تحت شمس أميركا

نشر في 12-06-2007
آخر تحديث 12-06-2007 | 00:00
 بلال خبيز إيران تهدد دول الخليج بالقصف الصاروخي، إذا ما قررت الولايات المتحدة الأميركية قصف المنشآت النووية الإيرانية. إسرائيل تمهل الولايات المتحدة ستة اشهر غير قابلة للتجديد لحل معضلة التهديد النووي الإيراني وإلا الحرب. تركيا تقصف مواقع في مدن كردية بشمال العراق. لبنان يخوض معركة مع عدو مجهول سياسياً حتى الآن. الموالاة تقول إن سورية هي المعتدية، والمعارضة تقول إنه تنظيم «القاعدة» الدولي، بحسب تعبير الداعية الإسلامي «فتحي يكن». وعلى الخط نفسه ثمة تهديدات متبادلة بين حزب الله واسرائيل على حدود لبنان الجنوبية. سورية غير معنية بالمحكمة ذات الطابع الدولي التي أقرها مجلس الأمن لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري وسائر الشخصيات الإعلامية والسياسية طوال العامين الماضيين، وهي تدعي مواجهة أميركا من ناحية أولى، لكنها تطالب إسرائيل بالتفاوض لتحقيق السلام من غير شروط. وعلى الخط نفسه يقوم الجيش الإسرائيلي بتدريبات لم يسبق لها مثيل منذ سنوات عديدة في هضبة الجولان نفسها، لكن ايهود اولمرت يعلن أنه مستعد لدفع ثمن السلام. الفلسطينيون يتقاتلون فيما بينهم، ويهددون إسرائيل، وإسرائيل ماضية في عملياتها العسكرية في غزة والضفة الغربية.

الخلاصة البسيطة: المنطقة تنتظر ثورات براكينها.

لكن ما يجمع هذا كله تحت سقف ساخن، هو الإقرار الثابت من الأطراف كافة بمرجعية أميركية التي يجدر بها أن ترتب شؤون المنطقة على نحو يريد كل طرف من الأطراف أن يتم لمصلحته الخاصة. وإلا فإن كل جار سيأكل جاره الأصغر منه. والحق أن التهديد الإيراني لدول الخليج يشبه في اتجاهه العام التهديد السوري للبنان. فسورية التي تجهد دبلوماسيتها لإيجاد مكان تحت شمس الإمبريالية الاميركية لا تختلف عن إيران في هذا المنحى. مثلما لا تختلف عنها في تهديد جيرانها إذا لم تستجب الإدراة الأميركية لمطالبها. ولا يخفى أن الحديث الإيراني عن قصف إسرائيل بالطائرات والصواريخ لا يمكن أخذه بالجدية نفسها التي يملكها تهديدها بقصف المنشآت النفطية في دول الخليج كافة. كما أن الاستعداد السوري لمحاربة إسرائيل تعوزه براهين كثيرة، وليس ثابتاً ومؤكداً مثلما هو ثابت ومؤكد أن النظام السوري يسلح ويدعم «الجبهة الشعبية – القيادة العامة»، ويدعم مواقعها في الداخل اللبناني تمهيداً للمعركة المقبلة. والأرجح أن القيادات اللبنانية من فريق 14 آذار (مارس) تدرك أن أزمة نهر البارد التي كلفت الجيش اللبناني حتى اليوم أكثر من 60 شهيداً، تفتح ملف الأزمات ولا تغلقه. وأن ملفات أخرى في طريقها لأن تُفتح أمنياً وسياسياً قد تكون أزمة البارد أقلها حدة وخطورة.

على أي حال، لم تتأخر مؤشرات المعركة المقبلة في لبنان إلى ما بعد انتهاء أزمة نهر البارد. فالرئيس اللبناني اميل لحود الذي دأب منذ بدايات توليه الحكم في لبنان على التحذير من توطين الفلسطينيين، بدأ يعد العدة ليجعل من فتح هذا الملف البالغ الحساسية عنوان معارك الأسابيع المقبلة. وما إن ينفتح هذا الملف على مصراعيه، على نحو ما تشير الحركة السياسية التي أعقبت اندلاع أزمة نهر البارد، حتى تبلغ حدة الاستقطابات والانقسامات اللبنانية حول هذا الملف مدى لم تصل إليه بعد. لهذا ينظر النظام السوري بعين الرضا لتشديد العماد ميشال عون على ضرورة التخلص عسكرياً من ظاهرة «فتح الإسلام». إذ ان هذه الشدة في التعامل مع كل ما هو فلسطيني في لبنان قد تجعل من الجنرال عون مخلب القط السوري الأحدّ والأمضى في المعركة المقبلة، وقد تزيح حزب الله عن الواجهة في هذا المجال. ذلك أن فتح مثل هذا الملف سيغير من دون شك في الاستقطابات السياسية اللبنانية، ويضع المسيحيين في فريق 14آذار في موقع حرج، قد يفيد منه الجنرال أيما فائدة.

هذا كله لا ينفي فائدة أن يتناقش اللبنانيون في باريس. فمثل هذا النقاش غير الملزم سلفاً لأي طرف، قد يساهم إذا ما استقرت براكين المنطقة على خمود وهدوء واستقرار، في جعل النار اللبنانية جمراً تحت الرماد. لكن لاإلزامية هذا النقاش تفتحه من جهة ثانية على خيبة جديدة، قد يتعرض لها لبنان إذا ما وصلت السياسات الإقليمية إلى طريقها المسدودة. والقادة اللبنانيون الذين يلعبون في وقت ما قبل المباراة الفعلية سيجدون أنفسهم، ما إن تندلع الشرارة الأولى، عاطلين عن العمل واللعب على حد سواء.

back to top