الغش في الامتحانات... بين النجاح الهدام والفشل الدائم ظاهرة لا أخلاقية تهدد المجتمع... والأسرة والبيئة شريكتان في المسؤولية
«الغش» في الامتحانات تطورت أشكاله وطرائقه حتى أصبح ظاهرة تهدد المجتمع والأسرة، فبعض الطلبة يرفضونه ويتهمون من «يغش» باللامبالاة واللاأخلاق، والجزء الأكبر من الطلبة يدعون أنهم ضد الغش، ولكن الواقع يثبت العكس.
الغش ظاهرة سلوكية غير اخلاقية أمرنا ربنا عز وجل ورسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم- بالابتعاد عنها تحاشيا للمعاناة في الدنيا والآخرة... فالغش يعني إعطاء ما لا نملكه وهو النجاح إلى من لا يستحقه وهو الغشاش! الامر الذي يؤثر سلباً على الفرد والمجتمع وبالتالي على الوطن الذي لم يبخل يوماً بتأمين كل الوسائل التعليمية لبناء جيل المستقبل، ولذلك تقع على الجميع -الأسرة والمجتمع- مسؤوليات جسام للتصدي لهذه الظاهرة وتعميق الثقـــــة في نفـــــوس الطلــــبة لتنفــــيرهــــــم من الغش بكل أشكاله وأنواعه.كيف يرى الطلبة الغش والغشاشين؟ من المسؤول عن وجود هذه الظاهرة؟ ومن المسؤول أيضا عن التصدي لها حماية للمجتمع ولأحلام أبنائه؟ للإجابة عن هذه الأسئلة أجرت «الجريدة» التحقيق التالي:حالة نفسية عرّفت فاطمة ابراهيم الصالح الطالبة بكلية الدراسات التكنولوجية الغش الدراسي بأنه حالة يلجأ إليها الطالب عندما تصعب عليه المسائل الدراسية، أو إذا لم يحضر نفسه للاختبار التحضير الكافي، مما يولد خوفا من شأنه أن يصبح دافعا للقضاء على هذه الحالة النفسية بأي وسيلة كانت و«الغش» أفضلها من وجهة نظره، وأوضحت ابراهيم أن للغش وسائل متعددة، منها الرسائل القصيرة عبر الهواتف النقالة وتقنية البلوتوث، و«البراشيم» والكتابة على الطاولات. نجاح بلا ثمنأما ابتسام أحمد فيحان الطالبة بكلية العلوم فيتمحور حديثها حول وصف الطالب الذي يلجأ إلى الغش بأنه يسلك طريقة لاأخلاقية إلى النجاح ، فالغش دليل على عدم تقدير الطالب أهمية الاستعداد الجيد للاختبارات، وأناطت بالمعلم أو المراقب مهمة منع الطالب بأي وسيلة من الحصول على النجاح بأرخص الأثمان، بل بلا ثمن أصلا إن جاز التعبير، ورأت أنه من الواجب على الإدارة المدرسية توعية الطالب بأهمية بذل الجهد والدراسة الجيدة قبل التقدم إلى الاختبار وتوضيح عاقبة هذا التصرف، «فالغش وسيلة لا تنجح دائما بل تؤدي إلى الفشل في كثير من الأوقات، فما حال الطالب عندما يتعرض للحرمان من الامتحان عقوبةً على ما يقوم به من عمل لاأخلاقي؟» وتمنت أن تغلظ العقوبة حتى يكون مثل هؤلاء الطلبة عبرة لغيرهم، وذلك بالتزامن مع تنمية وعي الأسرة بما يجب أن تقوم به لحماية أبنائها من الاعتماد على الغش. وسيلة لا أخلاقيةوالتقى رأي جنان أحمد اسماعيل الطالبة بكلية الدراسات التكنولوجية مع رأي سابقيها حيث وصفت الغش بأنه وسيلة غير اخلاقية، لا يلجأ إليها الطالب إلا عندما يفقد الثقة في نفسه، نتيجة إهماله الدراسة واستهتاره بأهمية تحصيل المعلومات؛ فلا يرى حلا لإهماله سوى اللجوء إلى الغش، ورأت كذلك أن يكون للإدارة في المؤسسة التعليمية دور في التقليل من ظاهرة الغش، بتطبيق لائحة العقوبات التي أقرتها نظم الجامعة. وأضاف الطالب علي اليتيم - كلية العلوم ان ما يدفع الطلاب الى الغش هو عدم ادراكهم المشكلات التي سوف يجلبها عليهم ذلك، متناسين انهم قد يتعرضون للعقوبات والحرمان من الامتحان، متمنيا ان يتجنب الطلاب كل ما من شأنه العبث بمستقبلهم.تهدم المجتمعمن جانبه بيّن عمار خليل الطالب بكلية العلوم أن للغش أسبابا كثيرة ومتنوعة، منها الحاجة إلى الحصول على المعلومات بطرق واساليب سهلة ومختلفة هدفها النجاح من دون بذل أي مجهود، وحسب ما يرى «هي طريقة لتعويض النقص الذي يحس به الطالب قبل الامتحان»، ولم تخل مداخلته من مطالبة المعلمين بالحرص على منع هذه الظاهرة، فهي تهدم مجتمعا بأكمله، فلنا أن نتصور نوعية الموظفين الذين حصلوا على شهاداتهم عن طريق الغش ومن دون بذل أي مجهود، وطالب كذلك بالوقوف في وجه «الغشاشين» باتخاذ الاجراءات العقابية اللازمة تجاههم، فيجب على الطالب ولا سيما الجامعي الابتعاد عن مثل هذه الاساليب غير الأخلاقية وأن يضفي على المؤسسة التعليمية سواء كانت مدرسة أو جامعة جوا صحيا لتطوير مهاراته لا أن يجعلها بسوء الخلق مكاناً للغش. المضحك المبكيوقالت الطالبة سعاد سالم علي -كلية الدراسات التكنولوجية- إن الضغطين النفسي والدراسي وعدم الاهتمام بالمادة من أكثر دوافع الغش، هذا بالإضافة إلى أن ضعف شخصية المعلم أو سذاجة طريقة مراقبته قد يكون محفزا لاستخدام الغش، ورأت أنه من المضحك المبكي أن تستخدم في الغش أحدث الوسائل التكنولوجية، فهناك طلبة يستخدمون البلوتوث والرسائل عبر الهاتف النقال، إضافة إلى الأساليب التقليدية مثل الكتابة على الكرسي المقابل لمقعد الطالب الممتحن، أو الكتابة على الملابس، ومن الغريب أنها تعتقد أن الغش أحيانا قد يكون مفتاحا للنجاح، وقد يضطر الطالب إلى اللجوء إليه بسبب تراكم متطلبات المقررات الأخرى، رغم أنه يؤدي إلى ضعف التحصيل، ويعوّد الطالب الاعتماد على الغير متخذا ذلك منهاجا في الحياة، ولا ننسى مع ذلك ما للتنشئة الاجتماعية من أثر في خلق طالب يميل إلى استسهال الحلول واللجوء إلى الغش. بارون: الغش هو فقدان الثقة في النفس وضعف في القدراتذكر أستاذ علم النفس د.خضر بارون أن مفهوم الغش من الناحية النفسية، يعني فقدان الثقة في النفس، وضعفاً في القدرات، وايجاد صعوبة في الفهم واتخاذ الوسيلة السهلة رغبة في عدم بذل أي مجهود. وذكر أسباباً عدة تكمن وراء لجوء الطالب إلى الغش، منها عجز الطالب عن فهم المقرر، الكسل والشعور بعدم الرغبة في الدراسة، كذلك اعتقاد الطالب الخاطئ بأن الوظيفة هي النتيجة المرجوة في النهاية، وليس مهما الطريقة التي يعبر بها الامتحانات، بالإضافة إلى انتشار مفهوم الواسطة السائد بين الطلبة والأساتذة -وهو ما أجرت «الجريدة» تحقيقا سابقا في شأنه- وأيضا إهمال الأساتذة طلبتهم وعدم الأخذ بأيديهم. وبين بارون أن دور المعلم لمواجهة هذه الظاهرة يتمثل في وضع اسئلة اختبار بطريقة تجعل الغش مستحيلا، مثل الأسئلة التي تعتمد في طريقتها على مستوى الذكاء والقدرات الشخصية، مع إحكام الرقابة وحث الطلبة على الاجتهاد والاعتماد على النفس لتدعيم القدرة على اتخاذ القرارات المهمة في الحياة في ما بعد. وعدد بارون بعضاً من وسائل الغش التي صادفته ومنها آلات التسجيل الالكترونية، الهواتف النقالة، الكتابة على الملابس،منبهاً إلى أن الطالب لا يستطيع مع الأسئلة المقالية الحصول على الدرجة كاملة «إذ يعتمد التصحيح على الابداع في الاجابة والانتاج لدى الطالب وليس السرد، فيجب اتخاذ الاجراءات الصارمة ضد من يغش في الامتحانات كالحرمان من الامتحان أوالفصل».