وسائل الاتصالات المعاصرة قضت عليها الجيرة... فتورٌ وحيطة وحذر
لم تعد مقولة «الجار للجار» سارية المفعول لا سيما بعد تسارع وتيرة الحياة إذ لم يعد لدى أي كان متسع من الوقت للتعرف الى الجيران وتفقد احوالهم. ومع ذلك ثمة افراد يحرصون على التواصل الاجتماعي من دون اكتراث للآثار السلبية التي دفعت غيرهم الى قطع دابر هذه العلاقة الاجتماعية.
«الجريدة» سلّطت الضوء على الموضوع وأسباب فتور العلاقة بين المتجاورين.يقرّ وسيم جمعة بأنّه لا يعرف معظم جيرانه، مؤكدًا أنّ صعوبة الحياة الراهنة تدفع الفرد الى التخلي عن بناء العلاقات الاجتماعية وتنميتها، لانه مرغم على تأمين لقمة العيش وحاجات الأسرة. ليس وسيم سعيداً بالحياة الاجتماعية التي يعيشها، ويشير الى أنّه يعوّض النقص من خلال اقامته علاقات مميزة مع جيرانه في المتاجر المجاورة ويقول: «لا يرضيني عدم معرفتي بجيراني، لكن لا مفر من مجاراة ظروفي والتكيف معها. كذلك يلفت الى صفة السلبية لدى بعض الأفراد التي دفعتهم إلى التخلي عن حقوق الجار وواجباته من دون اكتراث بالظروف المحيطة أو الطارئة التي تفرض على الجار مساعدة جاره، موضحًا ان بعض قاطني العمارات يكتفون باللقاءات السريعة في المصاعد او امام مواقف السيارات ويتعمدون عدم تطوير علاقاتهم بالآخرين «لغرض في نفس يعقوب».انطوائيةتُرجع نهى الابراهيم أسباب فتور العلاقات في المجتمع الكويتي بين الجيران الى تباين المستوى الطبقي لفئات المجتمع، موضحة ان ثمة صفات اخرى كالانطوائية والانعزالية وسواهما من السلوكيات التي تدفع بعض الاشخاص الى التخلي عن فكرة اقامة العلاقات الاجتماعية الوثيقة وتبادل الزيارات بشكل منتظم مع الجيران والتعاطف معهم ومساعدتهم. تؤكد نهى ان ثمة تطورات اجتماعية واقتصادية طرأت على المجتمع الكويتي خلال عقدين من الزمن ساهمت في تبديد العلاقات الاجتماعية وفرضت واقعًا جديدًا مليئاً بالتناقضات لا يتحمل الفرد مسؤوليته، بينما دفعت السلوكيات «الطارئة» الإنسان الى مزيد من الانتقاء والتدقيق خشية التعرض الى مخاطر ومساوئ لم يحسب حسابها.من ناحيتها تلفت دانة الرومي الى مساوئ تعدد الثقافات في المجتمع الكويتي وارتفاع عدد جنسيات المنضوين تحت النسيج الاجتماعي الواحد، موضحة اسباب القلق والخوف التي تدفع الآباء الى ضرورة مراقبة اولادهم وتحضهم على اقامة علاقات مع ابناء عائلات يثقون بها ويعرفون اخلاقهم جيدا ليجنبوا اولادهم الوقوع في شرك اصدقاء السوء. تقرّ دانة بأنّ ليس لها علاقات صداقة كثيرة مع«بنات الجيران» مكتفية بصداقاتها في المدرسة مع فتيات تشعر بالانسجام معهن وترتاح لهن. جدول يومي مزدحموفي السياق ذاته يلقي رضا الأنصاري باللائمة على ازدحام جدوله اليومي، فهو يمضي أكثر من 10 ساعات في مقرّ عمله موزعة على فترتين صباحية ومسائية، ويتابع في الوقت المتبقي شؤون أسرته، لا يخصّص رضا الأنصاري وقتاً للجلوس مع جيرانه تاركاً ذلك للصدفة التي تجمعهم عند مواقف السيارات أمام بيوتهم. يقرّ رضا بوجود فتور في العلاقات الاجتماعية بين الجيران، مؤكدا أنّ وسائل الاتصالات الحديثة قضت عليها. يروي رضا مثالا يعيش تفاصيله: «أخي الصغير مدمن محادثة عبر الانترنت ودخول مواقع التسلية والترفيه، فهو يمضي أكثر من «سبع» ساعات أو أكثر متنقلا بين المواقع، فلا يخطر على باله الخروج من البيت للتنزه مع الأصدقاء أو زيارة الجيران مكتفيا بعالم الانترنت الذي يوفر له ما يريد.ويضيف: «هذا النمط الذي اختاره لنفسه منذ اكثر من ستة اعوام ادى الى فتور علاقاته بالجيران، لدرجة أنّ جارنا سألني يوماً عن هوية الشخص الذي خرج من دارنا حين كنت واقفاً اتحدث معه امام البيت! يختصر محمد نصار أسباب فتور العلاقات الاجتماعية بين الجيران بثلاثة أمور: كثرة مشاغل الانسان، السلبية الناجمة عن بعض المفاهيم الدخيلة على العادات العربية الأصيلة، وتنوع وسائل الترفيه والاتصالات. يشير نصار الى انعدام الثقة بين الجيران في الوقت الراهن فيما كان الجار سابقاً يسافر الى الخارج تاركاً بيته في عهدة جاره.متسع من الوقتلا تجد الينا ابراهيم متسعاً من الوقت لزيارة جاراتها معترفة بعدم وجود علاقات وثيقة بينهن، وتشير الى انشغالها بأمورٍ حياتية وعملية تقوض مسألة التعرف على الجيران وزيارتهم، موضحة ان اختلاف جنسيات سكان البناية يهدر فرصة التواصل معهم احياناً. من جهتها ترى ليلى شلهوب أنّ عزل الاطفال عن اقرانهم يترك آثاراً سلبية على شخصيتهم، مشيرة الى ضرورة التواصل مع الجيران في أمور تعود بالنفع مؤكدة ان الام العاملة لا تجد متسعا من الوقت تمضيه مع جاراتها. وتخالف هيام حسن رأي الاخرين، رافضة التخلي عن علاقاتها بجاراتها مهما كان الظرف، بل ترى ان مساعدة الجارة أمر أساسي بغض النظر عن علاقتها بها، مؤكدة انها تساعد جاراتها بشكلّ يومي وتتفقد اوضاعهن وهن يبادلنها بالمثل.