باكستان بعد بوتو

نشر في 31-12-2007
آخر تحديث 31-12-2007 | 00:00
باكستان المبتلاة منذ تأسيسها بالنزاعات بين أهل النخبة، أصبحت الآن في أمس الحاجة إلى المصالحة بين أهل النخبة. وإن لم يحدث هذا فلسوف يستمر الإرهاب، الذي يتغذى على انعدام الاستقرار السياسي، في كسب الأرض، بينما تواصل الأغلبية من الفقراء غير المتعلمين في باكستان خسارة الأرض.
 بروجيكت سنديكيت بعد اغتيال رئيسة الوزراء السابقة بنازير بوتو تفاقمت حالة الاضطراب في باكستان واكتسبت أبعاداً جديدة. كانت بوتو باعتبارها زعيمة للحزب السياسي الأكثر شعبية في باكستان تحاول تجاوز الانقسامات العرقية والطائفية هناك. وكانت عودتها من المنفى في شهر أكتوبر 2007 بمنزلة خطوة نحو علاج الانقسامات الخطيرة التي تعانيها البلاد؛ إلا أن اغتيالها كان سبباً في القضاء على هذه الآمال. والآن بات لزاماً على الرئيس برفيز مُـشَـرَّف أن يتخذ إجراءات فورية ـ أهمها تشكيل حكومة وحدة وطنية ـ لمنع باكستان من التمزق والتشظي والفوضى.

كان القرار الذي اتخذته بوتو بمشاركة حزب الشعب الذي تترأسه في انتخابات يناير الانتخابية بمنزلة طوق نجاة ألقته إلى مُـشَـرَّف الذي كان محاطاً بالعديد من حالات العصيان والتمرد، فضلاً عن انتشار الخطر الإرهابي في البلاد، وانحدار شرعيته إلى أدنى مستوياتها. وكان مُـشَـرَّف ومؤيدوه في واشنطن يأملون أن تؤدي مشاركة أحزاب الأغلبية في الانتخابات إلى إنهاء أزمة الحكم في باكستان واستجلاب الدعم الشعبي في المواجهة الحاسمة ضد «طالبان» و»القاعدة».

أما الآن فقد بات من المرجح أن يتم تأجيل الانتخابات. وقد يضطر مُـشَـرَّف إلى فرض حالة الطوارئ مرة أخرى، كما فعل في شهر نوفمبر، إذا ما استمر تدهور الاستقرار في باكستان. فقد وردت تقارير عن اندلاع أعمال عنف في المدن في أنحاء متفرقة من باكستان. وقد تنفلت الأمور في كراتشي، الحاضرة المتعددة العرقيات، فتتحول إلى فوضى شاملة. وما زلنا نتذكر كيف أسفرت أعمال العنف التي اندلعت أثناء فترة التسعينيات بين حزب بوتو وأحد الأحزاب العرقية المحلية ـ المتحالف الآن مع مُـشَـرَّف ـ عن مقتل الآلاف من أهل باكستان.

قد يكون إعلان حالة الطوارئ في ظل ظروف كهذه أمراً مبرراً، ولكن نظراً إلى افتقار مُـشَـرَّف إلى الشرعية، فربما يؤدي مثل هذا التحرك إلى صب المزيد من الوقود على نيران الغضب المتأججة في نفوس أنصار بوتو الذين نجحت بوتو في احتواء غضبهم في الشارع الباكستاني منذ شهر أكتوبر الماضي. وقد يؤدي هذا إلى تمهيد الساحة لمواجهة عنيفة بين الحشود من جماهير الشعب الباكستاني وبين نظام مُـشَـرَّف.

الآن أصبح السيناريو الكابوس الذي تصوره العديد من المراقبين والمحللين في باكستان- الدولة النووية المستهدفة بقوة من جانب تنظيم «القاعدة» وحركة «طالبان»- أقرب إلى الواقع. ولكن لا ينبغي لنا أن نعتبر هذه النتيجة أمراً واقعاً لا محالة.

لقد بات لزاماً على مُـشَـرَّف، الذي يزعم دوماً أنه يتصرف من منطلق سياسته القائمة على الحرص على «مصلحة باكستان أولاً»، أن يتخلى عن الأهداف الحزبية وأن يشكل حكومة وحدة وطنية يقودها رئيس وزراء من المعارضة. والحقيقة أن أي خطوات أو تدابير تالية، بما في ذلك إعلان حالة الطوارئ مؤقتاً وشن حرب شاملة ضد الإرهابيين، تتطلب حصول الحكومة على الدعم الكامل من أحزاب المعارضة. ولن يكون من مصلحة مُـشَـرَّف وحلفائه السياسيين أن يُـنـظَر إليهم باعتبارهم مستفيدين من اغتيال بوتو؛ كما لن يكون من مصلحتهم أن يُـنظَر إلى ذلك الحدث باعتباره تغطية لأمور أخرى. وعلى هذا فلابد وأن يحرص مُـشَـرَّف على إشراك خصومه في عملية اتخاذ القرار.

يتعين على أي حكومة وحدة وطنية أن تتحمل ثلاث مسؤوليات رئيسية: أولاً، يتعين عليها أن تشكل لجنة مستقلة لتحديد المسؤولين عن مقتل بوتو. ورغم أن الاغتيالات السياسية ليست بالأمر غير المعتاد في باكستان- فقد قُـتِل أول رئيس وزراء لباكستان في المكان نفسه الذي قتلت فيه بوتو- فإنه من الأهمية بمكان أن يتم اعتقال الجناة ومحاكمتهم في أسرع وقت ممكن. والتقصير في تحمل هذه المسؤولية من شأنه أن يلطخ سمعة القيادات الباكستانية وأن يعوق كل المحاولات الرامية إلى تحقيق غاية المصالحة السياسية.

ثانياً، يتعين على حكومة الوحدة الوطنية أن تتخذ التدابير اللازمة لضمان السلامة العامة والاستقرار السياسي، بينما تمهد الطريق إلى عقد انتخابات حرة نزيهة. ينبغي عليها أن توجه باكستان نحو مسار يقودها إلى استرداد المناطق القَـبَلية من سيطرة المتمردين، وإنهاء موجة الرعب التي تجتاح مدنها، وضمان انتخاب حكومة جديدة شرعية.

وأخيراً، يتعين على حكومة الوحدة الوطنية أن تبدأ حوراً مع مُـشَـرَّف والمؤسسة العسكرية بشأن الفصل الدائم بين السلطات الدستورية. لو لم تُـقتَل بوتو، ولو كانت قد نجحت في الفوز بمنصب رئيس الوزراء، فلربما كان من المرجح أن تقع المصادمات بينها وبين مُـشَـرَّف بسبب تمكينه لمنصب الرئاسة على نحو استبدادي على حساب منصب رئيس الوزراء. ولن تنتهي هذه القضية بوفاة بوتو.

يتعين على أهل النخبة المدنية والعسكرية في باكستان أن يحرصوا على إيجاد إجماع واسع النطاق- ربما بمساعدة أجنبية، ولكن ليس بتدخل أجنبي- على الصلاحيات الدستورية لرئيس الوزراء، ورئيس البلاد، والمؤسسة العسكرية. إن باكستان المبتلاة منذ تأسيسها بالنزاعات بين أهل النخبة، أصبحت الآن في حاجة ملحة إلى المصالحة بين أهل النخبة. وإن لم يحدث هذا فلسوف يستمر الإرهاب، الذي يتغذى على انعدام الاستقرار السياسي، في كسب الأرض، بينما تواصل الأغلبية من الفقراء غير المتعلمين في باكستان خسارة الأرض.

لا ينبغي لمقتل بنازير بوتو أن يكون بمنزلة بداية النهاية للبلاد. والحقيقة أن الفرصة ما زالت سانحة أمام أهل النخبة في باكستان ليتغلبوا على خلافاتهم، وأن يتوحدوا في مواجهة العسكريين، وأن يحولوا دولتهم المخفقة إلى دولة ديموقراطية مستقرة ومزدهرة.

إذا ما كتب لهم النجاح في إحداث هذا التحول الوطني، فلن يذهب موت بوتو- الشخصية الأكثر بروزاً في تاريخ باكستان- هباءً.

عارف رفيق

* مستشار للسياسات والاتصال «بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top