رئيس أسود في البيت الأبيض

نشر في 16-01-2008
آخر تحديث 16-01-2008 | 00:00
 د. شاكر النابلسي

إذا نجح المرشح الديموقراطي أوباما، ودخل إلى البيت الأبيض رئيس أسود، فستكون هذه الخطوة انعطافاً كبيراً في السياسة الأميركية، وسيكون أوباما أول رئيس جمهورية في أميركا يحمل هويات ثلاثا: الهوية الأميركية والكينية والإندونيسية؛ أي الثقافة الغربية والافريقية والآسيوية، مما سيجعل أفقه واسعاً، وحكمه على القضايا الإنسانية نبيلاً وعادلاً.

يبدو أن معركة انتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر القادم من هذا العام، ستكون من أهم المعارك الانتخابية الرئاسية التي شهدتها أميركا منذ استقلالها عام 1776 إلى الآن.

أرض الأحلام الكبيرة

لم يسبق لأي معركة انتخابية رئاسية أميركية أن اشتركت فيها امرأة، ووصلت إلى ما وصلت إليه هيلاري كلينتون من بداية التصفيات النهائية التي كانت أولى مبارياتها في ولاية «إيوا» وفاز فيها المرشح الكيني الأصل باراك حسين أوباما «45 عاماً» («باراك» كلمة عبرية معناها «البرق») والمولود في جزر الهاواي عام 1961، والذي لاتزال قريته الكينية الفقيرة «كوقلو» تعيش في حالة مزرية جداً. فقد وصف أحد الصحافيين الأميركيين الذين زاروا قرية «كوقلو» التي خرج منها أوباما بقوله: «كان أهل قرية كوقلو في غرب كينيا، يجلسون فوق كراسٍ بلاستيكية متهالكة، وحولهم دجاجات تبحث في الأرض عن بعض الحبوب لالتقاطها، وآذانهم ملتصقة على الراديو لمتابعة نتائج الانتخابات التمهيدية في ولاية نيوهامبشاير لمعرفة ما حققه ابن قريتهم أوباما». وأجرت محطة «CNN» قبل أسبوع مقابلة مع جدة أوباما لأبيه «سارة حسين أوباما» التي تعيش في كينيا، في كوخها الصغير، في قرية «كوقلو»، التي تحيط بها أشجار المانغو والميموزا. وكانت الجدة تعلق في منزلها ثلاث صور لأوباما واحدة من زياراته إلى القرية في عام 2006 والثانية عام 1987، وصورة ثالثة من حملته الانتخابية الحالية. وكانت الجدة تطحن بالجُرن الخشبي حبات الذرة لكي تصنع منها خبزاً، بينما حفيدها يقود معركة الانتخابات الرئاسية الأميركية في «أيوا». فهذه هي حقيقة أميركا من الداخل التي تتيح الفرص للجميع لكي يصلوا إلى القمة بغض النظر عن أصلهم وفصلهم، وليست أميركا التي تتلقى اللعنات الآن بمناسبة زيارة الرئيس بوش الآن للشرق الأوسط.

من رعي الأغنام في كينيا إلى جامعة هارفرد

السيناتور، وأستاذ القانون الدستوري بجامعة شيكاغو، والمحامي المدافع عن الحقوق المدنية، باراك حسين أوباما، من مواليد جزر الهاواي وأمه، حسب (ANN)، أميركية بيضاء «أصلها من ولاية كنساس» تعرّف عليها والده -الذي كان راعياً للأغنام في كينيا وحصل على بعثة دراسية في أميركا- عندما كان طالباً في كلية الاقتصاد في جامعة هاواي. وانفصلت الأم عن أبيه بعد زواج لم يدم طويلاً. ومات الوالد في حادث سيارة في كينيا عام 1982، ويبدو أن أمه تزوجت بعد ذلك من طالب إندونيسي مسلم، ورحلت معه إلى جاكرتا. فتربى الطفل باراك في أحضان جدته وجده في هاواي، وعاش كذلك فترة في جاكرتا «4 سنوات، من السادسة حتى العاشرة» حيث كانت تعيش أمه مع زوجها الإندونيسي. وهذه المعلومات موجودة كلها في كتاب أوباما عن أبيه وحياته «أحلام أبي» الذي باع حتى الآن مئات الآلاف من النسخ، نتيجة لصعود نجم أوباما في الانتخابات الأولية في ولاية «أيوا» وولاية «نيوهامبشاير».

أوباما يصعد ويصعق كالبرق

قالت جدة باراك حسين أوباما للتلفزيون، إن الفتى باراك إذا نوى أن يفعل شيئاً فسوف يحققه، فهكذا كان دائماً في طفولته وصباه، وقالت إنه عصامي إلى أبعد الحدود، ويعتمد دائماً على نفسه، وقد صدقت الجدة العجوز في ذلك، فالشاب باراك درس في أعرق جامعات العالم، فبعد دراسته في الجامعة الغربية انتقل إلى جامعة «كولومبيا» في نيويورك «إحدى أشهر عشر جامعات في أميركا» حيث درس العلوم السياسية، ثم درس في جامعة «هارفرد»، وحصل على الدكتوراه في القانون الدولي، وكان أستاذاً جامعياً للقانون الدستوري في جامعة شيكاغو «من بين أشهر عشر جامعات أميركية» لعدة سنوات، ثم محامياً في الحقوق المدنية في شيكاغو، قبل أن يدخل معترك السياسة ويفوز في الانتخابات كسيناتور في الكونغرس الأميركي، منذ ثلاث سنوات، عام 2004.

«أصل الفتى ما قد حصل»

لم يتحقق في العالم العربي المعاصر المبدأ الذي نادى به الشاعر العربي، والذي يقول إن الارتقاء إلى المجد ليس بالأصل والفصل، إنما بالعمل:

لا تقل أصلي وفصلي أبدا

إنما أصل الفتى ما قد حصل

فمازال الأصل والفصل وليسا الفعل هما المُرجحان في ميزان الحظوة الاجتماعية والسياسية في العالم العربي، بل إن عدم تكافؤ النسب بين الزوجين يؤدي إلى الطلاق في بعض الحالات، كما رأينا في بعض البلاد العربية، والعالم العربي يحتاج إلى وقت طويل جداً لكي يكون الفعل هو المرجَّح في ميزان الحظوة الاجتماعية والسياسية. في حين تبقى أميركا الداخل خير مثال على أن العمل وحده هو الكفة الراجحة في الحظوة السياسية، مع وجود بعض الاستثناءات «عائلة كيندي وعائلة بوش». فلم يُخفِ أوباما حقيقة أصله وفصله ودقائق حياته. وقال لناخبيه هذا هو أصلي وفصلي: «أيا كان أصلي وفصلي، فها أنا ذا أمامكم. هذه هي أفكاري لتغيير أميركا، وهذا هو برنامجي للتغيير، وهدفي الأساسي إعادة الأمل للشعب الأميركي، وأنتم أحرار في أن تنتخبوا من تشاؤون».

هل سيكتب أوباما تاريخ أميركا الجديد؟

وإذا نجح المرشح الديموقراطي أوباما، ودخل إلى البيت الأبيض رئيس أسود، فستكون هذه الخطوة انعطافاً كبيراً في السياسة الأميركية، وسيكون أوباما أول رئيس جمهورية في أميركا يحمل هويات ثلاثاً: الهوية الأميركية والكينية والإندونيسية؛ أي الثقافة الغربية والأفريقية والآسيوية، مما سيجعل أفقه واسعاً، وحكمه على القضايا الإنسانية نبيلاً وعادلاً. وسيكون أوباما ثاني رئيس جمهورية بعد دودرو ويلسون «١٩١٤- ١٩١٨»، يحمل شهادة الدكتوراه، وثاني رئيس جمهورية بعد جون كنيدي يدخل البيت الأبيض وهو شاب في الأربعينيات. وهو مؤشر كبير على استقطاب عدد هائل من الشباب الأميركي إلى العملية السياسية... فلا يُستبعد أن ينفذ خطته في التغيير الأميركي الذي ينشده والذي لا يختلف كثيراً عما نادى به دودرو ويلسون في المبادئ الأربعة عشر المعروفة عنه، والتي تتلخص في حق الشعوب في تقرير مصيرها، وضرورة استتباب الحرية والسلام في العالم. مما كان له الأثر الكبير في تخلّص العالم العربي من الاستعمار العثماني والغربي.

* كاتب أردني

back to top