرا إلى أن أكثر مناطق الجسم تأثرا بالإشعاع هي الجهاز التناسلي عند كل من الرجل والمرأة.وقال رمضان إن «الطريقة المثلى للتخلص من خطورة النفايات النووية هي دفنها على عمق سبعمئة متر أو مئتي قدم»، مشيرا إلى أنه «بهذة الطريقة لا يستطيع الإنسان الوصول إليها»، وحول إعلانه السابق أن «الأميركيين دفنوا نفاياتهم النووية في الكويت» قال رمضان «ما قصدته هو أن وجود العدوان العراقي الغاشم على الكويت وحضور دولة صديقة لطرد الغزاة من الكويت، اضطرت إلى استخدام اليورانيوم المستنفد في حالات خاصة ضد الآليات العراقية، وهذه الآليات التي تمت معالجتها باليورانيوم المستنفد جار حصرها ووضعها بعيدا عن أماكن وصول المواطن والبيئة الكويتية، على أساس إعدادها ونقلها إلى خارج الكويت، وهي موجودة في مكان أمين بعيدا عن متناول المواطنين».اليورانيوم المستنفذيستخدم عنصر اليورانيوم وقودا نوويا في كل المنتجات النووية سواء كان ذلك لإنشاء مفاعلات نووية أو قنابل ذرية أو غير ذلك، ومن أهم خصائصه أنه يتميز بالاشعاع المنطلق منه، حيث يتم تخصيبة وتنقيتة حتى يصبح صالحا كمادة نووية أولية. وأثناء تخصيب اليورانيوم الطبيعي لاستخدامه وقودا نوويا في المفاعلات أو السلاح النووي يتكون منتج ثانوي أطلق علية اسم اليورانيوم المستنفد الذي تختلف قدراته الإشعاعية تماما عن اليورانيوم الطبيعي المخصب. يعتبر اليورانيوم المستنفد أقل قدرة من اليورانيوم المخصب على بث أو إطلاق الإشعاعات بنسبة تقريبية قدرت بحوالي 40% وقد شاع استخدام اليورانيوم المستنفد في الدول الصناعية الكبرى وذلك في صناعة الذخائر المضادة للدروع، صناعة لوحات وقاية للمدرعات من الأسلحة الصاروخية، الصناعات المدنية كوسيلة تثبيت كما هي الحال في صناعة الطائرات والسفن، واستخدمت القوات الأميركية اليورانيوم المستنفد لتدمير دبابات العدوان العراقي الغاشم، وما زالت هناك علامات الاستفهام حول مكان وجوده في الكويت، والمعلومات المتاحة أن الأميركيين وحدهم يملكون الخارطة التي تحدد أماكن دفنه.أماكن وجودهاليورانيوم المستنفد من ناحية التأثير السمي الإشعاعي أقل كثيرا من مادة اليورانيوم. وتصنف مادة اليورانيوم ضمن المواد الثقيلة (Heavy Metals) وموجود طبيعيا في البيئة، والطبيعة، وجسم الإنسان، حيث يوجد تقريبا 90 مايكروغراما من اليورانيوم في جسم الإنسان بسبب استهلاكه الهواء والماء والغذاء الذي يتناوله. وتشير الأدبيات العلمية إلى أن 66% من اليورانيوم موجود في الهيكل العظمي و16% في الكبد و8% في الكلى و10% في أماكن أخرى في الجسم.