مؤتمر اتحاد أميركا يختتم فعالياته: الحكومة أساس التأزيم ندوة سياسية بمشاركة نيابية ووزراء سابقين
بعد أربعة أيام من العمل المتواصل لمؤتمر اتحاد أميركا المقام في مدينة لوس انجلس، اختتمت فعالياته بندوة سياسية حملت هموم الشارع السياسي المحلي، استطاع من خلالها طرح الحلول التي من شأنها إصلاح الأوضاع التي تعيشها البلاد.
اتفق نواب مجلس الأمة ووزراء سابقون في الندوة السياسية المقامة في اليوم الختامي لمؤتمر اتحاد اميركا على ان الحكومة ونوابها هم سبب التأزيم السياسي، وان الحل يكون في إصلاح السلطة التنفيذية، وتفعيل دور وزرائها المغيبين، واستذكروا وقفات شعبية على مر التاريخ كان من شأنها الحفاظ على الجانب الإيجابي من الحياة البرلمانية التي نعيشها اليوم.بدوره، أكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية النائب محمد الصقر أهمية الالتزام بالقوانين واللوائح الدستورية، رافضا الاستجواب الذي قدم لوزيرة الصحة معصومة المبارك حتى بعد استقالتها، وقال انه «في غير توقيته وخارج عن السياق»، ولفت الى ان «هذه الممارسات النيابية قد تكون خاطئة، لكنها نقطة في بحر تدخلات الحكومة في العمل البرلماني».وضرب الصقر مثالا بالانتخابات الفرعية والتي تتغاضى الحكومة عمدا عن ضبط المتسببين فيها، فالانتخابات الفرعية مجرّمة قانونا، ولكن الحكومة لا تمانع في إقرارها بل حتى تسهيل انعقادها، ووجه سؤالا الى الوزيرة المبارك عن موقفها من هذه القضية حينما كانت عضوا في الحكومة.واستذكر الصقر أول وزارة رسمية في تاريخ الكويت عام 1962، قائلا «كادت هذه الوزارة تشهد استقالة الوزراء الشعبيين الثلاثة، عبدالعزيز ومحمد النصف، وحمود الزيد الخالد، على خلفية قضية تثمين أراضي بنيد القار»، موضحا أن الحكومة «بأطرافها الباقين» كانت تريد تغيير ديمغرافية الكويت بأسرها، لكن رفض الوزراء الثلاثة وتهديدهم رئيس الحكومة بالاستقالة أدى إلى تراجع الحكومة.وتساءل الصقر عن سبب عدم تكرار هذه النماذج الوطنية، وعن موقف الحكومة ازاء قضية الدوائر في مجلس الوزراء في ما عدا موقف الوزير الرشيد.من جانبه، استذكر النائب د. حسن جوهر تجربته مع المؤتمر السنوي لطلبة أميركا، مشيرا الى المؤتمر الثاني والعشرين، الذي انعقد في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، حيث عقدت ندوة سياسية تحت عنوان «الدوائر الخمس»، وكانت قضية الدوائر مطروحة بقوة على الساحة السياسية والطلابية، وتوالت الجهود بعد المؤتمر لتعديل الدوائر الانتخابية حتى تم إقرار الدوائر الخمس في نفس دور الانعقاد، وتمنى ان يكون هذا المؤتمر فاتحة خير لمزيد من الإصلاح.واضاف جوهر ان النواب سئموا أساليب الحكومة الهادفة الى الاتفاف على الدستور والقوانين، والسلطة التنفيذية غارقة في صراعات الحكم ومحاولات محاربة النواب الإصلاحيين بكل الطرق، ونواب الحكومة هم من يسيئون للبرلمان، من خلال تمرير المعاملات غير القانونية.وعن قضية التعليم أشار جوهر إلى أن جهود الحكومة مفقودة في هذا الجانب، والحكومات المتعاقبة تهمل التعليم ولا تعد له الخطط اللازمة لتطويره والنهوض به، وبرنامج عمل الحكومة الأخير ليس فيه ذكر لموضوع التعليم في البلد وسبل تنميته وتطويره.وبدوره لفت النائب علي الراشد الى ان مشكلة الكويت تكمن في ندرة رجالات الدولة الحقيقيين، والوزراء هم مجرد موظفون كبار يتبعون التعليمات ولا يشاركون في إدارة الحكومة، مشيرا الى أن عملية التدوير الوزاري تعرقل عمل الوزراء الإصلاحيين.وأضاف الراشد بأن الحكومة غير قادرة على إسناد نفسها والدفاع عن مصالحها، وقضية تعدي أحد النواب على طبيب في القطاع العام بالضرب والإهانة مرت من دون كثير من الاهتمام الحكومي، بل ان الحكومة صوتت ضد رفع الحصانة عن النائب عندما تقدمت وزارة العدل بطلب لمجلس الأمة بهذا الخصوص. من جانبه، انتقد النائب مرزوق الغانم عملية اتخاذ القرار في البلد، قائلا «لا يوجد قرار جريء سديد يتحرى الأمانة والدقة، ويضع نصب عينيه مصلحة الكويت بأسرها، والذنب هنا يقع على جهات عدة لكن أكبر المذنبين هو الطرف الحكومي».وشدد الغانم على تخبط الأداء الحكومي العام وضياع مجلس الوزراء من دون بوصلة، واوضح أن اختيار المناصب الحيوية في البلد لا يتم على أسس سليمة، ولا اعتبار لمعايير القوة والأمانة والنزاهة في الشخص الذي يتولى المنصب العام.من جانبها، شرعت وزيرة الصحة السابقة د. معصومة المبارك في الحديث عن تجربتها السياسية كوزيرة سابقة في ثلاث حكومات متعاقبة، وذكرت أن العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية غير إيجابية، والتداخل في أعمالهما يعرقل عمل الجهاز الإداري، فالسلطة التشريعية تختص بالتشريع والرقابة، أما السلطة التنفيذية فمهمتها التنفيذ، لافتة الى ان تعقيد العملية السياسية يعود الى تعدي بعض أعضاء مجلس الأمة على صلاحياتهم الدستورية وتدخلهم في اختصاصات الوزراء، وضربت مثالا على ذلك في قانون الشركات التجارية، حيث سمح مجلس الأمة لنفسه بإنشاء شركة اتصالات ثالثة في الكويت، على الرغم من أن ذلك لا يقع ضمن اختصاصات المجلس، بل انه إحدى صلاحيات الحكومة، والواجب احترام المبدأ الدستوري الذي ينص على فصل السلطات واستقلاليتها حتى تستقيم العملية السياسية في الكويت.النائب السابق وليد الجري شارك في الندوة وتحدث عن خبراته المستفيضة في العمل السياسي، قائلا «يسعدني أن أنتقل من كويت التشاؤم إلى كويت الأمل هنا معكم في أميركا»، ثم تحدث عن أبرز المشاكل التي تشوه خريطة العمل السياسي في الكويت، والتي لا تنحصر في تدخل بعض النواب في عمل الوزراء، فهذه مجرد ظواهر لا ترقى الى مرتبة الأسباب».ودعا الجري إلى التمسك بالدستور الذي ارتضاه الشعب الكويتي بجميع أطيافه قانونا أساسيا وقاعدة للحكم، واستنكر امتناع الحكومة عن عدم المشاركة في احتفالات يوم الدستور والذي يؤخذ كمؤشر بسيط على عدم قناعتها به، مؤكدا ان المعضلة الأساسية تكمن في عدم قناعة بعض أطراف النخبة الحاكمة بالدستور، والخطورة مضاعفة عندما تستحوذ هذه الأطراف على مواقع القرار في السلطة.وشدد الجري على أنه من الخطأ الاعتقاد بأن حالة التشكيك بالدستور طارئة على الساحة السياسية المحلية، وبالنظر إلى تاريخ الكويت الحقيقي وخصوصا محاضر المجلس التأسيسي ولجنة إعداد الدستور، يتبين بأن محاولات ضرب المكتسبات الشعبية كانت قائمة منذ ذلك الحين.وأضاف الجري أنه لم يكن هناك أبدا مجلس وزراء في الكويت، فالحكومة الحقيقية التي تدير البلد تكون مخفية وراء الكواليس، ومفتاح الحل لهذه الممارسات يكون بقبول جميع مواد الدستور والالتزام بها، مع التأكيد بأن الدستور في أصله وثيقة توافقية في حسنها، وليست منتهى الأمل، مشيرا الى ان واضعي الدستور ارتأوا تعديله نحو مزيد من المكتسبات الشعبية والحريات بعد خمس سنوات من إقراره، لكن عدم قناعة الحكم بالدستور أدت إلى إعاقة العملية.واستهجن الجري محاربة الحكومات المتعاقبة لشخصيات معينة في مجلس الأمة وخارجه، رافضا استهداف الشخصيات الوطنية خصوصا في فترة الانتخابات النيابية، الامر الذي يستنزف طاقات الحكومة، فيتحول تركيزها عن تنمية البلد وتطويره إلى ضرب العناصر المتمسكة بمواد الدستور والرافضة لهيمنة طرف على آخر. وأضاف الجري بأن تدخل الحكومة في عملية التصويت والانتخاب أدى إلا بروز نوعين من النواب في مجلس الأمة، إما مديون للحكومة التي أوصلته للمقعد النيابي، أو حاقد عليها لمحاربتها إياه في الانتخابات، ولا استثناء للنوعين إلا لمن رحم الله.من جانب آخر، دعا د.أنس الرشيد الحضور إلى التفاؤل بالكويت ومستقبلها، قائلا «أجدادنا أقاموا الكويت وصانوها حتى حينما لم يكن في متناولهم إلا المركب والشراع، ولم يملكوا شيئا، لكنهم كانوا كل شيء، واليوم نعاني في الكويت من أزمة نفوس وليست أزمة نصوص».وتحدث الرشيد عن عملية اختطاف الحكم في بداية الثمانينيات، وقال «حينما عدلت الحكومة الدوائر الانتخابية في غياب مجلس الأمة، والتي مازالت نتائجها ملموسة في ضعف الأداء السياسي حتى في المجلس الحالي، ومن هنا كانت الدعوة لحل مجلس الأمة والذي يحظى بتأييد شعبي من الناس، على أن يلتزم جميع الأطراف سواء الشعبية أو التي تمثل الحكم باحترام مواد الدستور والتسليم بإرادة الشعب الحرة».اختتمت الندوة السياسية عندما شكر الضيوف جميع الحضور والقائمين على المؤتمر. يذكر أن هذه الندوة تمثل الفعالية ما قبل الأخيرة التي شهدها المؤتمر السنوي الرابع والعشرون للاتحاد الوطني لطلبة الكويت فرع اميركا، حيث تلاها الحفل الختامي، ومن ثم الحفل الغنائي الساهر «تصور» للفنان عبدالله الرويشد.