استراتيجية بديلة للنصر في الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي 4

نشر في 13-01-2008
آخر تحديث 13-01-2008 | 00:00
 د. محمد السيد سعيد

في تقديرنا أن بناء سلطة وطنية فلسطينية على أي جزء من أرض فلسطين التاريخية هو خطوة أو مرحلة ضرورية، للتحرك نحو بناء دولة ديموقراطية علمانية على كل أرض فلسطين التاريخية.

إن بناء سلطة وطنية وديموقراطية يحلّ التناقض أو الفجوة التاريخية في الجاذبية الأخلاقية والمعنوية بين النضال العسكري والنضال السياسي... النضال العسكري يوحي بالنبل والشجاعة وروح المقاومة والفداء والرغبة في التضحية، وهو أيضاً يوحي برفض المشروع الصهيوني رفضاً تاماً، ومن ثم سقوط «أوهام» الحلول الوسط والمساومات، وهي كلها أوصاف سلبية في الثقافة العربية، وثمة انطباع سائد بالمقابل بأن النضال السياسي والتفاوضي يتسم بالنذالة والخنوع والقبول بالمهانة والذل، وأن أنصار النضال السياسي هم أكثر عناصر المجتمعات العربية فساداً واستبداداً، ولا شك أن تجربة السادات في مصر والأسرة الهاشمية في الأردن بل البيروقراطية العسكرية الفلسطينية خلال الفترة من 1960 إلى 2007 قد أعطت مصداقية ظاهرية لهذه المقولة.

هذا الفهم الثنائي المبسط والأخلاقي للاختيارات الكبرى أمام الشعب الفلسطيني يمثل إحدى الإعاقات الكبرى أمام إنجاز مهمة صياغة استراتيجية عامة تأخذ في حسابها جميع الاعتبارات الكبرى والمهمة للنضال الوطني الفلسطيني.

ما نطرحه هنا هو شيء مختلف تماماً، فأطروحتنا تنطلق من رفض المقابلة الثنائية بين النضالين السياسي والعسكري، فليس في النضال السياسي بحد ذاته عيب وليس في النضال العسكري مزايا غريزية أو تلقائية، ولا يمكن أبداً قبول الاندفاع لتبني أي أسلوب محدد في النضال لمجرد تفضيله نفسياً أو لامتلاكه جاذبية نفسية أو أخلاقية، حتى لو أدى إلى كوارث متصلة وساهم في مزيد من إهدار الحقوق الوطنية الفلسطينية.

ولكن إنهاء هذه الثنائية في الممارسة يعني أن ثمة إمكانية لخوض نضال سياسي لا يقل بطولية ورغبة في التضحية وروح الفداء والشجاعة عن النضال العسكري، فالمحك الحقيقي ليس وجود جاذبية أو مزايا مفترضة وكامنة في ذات طبيعة النضال العسكري أو النضال السياسي بل في نجاح تجربة بناء أصيلة في الحالتين.

النضال العسكري يفترض قبل كل شيء بناء دولاب عسكري مقتدر على أسس موضوعية وقادرة على تحقيق الصمود والنصر، والنضال السياسي يفترض في الواقع نفس الشيء: أي خوض تجربة أصيلة لبناء منظومة من المؤسسات القادرة على صنع القرار وضمان شرعيته وتطبيق السياسات المتفق عليها والقادرة على تحقيق الأهداف الكبرى للحركة الوطنية وللمجتمع الفلسطيني، هذا هو المهم في المسألة برمتها.

إننا نعتبر عملية بناء السلطة الوطنية الديموقراطية إنجازاً تاريخياً ورسالة نضالية من أعلى المستويات، ونزعم أنه لا يكاد يداني هذه الرسالة في الأهمية الكفاحية أي مهمة أخرى على الإطلاق، فبناء هذه السلطة يوفر لأول مرة قيادة مؤسسية للشعب والنضال الوطني، وهو يدفع عملية بناء الأمة، وهو قبل هذا وذاك واحد من أهم ضمانات استمرارية المقاومة والنضال من أجل النصر، فوجود سلطة وطنية بوجه عام يشكل شرطاً جوهرياً لنجاح عملية كبيرة لإعادة هيكلة المجتمع الفلسطيني وتحديثه، ويهدف النضال السياسي قبل أي شيء آخر إلى تمكين الشعب من بناء هذه السلطة على جزء من أرض فلسطين التاريخية.

وفي تقديرنا أن بناء سلطة وطنية فلسطينية على أي جزء من أرض فلسطين التاريخية هو خطوة أو مرحلة ضرورية للتحرك نحو بناء دولة ديموقراطية علمانية على كل أرض فلسطين التاريخية.

وبتعبير آخر فالاستراتيجية التي يدعو إليها هذا الكاتب تنظر إلى شعار الدولة الوطنية الديموقراطية في الأرض المحتلة عام 1967 ليس كبديل إنما كخطوة نحو بناء دولة واحدة لكل مواطنيها بغض النظر عن الدين وغيره من الاعتبارات الموروثة.

كيف يمكن التحرك من بناء دولة وطنية في الأرض المحتلة عام 1967 إلى بناء دولة ديموقراطية علمانية لكل مواطنيها على كل أرض فلسطين التاريخية؟ هذا التحرك هو جوهر النصر الذي نتحدث عنه لأنه يضمن انحسار العقيدة الصهيونية وتراجعها.

* كاتب مصري

back to top