تعديل الدساتير ظاهرة عربية

نشر في 06-03-2008
آخر تحديث 06-03-2008 | 00:00
 د. عبدالمالك خلف التميمي

إن الدستور المتقدم والجيد لأي مجتمع هو مكسب تاريخي جاء بعد نضال طويل وعبر أجيال عملت من أجل تحقيقه، ولذلك يجب ألا يكون عرضة للأهواء أو الإخلال بتوازنه أو بالتنازل عن المكاسب التي تحققت من خلاله. لكن ما يحدث في العالم النامي والدول العربية التي لديها دساتير وتفتخر بها بعضها أنها تستسهل عملية تعديل الدستور لأسباب ودوافع سياسية.

الدستور لأي بلد هو عقد بين الحاكم والمحكوم يحدد واجبات وحقوق كل منهما، ويضع الضوابط للدولة المدنية القانونية وعملية وضع دستور لأي بلد عملية طويلة ودقيقة، ويفترض أن يضع الدستور ممثلو الشعب المنتخبون، وتمر مراحل وضعه بإجراءات تضمن أهمية وسلامة الموارد والضوابط التي يحتويها، وتلحق بالدستور بعد إقراره مذكرة تفسيرية لبعض البنود والمواد التي تحتاج إلى توضيح.

تؤكد الدساتير في بدايتها على هوية البلاد وانتمائها القومي والديني، وعلى مسألة العلاقة بين السلطات والواجبات والحقوق ونظام الحكم، لذلك فالمشرعون الذين ساهموا بوضع الدستور قد أخضعوا مواده للتمحيص والتدقيق والدراسة لذلك لا يتم تعديل الدستور بسهولة ولا بين فترات متقاربة، والتعديل إن حدث للدستور يجب أن يسير ضمن خطين أساسيين: الأول لمزيد من المكاسب وتعزيز النهج الدستوري وليس الانتقاص أو التراجع عمّا تم التوافق والاتفاق عليه من مواد في الدستور، والثاني: أن تكون الآلية التي يتم فيها التعديل قانونية ودستورية، ففي الدول الدستورية العريقة لا نرى صرعة تعديل الدساتير، وإن حدثت فهي نادرة وفي حدودها الدنيا وإلى مزيد من التقدم القانوني الدستوري، لكن ما يحدث في العالم النامي والدول العربية منه أمر آخر تماماً، فالدول العربية التي لديها دساتير وتفتخر بها بعضها يستسهل عملية تعديل الدستور لأسباب ودوافع سياسية، إما التمديد لرئيس الدولة مدى الحياة، وإما أن تياراً سياسياً أو دينياً يريد أن يطبع الدستور بإيديولوجية، وإما ليرسخ عرقية أو طائفية أو مصالح معيّنة، والأدهى أن التعديل المقترح على الدستور ليس باتجاه التقدم، وتعميق الحياة الدستورية، والأخطر الآلية التي تتم بها ومن خلالها تلك التعديلات التي تشرع لها السلطة أو التيار السائد في مرحلة من مراحل تاريخ البلد.

لقد جرت عمليات تعديل الدساتير في سورية وتونس ومصر واليمن والعراق، وكانت ولاتزال هناك محاولات لتعديل الدساتير في أقطار عربية أخرى مثل لبنان والكويت والجزائر.

نعم الدستور ليس شيئاً مقدساً لا يمكن تعديله أو تغييره لكن يجب ألا يكون الدستور مجالاً للتعديل حسب مزاج أو رأي السلطة أو التيار السائد أو المسيطر ليحقق من خلاله مكاسب سياسية أو اجتماعية لفترة زمنية طويلة. إن المحافظة على الدستور ليكون ضابطاً للتوازن الاجتماعي والسياسي ومرسّخاً للقيم النبيلة في المجتمع ومحدداً كما ذكرنا لهوية المجتمع ونظام الحكم وحقوق وواجبات المواطنين.

إن الدستور المتقدم والجيد لأي مجتمع هو مكسب تاريخي جاء بعد نضال طويل وعبر أجيال عملت من أجل تحقيقه، ولذلك يجب ألا يكون عرضة للأهواء أو الإخلال بتوازنه أو بالتنازل عن المكاسب التي تحققت من خلاله. إنه يمكن تعديل وتغيير القوانين المنفذة لمواد الدستور ولكن الدستور نفسه يمثل الخطوط والمبادئ والقيم العامة للمجتمع وتطوره في الحاضر والمستقبل، لكن المشكلة أن الدول غير المستقرة سياسياً وإدارياً وقانونياً هي التي تشهد ظاهرة تعديل دساتيرها بين الحين والآخر ومعظم دولنا العربية من بينها.

back to top