من أخرج جورجينا رزق من دائرة الضوء؟

نشر في 27-06-2007 | 00:00
آخر تحديث 27-06-2007 | 00:00
No Image Caption

لا ادري لماذا ابتعدت جورجينا رزق عن الأضواء؟ هل خاب ظنّها؟ هل ذاقت مرارة الشهرة أم وصلت الى مرادها؟ حين شاهدناها ضيفة في مسابقة ملكة جمال لبنان 2007 قال البعض انها لا تزال في نضارتها. إزاء ذلك تذكرت عبارة ديفيد هيوم: «الجمال ليس صفة ملازمة للأشياء أنها موجودة فقط في الذهن الذي يتأمله وكل ذهنية تنظر الى الجمال بطريقة مختلفة. يمكن لشخص ما ان يرى القباحة والتشوه في الموضع الذي يمكن ان يرى به شخص اخر جمالا مختلفا».

جورجينا كانت شغفنا في الطفولة. ان نتأمل جورجينا في افلامها «السياحية» ربما لم يعد يعنينا اليوم في «زمن الدش» والانترنت. لم تعد صورتها اكثر من نوستالجيا جميلة من دون اغواء. كنا نمضي السهرات تحت صورتها عند «شي اندريه» في الحمراء قبل قفله. أين اصبحت جورجينا الآن؟ من سرقها من الأضواء؟ حين أردنا البحث عن اخبارها في الانترنت تبين ان وزير الدفاع السوري السابق مصطفى طلاس دوّن كتاب شعر عنها سماه «تراتيل» قائلاً «الى قيصرة الجمال في القرن العشرين جورجينا رزق أرفع هذه التراتيل». وكان طلاس استقبلها في تشرين 1982 في مكتبه في حين كان العالم منشغلاً بتداعيات الاجتياح الاسرائيلي للبنان. حتى أن الفنان فريد الاطرش لحن أغنية لها تقول كلماتها: «جورجينا، جورجينا، حبيناك حبينا، لو ما حبينا عيونك، ما اتعذبنا ولا جينا». الأغنية رفضتها الإذاعة اللبنانية التي كانت ترفض تقديم أغانٍ تتناول الشخصيات العامة. فحولها الفنان فريد الأطرش إلى أغنية قدمها في فيلم «نغم في حياتي» في مطلع السبعينات واستبدل كلمة «جورجينا» بكلمة «حبينا».

صناعة الالقاب

من أين اتت جورجينا؟ من صنعها طالما ان الالقاب صناعة اولاً واخيراً. في سن الرابعة عشرة لفتت هذه الرائعة ناظري العارضة اندريه ديوتي التي أبصرت قدرات جورجينا الفائقة وعقدت العزم على تنمية هذه القدرات. في رأي اندريه ديوتي ان الجمال هو الانضباط والنظام. من هذا المنطلق خضعت جورجينا لنظام غذائي قاسٍ، وعلمتها اندريه السير بطريقة تقليدية (أي ان تمشي وعلى رأسها كتاب). سجلتها في مدرسة للرقص ودربتها على استخدام ادوات التجميل. سرعان ما اعتبرت جورجينا بعد ذلك من افضل عارضات الازياء في بيروت. عام 1970 حملت جورجينا لقب ملكة جمال التلفزيون وعام 1971 ملكة جمال لبنان. وضعت نصب عينيها اللقب الكوني. لم تكن يومذاك واثقة من الفوز. لم يكن احد يعلم ما ينتظرها الى ان سافرت وعادت حاملة اللقب. كثرت الشائعات المرافقة لهذا الفوز، ذهب بعضهم الى التلميح بأن فوزها كان نتيجة تنسيق وتنظيم من وكالة الاستخبارات الاميركية او وكالات اخرى بغية استرضاء سياسي للعرب. إنها ذهنية المؤامرة مع كل لقب او جائزة عالمية، او لنقل ان «المؤامرة الوهمية» مستمرة. يكتب احدهم «في سنوات انحسار المد القومي وبدء المد الإسلامي وبعيد النكسة (1967) بقليل توجت اللبنانية العربية جورجينا رزق بلقب ملكة جمال الكون». بينما يروي الكاتب فؤاد الهاشم: «كنت في سن الثامنة عشرة حين فازت الحسناء اللذيذة جورجينا رزق بلقب ملكة جمال الكون فانتشرت صورها على أغلفة كل مجلات العالم وصحفها، واصبحت مجلة «الشبكة» توزع أكثر من الجرائد الخليجية في دول الخليج! حين شاهدت صورها للمرة الأولى «حبيتها من أول نظرة» مثلي في ذلك مثل ملايين الشباب العرب ممن هم في الثامنة عشرة، وحدث المراد وتوجهت الى بيروت لقضاء بضعة أسابيع واذا باعلان كبير في عدد من الصحف اللبنانية يقول ان «الملكة جورجينا» سوف تلتقي جمهورها في فندق «كارلتون» وتوزع عليهم القبلات الهوائية!».

بوابات فيينا

عادت جورجينا الى لبنان منتصرة ومبتسمة. استقبلها موكب من سيارات الحكومة اللبنانية. شبه أحد المراقبين فوزها بالنسبة إلى العرب كعودتهم الى «بوابات فيينا». خصص لها فندق السان جورج غرفة بمواصفات خيالية، اذ طليت مقابض أبوابها وحنفياتها بالذهب الخالص كما حمل باب الغرفة الرئيسي الحرفين الأولين من اسمها اللذين كتبا أيضا بأحرف ذهبية. مشهد «السان جورج» اليوم مرآة لخراب لبنان في مختلف الميادين. كأن الشعب اللبناني لا يتذكر مرارة حروبه. لم يشعر بالثقوب التي احدثها الرصاص في الأرواح والاجساد والكلمات والثقافات. ربما علينا ان نقول هنا ان مدح جورجينا واخواتها شكل من اشكال مقاومة الخراب في بلد «العسل والبخور». صارت جورجينا ملكة جمال الكون في الثامنة عشرة من عمرها. تتحدر من أب لبناني وأم مجرية. كانت الوحيدة من بلاد العرب التي دخلت مسابقة «ميامي بيتش». كان الجميع يريد التعرف إلى الفتاة ذات الشعر الأسود الطويل والعينين الخضراوين والفم الكبير والجسد الأسطوري. حتى جيمي كارتر، حاكم ولاية جورجينا قبل أن يصبح رئيساً. تحققت أمنيته وظهرت صورة له مع الملكة بفستان سهرة اسود عاري الكتفين. صارت جورجينا مأخذاً على بعض السياسيين «الثوريين» فقد تزوجت ابو حسن سلامة «الفتى الأحمر». المصادر الاسرائيلية تفيد بأن أبو حسن أو «الأمير الأحمر» دوّخ ملاحقيه ونجا من أكثر من 10 محاولات اغتيال قبل أن تنجح الموساد في استهدافه عام 1979 بعد أن استعملت خطة واسعة جنّدت فيها رسامة بريطانية تدعى سيلفيا إيريكا روفائي لتعمل مع مؤسسات إجتماعية تعنى بجمع التبرعات للاجئين ورعاية الطفولة وتحت هذا الغطاء دخلت لبنان وخرجت أكثر من مرة وفي كل مرة كانت تحضر معها مبالغ تدفعها للجمعيات الخيرية للتغطية، وكانت مهمتها الأساسية استئجار شقة قرب سكن جورجينا لتراقب تحركات سلامة فسكنت في الطبقة التاسعة في مبنى قريب من مسكن جورجينا في شارع فردان. لاحقاً، قرر رافي إيتان المستشار الشخصي لمناحيم بيغن زيارة بيروت بنفسه للاطلاع على التفاصيل، منتحلاً شخصية تاجر يوناني ومتمكناً من رؤية مسكن جورجينا وتصويره ثم عاد إلى تل أبيب وأرسل ثلاثة ضباط موساد متخفين كعرب، إستأجر أحدهم سيارة والثاني فخخها بالعبوة المتفجرة والثالث تسلمها وأوقفها في المكان الذي ستنفجر فيه وتم تسليم سيلفيا جهاز التفجير وانسحب الثلاثة.

هكذا اختلط الجمال بالحرب والثقافة في زمن الحرب الباردة. اليوم ننظر الى صور جورجينا ونتذكر جمالها «الطبيعيي» في زمن تصرخ اجساد النساء ومفاتنهن بالسيليكون. تكثر القاب ملكات الجمال من الكرمة إلى الجامعة وإلى الجنوب فالجبل والسهل والنجوم وسواها.

جورجينا الجميلة شاهدة على مرحلة السبعينات. مرحلة الاحلام الوردية والحوادث الدموية التي اصبحت مسلسلاً لا احد يعرف كيف تكون خواتيمه.

جورجينا رزق حكاية تحتاج إلى من يجعلها رواية.

back to top