الجامع الطولوني في القاهرة... أضخم المساجد التاريخية المصرية
الجامع الطولوني هو أقدم المساجد الأثرية الباقية على حالتها الأولى تقريباً في مصر كلها، ويعود الفضل في إنشائه إلى والي مصر الشهير أحمد بن طولون في شهر رمضان من عام 265هـ (879م).وقد أمر ابن طولون بتشييد هذا المسجد الجامع ليتوسط المدينة التي اختطها لتكون حاضرة لولاية مصر وهى مدينة القطائع، ولكن المدينة لم تعمِّر طويلاً، إذ قام الوالي العباسي محمد بن سليمان في عام 292هـ بتدميرها حتى لم يبق منها سوى هذا الجامع.
ويعتبر الجامع الطولوني أضخم المساجد التاريخية قاطبة في مصر، إذ تبلغ مساحته أكثر من 26 ألف متر مربع، وقد شُيِّد على طراز المساجد الجامعة الأولى المؤلفة من صحن أوسط تحيط به أربع ظلات للصلاة وهو شبيه في تخطيطه العام بمسجد سامراء الجامع الذي شيّده الخليفة العباسي المتوكل، ورغم مساحته الضخمة (ستة أفدنة ونصف الفدان) فهو يبدو نسخة مصغرة من جامع سامراء.وتعكس التفاصيل المعمارية والزخرفية للجامع الطولوني حقيقة تشابهه مع صنوه الأكبر سامراء، فالمادة المستخدمة في البناء كانت من الطوب الأحمر (الآجر) وقد شيدت به الجدران والدعامات الضخمة الحاملة لأسقف الظلات، واختفت الأعمدة الرخامية من المسجد بناءً على طلب أحمد بن طولون، لأن الرخام لا صبر له على النار وهو يريد ـ كما قال لمهندسه ـ جامعاً إن احترقت مصر كلها بقى هو بحالته، فكان له ما أراد.وإلى جانب مادة البناء، استعار ابن طولون الشكل ذاته الذي شيدت وفقه مئذنة جامع سامراء الكبير والمعروفة باسم الملوية، ونقل طرازها بحذافيره إلى مسجده في مصر، فحسب الروايات التاريخية كانت منارة ابن طولون عبارة عن بدن اسطواني مستدق إلى أعلى ويلتف حوله منحدر يصعد المؤذن عليه ممتطياً دابته لإعلان الآذان. ومن أسف أن هذه المئذنة قد تهدمت في بدايات العصر المملوكي فأعيد تشييدها وفق طراز فريد لا مثيل له في العالم، وذلك ضمن أعمال التجديد التي شملت الجامع كله في عهد السلطان حسام الدين لاجين المنصوري في عام 696هـ (1296م). وتتألف المئذنة الحالية من قاعدة حجرية مربعة شبيهة بالصوامع المغربية وفوقها طابق اسطواني يماثل بدن الملوية القديمة ويلتف حوله درج يحاكي فكرة المنحدر الذي كان لها، وتختتم المئذنة، التي يتجاوز ارتفاعها الأربعين متراً، بجوسق للآذان فوقه قبة صغيرة تعرف في مصطلح العصر المملوكي باسم المبخرة.ويحيط ببناء الجامع الطولوني سور إضافي تفصل «زيادة» مكشوفة بينه وبين سور الجامع وكلا السورين يزدان بشرافات غريبة الهيئة، إذ تشبه عرائس متماسكة الأيدي وملتصقة الأرجل. ويحفل المسجد بزخارف جصية بديعة نفذت كلها بالحفر المباشر وقد بقي الكثير منها في بواطن عقود الظلات وأيضاً في واجهة البائكة المطلة على الصحن.وتعد ظلة القبلة أكبر ظلات الجامع، إذ تقسمها خمسة صفوف من البوائك إلى خمسة أروقة، بينما الظلات الثلاث الأخرى تتألف الواحدة منها من رواقين فقط.وإلى جانب المحراب الطولوني الذي يتوسط واجهة ظلة القبلة، فقد شيد به الفاطميون ثلاثة محاريب حائطية نفذت باستخدام مادة الجص بدعامات ظلة القبلة تحمل جميعها عبارات تشير إلى اسم وألقاب الخليفة الفاطمي، وعندما قام لاجين المنصوري بإعادة تعمير الجامع أمر أيضاً بإنشاء محرابين آخرين قلَّد صنَّاعهما الزخارف الفاطمية ذاتها، مع تغيير الكتابات الفاطمية بأخرى مملوكية. وهكذا أصبح للجامع ميزة تفرده عن جوامع عديدة في مصر وهي محاريبه الخمسة المضافة إلى المحراب الرئيسي، وكان الأخير من الجص وتمت كسوة الجزء الأسفل منه بأشرطة من الرخام الملون خلال العصر المملوكي.ومما أضافه لاجين المملوكي لهذا الجامع قبة الوضوء التي تتوسط صحن المسجد والمِنْبَر الخشبي الذي اتخذت حشواته من خشب الساج الهندي والأبنوس، وقد دقت بالأويمة الدقيقة بنقوش مورقة، وهو ما أثار أطماع تجار العاديات في القرن 19م، حيث قاموا بانتزاع حشواته وبيعها حتى قام هرتس باشا الألماني الأصل والمسؤول عن لجنة حفظ الآثار العربية في القاهرة بشرائها من أوروبا وإعادة صناعة ما لم يعثر عليه من حشواته وذلك في حوالي عام 1890م.ويشرف الجامع الطولوني المشيد فوق هضبة صخرية كانت تعرف باسم «جبل يشكر» على شارع الصليبة الشهير في حي السيدة زينب ونظراً لضخامة مساحته فقد فتحت في جدرانه 21 باباً تقابلها مثلها في السور الخارجي للزيادة، وهو من أهم المزارات السياحية في القاهرة.