جنوب بغداد... قصة تدعو إلى توخي الحذر

نشر في 07-08-2007 | 00:00
آخر تحديث 07-08-2007 | 00:00

على الرغم من تكبدها خسائر فادحة، تقول القوات الأميركية في «مثلث الموت» في العراق إنها تحرز تقدماً ولو بطيئاً، مشيرة إلى أن الهدوء يسود الطرقات التي كانت مفخخة بالعبوات بينما يقوم السكان المحليون المدججون بالهراوات بدوريات لمطاردة الدخلاء.

كانت القوات الأميركية لقبت المتمرد المشتبه فيه «جورج كلوني» بسبب وسامته. ولكنه لم يعد وسيماً بعد أن أطلق عليه أفراد من قبيلته السنية النار وأصابوه بجراح ثم سلموه إلى الأميركيين.

تقول القوات الأميركية إن تصرف القبيلة مثال على نتيجة ممارسة التقنيات المضادة للتمرد التي بشّر بها الجنرال ديفيد بتراوس خلال تطبيق خطة «تدفق» الجنود التي وضعها الرئيس بوش. ولكن على عكس الجنود الواصلين حديثاً الذين يبلغ عددهم 28500 كانت القوات الموجودة هنا تتعايش مع هذا الأمر منذ سنة تقريباً.

إن تجربتهم في محاولة ترويض جنوب بغداد، تلك المقاطعة المحاطة بقوات أجنبية داخل المنطقة المسماة أحياناً «مثلث الموت» تذكّر بالمدة التي تستغرقها إعادة إحياء منطقة غارقة في العنف، سواء أكانت منطقة ريفية أو مدينة تسودها الفوضى مثل بغداد.

لقد شهدوا بعض الانتصارات، لكنهم عانوا كذلك انكسارات مروعة. ويقول عديدون إن التحسّن الأمني لم يبدأ حتى مايو عندما أدى اختفاء ثلاثة جنود أميركيين إلى اغلاق المنطقة.

ويشير الكولونيل مايكل إنفانتي، قائد الكتيبة الرابعة، في فوج المشاة الحادي والثلاثين الى أن «إحضار جنود وصلوا لتوهم ورميهم في فم التنين والقول إن عملية تدفق الجنود فاشلة أو ناجحة، لا يعدّ تقييماً دقيقاً. إن الدخول إلى منطقة ما يستغرق وقتاً طويلاً».

التغيير يتمّ بصعوبة

كان القادة العسكريون الأميركيون يبعثون بهذه الرسالة منذ أن بدأت القوات الإضافية بالوصول إلى العراق في فبراير. ولكنها رسالة لا يود سماعها العديد من السياسيين في واشنطن. إنهم ينتظرون تقرير سبتمبر حول التقدم في الحرب. وإن كان سلبياً، فسيزدد الضغط على بوش ليبدأ بسحب قواته.

في اليوسفية وأرجائها، كان وقع التغيير قاسياً والأمن أبعد من أن يكون مستتباً. فمنذ 17 سبتمبر، مات على الأقل 21 جندياً أميركياً وثلاثة جنود عراقيين يعملون كمترجمين فوريين، على حد قول الرائد روب غريغز. ووقعت حالة الوفاة الأخيرة في السابع عشر من يوليو عندما أُطلقت النار على جندي أميركي في بلدة رشدي ملا.

كذلك قُتل أربعة أميركيين وعراقي واحد في مايو عندما نفذ متمردون من المسلمين السنة هجوماً على آليتين عسكريتين في كراغل، جنوب غرب اليوسفية. ووقع ثلاثة جنود أميركيين في الكمين، فقُتل أحدهم بعد أيام ومازال الآخران مفقودين.

انتقل جنود إنفانتي، الذين يشكلون جزءاً من اللواء الثاني في الفرقة العاشرة، إلى سوق البلدة في سبتمبر ونصبوا مخيماً على أرض مصنع سابق للبطاطا. وفي غضون أسبوع، كانت القوات الأولى قد خرجت من وسط بلدة اليوسفية وتمركزت في قاعدة للدوريات أسست حديثاً وسُميت سيبيريا في إحدى القرى الزراعية المحيطة بالمنطقة. وبعد أسبوعين، تشكلت قاعدة ثانية تحت اسم شانغهاي على أرض قصر مهجور وتبعتها قاعدة إنكون.

الآن، يعيش 70% من جنوده في قواعد بعيدة أو «خارج سياج الأسلاك الشائكة»، على حد تعبير إنفانتي. «يحرقون قمامتهم في حفرة. وهذا ما كانوا يفعلونه طيلة 10 أشهر».

تقول القوات إن مقاربتها نجحت. فالهدوء يسود الطرقات التي كانت مفخخة بالعبوات بينما يقوم السكان المحليون المدججون بالهراوات بدوريات لمطاردة الدخلاء. أحياناً يمضي الجنود خلال حراسة ليلية في المواقع القتالية نوبة كاملة خلف المدفعية الثقيلة من دون سماع أي طلقة نارية. ويصطف السكان المحليون للخضوع لفحوصات مجانية والحصول على الأدوية عندما تُحضر القوات الأميركية وحدات طبية جوالة إلى قراهم، وقال غريغز واصفاً وضع الدوريات في المنطقة: «كنا نعمل بشكل جماعي لأننا كنا نعلم أنه سيتم تفجيرنا».

في الأيام التي تلت حادث الكمين في مايو، قامت القوات الأميركية من مختلف أنحاء العراق بمداهمة المنطقة وإلقاء القبض على كل رجل ومراهق للتحقيق معه، وتم إطلاق سراح معظمهم فيما أطلع السكان المحليون القوات الأميركية على مخابئ الأسلحة والمتمردين المشتبه فيهم. وعلى الرغم من أن قوات التفتيش الإضافية كانت مؤقتة، فإنها مكنَّت إنفانتي من وضع جنوده في مناطق لم تكن في المتناول سابقاً وتحقيق وجود دائم، الأمر الذي منح السكان المحليين ما يكفي من الأمن للقيام بالعمليات الاستخباراتية، على حد قول الجنود.

وصرح النقيب شاين فين قائلاً «لنكن صريحين، إن 95% من سكان كراغل ليسوا إرهابيين. في الواقع، إن الناس هنا قد سئموا العيش في خوف ورعب».

وتحدث فين من محيط قاعدة دراغون في موقع محطة للطاقة لم يكتمل بناؤها، فقد توقفت أعمال البناء عندما بدأت الحرب. تقيم قوات الكتيبة الرابعة، فوج المشاة الحادي والثلاثين في الجزء المبني من فولاذ وإسمنت من المحطة والمحاط بأنابيب ضخمة ورافعات صدئة ناتئة من الرمال. وتقع شرقاً بساتين الفواكه التي تشكل الحزام الجنوبي لبغداد. بينما يقع غرباً على بعد نحو كيلومتر ونصف، نهر الفرات وفي الجانب الآخر تقع صحراء مقاطعة الأنبار.

إن موقع هذه المنطقة وتاريخها جعلا منها ملاذاً لنشاط المتمردين. فخلال عهد الرئيس السابق صدام حسين، كانت القرى المحاذية للنهر ملجأ للموالين الأثرياء في حزب البعث، حيث تمتد منازلهم الفخمة على جوانب الطرقات. انضم العديد من أعضاء البعث إلى المتمردين بعد سقوط صدام. فقد تلقوا الدعم من المتمردين في الأنبار الذين احتضنوا المقاتلين التابعين لتنظيم «القاعدة» إلى أن نفذ القادة القبليون هجوماً على المتمردين العام الماضي.

وفي موقع قتالي على بعد 3 كيلومترات، كان الرقيب أول كيفن ليتريل يقوم بمهمة الحراسة في نوبة لسبع ساعات قد تمرّ بلا حوادث. من خلف سواتره الرملية وشبكته التمويهية، شاهد السماء تتلون باللون البرتقالي مع غروب الشمس ثم تتشح بالسواد مع حلول الليل. وقال ليتريل «نحظى بمزيد من المخبرين هذه السنة، فقد زاد مستوى الحذر بعد وقوع الكمين» في 12 مايو.

هدوء هش

لكن على حد قول الجنود، تحرز المشاكل المذهبية تقدماً بطيئاً هنا. فالانقسام المذهبي يؤثر في مسألة الثقة بين صفوف قوات الأمن العراقية ذات الأغلبية الشيعية والسكان السنة.

يتذكر الرقيب أول كلارك مارلين في قاعدة كراغل أنه كان يلعب كرة القدم مع أولاد من سكان البلدة ذات يوم وجنود أميركيين آخرين. وما إن جاء بعض الجنود العراقيين للانضمام إليهم، حتى أعادت الأمهات أولادهن إلى المنزل، على حد قول مارلين. ويضيف «بالطبع هناك نقص كبير في الثقة»، خاصةً أنه يعتبر أن معظم الجنود العراقيين الذين رآهم يفتقدون الانضباط الكافي للحفاظ على الأمن الذي حققته القوات الأميركية.

في قسم الأمن المشترك في اليوسفية، حيث تقيم القوات الأميركية بالقرب من الشرطة العراقية، تخشى القوات الأميركية تلاشي الهدوء النسبي. فقائد الشرطة العراقية في اليوسفية، الضابط محمود شاكر حامد هو سني المذهب. وتضطر القوات الأميركية أحياناً للتدخل لإرغام الضباط الشيعة على طاعته، على حد قول الضابط جوناثان بليفنز من كتيبة الشرطة العسكرية الثالثة والعشرين.

أسف بليفنز والرقيب الأول بريت، وهما من بين 39 جندياً أميركياً يقيمون في القسم، للغياب الدائم لرجال الشرطة الذين يأتي معظمهم من بغداد ويلقون اللوم على حواجز التفتيش وحظر التجول أو المشاكل الأخرى المتعلقة بالأمن في حال تغيبهم عن عملهم. ويأمل بليفنز أن يتغير ذلك نتيجة حملة التجنيد التي أقامتها الشرطة حديثاً وجندت أكثر من ألف مقدم طلب من المنطقة.

إن مقتل الجندي في السابع عشر من يوليو ومقتل الإمام الذي تعاون مع القوات الأميركية في كراغل منذ بضعة أيام، بالإضافة إلى ضرب عنق رجل محلي كان قد أظهر دعمه للوجود الأميركي، كل هذه الأمور تؤكد المخاطر التي مازالت تحدق بالمنطقة.

هذا بالإضافة إلى وصول رجل إلى مركز الدوريات قاد الجنود إلى منزل مجاور حيث وجدوا شاباً في السابعة عشرة مصاباً بكدمات وجروح في كاحليه ومعصميه. وقال المراهق إنه خُطف من قبل رجال كانوا في سيارة «سيدان» سوداء. فأمسكوا به عندما كان يأخذ استراحة للتدخين خلال عمله في حقول عائلته.

وأخبر الجنود أنه تعرض للضرب المبرح، ثم أُخذ إلى منزل للتعذيب حيث عُلق بمعصميه من السقف فيما راح معتقلوه يلكمونه ويصفعونه. وقاموا بتعذيبه بسبب التدخين بحجة أنه خرق القوانين المفروضة من قبل المجموعات الإسلامية الناشطة في المنطقة.

في النهاية، أُطلق سراح الفتى ولكن الجنود يقولون إن الحادث يشير إلى أن مشاكل قد تقع في حال انسحاب القوات. وقال ميرلين «أعتقد أن المتمردين سيأتون ويؤذون الناس الذين عملوا معنا».

غير أن إنفانتي أكثر تفاؤلاً. يقول إن الكتيبة العراقية هنا جيدة جداً، ويأمل تسليم موقعين من أصل ستة مواقع قتالية أميركية إلى القوات العراقية قريباً. وسبق أن استلم العراقيون سبعة عشر موقعاً.

«إنها أنباء سارة. ولا يهم إن كان الناس إلى يسارك، يمينك، شمالك أو جنوبك يخالفوك الرأي»، قال ذلك ولكنه أقر بأن منطقة العمليات هذه في بلاد شاسعة هي بمنزلة إبرة في كومة قش.

مكافآت مالية من 30 إلى 200 دولار

يقول الجنود إن السكان المحليين يأتونهم بالمعلومات وأحياناً ترفع قيمة المكافآت المالية من 30 دولاراً إلى 200 دولار يتم تقديمها مقابل المعلومات. ونزولاً عند طلب السكان المحليين، دمر الجنود الجسور التي تعبر قناة «كايفمان»، وهو منبع أساسي للري، بغية قطع الطرقات على المتمردين المشتبه فيهم. وبنت القوات الاميركية مكانها جسراً جديداً سيشكل نقطة العبور الوحيدة وسيُنصب حاجز تفتيش هناك.

back to top