تآكل الدولة

نشر في 01-10-2007 | 00:00
آخر تحديث 01-10-2007 | 00:00
 د. بدر الديحاني

برزت في الآونة الأخيرة مؤشرات خطيرة تدل على بدايات تراجع دور الدولة، من ضمنها ما ورد في مؤشر مدركات الفساد لعام 2007 الصادر هذا الشهر عن منظمة «الشفافية الدولية» من برلين حيث أدرج الكويت في المركز الـ 60 دولياً، بعدما كانت تحتل المركز الـ 46 في العام الماضي. كما مثل بروز الولاء القبلي على حساب الولاء الوطني مؤشرا آخر على ذلك الانحسار في دور الدولة، ولعل آخر مظاهره ما يتم حاليا في الانتخابات الطلابية.

من الممكن أن تمرض وتتآكل الدولة شيئاً فشيئاً إذا فقدت القدرة على القيام بوظائفها الطبيعية. وهنالك مؤشرات أو مظاهر تدل على بدايات تآكل الدول ومن هذه المؤشرات أو المظاهر انتشار الفساد السياسي وبروز الولاءات التقليدية التي سبقت إنشاء الدولة والمؤدية للتشرذم والتشظى الاجتماعي والفرقة كالعصبية القبلية والطائفية والعائلية. ولنا في ما يجرى في لبنان والصومال والعراق أفضل مثال حيث لا وجود للدولة المتمثلة في المؤسسات الدستورية الحقيقية وبسيادة القانون والأمن الاجتماعي وتكافؤ الفرص.

في الكويت برزت في الآونة الأخيرة مؤشرات خطيرة تدل على بدايات تراجع دور الدولة، وهي ما برزت نتيجة لسياسات حكومية خاطئة خلال العقود الثلاثة الماضية.

ومن ضمن هذه المؤشرات، ما ورد في مؤشر مدركات الفساد لعام 2007 الصادر هذا الشهر عن منظمة «الشفافية الدولية» من برلين حيث أدرج الكويت في المركز الـ 60 دولياً، بعدما كانت تحتل المركز الـ 46 في العام الماضي. وترتيب الكويت هذا العام هو تقريبا ترتيب لبنان في العام الماضي! وإذا عرفنا أن منظمة الشفافية الدولية تبنى تقييمها على خمسة مؤشرات هي: مدى قدرة الحكومة على تنفيذ أحكام الجزاء وحصر الفساد، ومدى إساءة استخدام الموارد العامة للمصالح الخاصة، واحتمالات التعامل مع مسؤولين فاسدين، والفساد ابتداءً من رشوة الوزراء وصولاً إلى حوافز تدفع إلى الموظفين، وأخيرا دفع مبالغ إضافية غير موثقة ، فإننا نستطيع القول إن الفساد السياسي في الكويت قد «فاحت ريحته» ليس على المستوى المحلى فقط، بل على المستوى الدولي أيضاً.

كما أنه من ضمن المؤشرات التي تدل على بدايات تراجع وضعف دور الدولة، بروز الولاء القبلي على حساب الولاء الوطني. فقد سمحت الدولة من خلال سياساتها المختلفة للعصبية القبلية بالبروز، وكان آخر مظاهرها ما يتم حاليا في الانتخابات الطلابية، حيث ذكرت جريدة «الراى» بتاريخ 23/9/2007 أن «قبائل يام، زكت علي الفهادي وهادي العجمي لتمثيلهما في انتخابات اتحاد طلبة هيئة التطبيقي»، وأيضاً في 25/9/2007 «قبيلة العوازم أعلنت دعم القائمة المستقلة في التطبيقي وزكت فهد جحيلان وحمد فالح الهبيدة لخوض الانتخابات»، وبتاريخ 27/9/2007 «قبيلة الدواسر: تزكية بدر رسام الدوسري ودعم مطلق لقائمة المستقبل الطلابي في انتخابات التطبيقي». طبعاً هذه الاجتماعات تمت بحضور شيوخ ووجهاء القبائل وأعضائها في البرلمان والنقابات العمالية وغيرها. ويبدو أنها لن تتوقف عن هذا الحد، فكما أشار أمير قبيلة العجمان سلطان بن سلمان بن حثلين «هذا الاجتماع ما هو إلا لواء للمستقبل، لواء لانتخابات المجالس البلدية، لواء لانتخابات مجلس الأمة التي سوف تكون انتخابات صعبة وعسيرة على مستوى الدوائر الخمس التي تحتاج إلى جهد كبير لتوحيد الكلمة والصف كما انتخابات الجامعات والتطبيقي»... (الراى) 23/9/2007.

ومع كل الاحترام والتقدير لقبائل وطوائف وعوائل الكويت كلها كتكوينات اجتماعية سبقت تشكيل الدولة الحديثة، ومن الممكن أن تلعب الآن دوراً اجتماعياً بين أبنائها، إلا أنها لا يمكن أن تحل محل الوطن. فكل المواطنين متساوون أمام القانون بغض النظر عن أصولهم أو أنسابهم. ومن المفروض أن يُحاسَب من يحاول البروز الشخصي من خلال تذكية النعرات القبلية وذلك لمخالفته للقانون، كأن يشطب اسمه من كشوف الانتخابات مثلاً، لأنه، بهذا الفعل، يضر ضرراً كبيراً بالنظام الديموقراطي الدستوري للدولة.

إنه ما لم تتم عملية معالجة سريعة لهذا الوضع المختل سياسياً واجتماعياً، من خلال الاحترام الفعلي للدستور بتفعيل جميع مواده والقيام بعملية إصلاح سياسي شامل، فان الخوف، كل الخوف، أن يؤدى استمرار هذا الوضع لتآكل الدولة.

back to top