مجتمع العطلة المزمنة !

نشر في 31-08-2007 | 00:00
آخر تحديث 31-08-2007 | 00:00
 أ.د. غانم النجار

أتصور أن بعض الموظفين البليدين أصلاً سيصرون على التمسك بالتغيب يوم الخميس على أساس أنه حق مكتسب، ولسان حالهم يقول إن أرادت الحكومة أن تجعل من السبت عطلة، فإننا نرحب بذلك، ولكننا لن نفرط في المقابل بيوم الخميس، على طريقة «حكومتنا كريمة واحنا نستاهل».

تنتظم المجتمعات والدول المدنية في تنظيم شؤون العمل من خلال مبدأ أقرته اتفاقيات العمل الدولية على ضرورة وجود أيام للعطل الأسبوعية يرتاح فيها العامل من عناء العمل. وهو تنظيم أقرته وقبلت به الدول كافة في العالم من دون استثناء، من حيث المبدأ، الذي يحدد ساعات العمل وبالمقابل ساعات الراحة وأيامها، إلا أن المجتمعات اختلفت في تفاصيل تلك العطل.

ونبدأ منذ اليوم رحلة جديدة في حياتنا «العطلية» بوداع يوم الخميس كعطلة نهاية الاسبوع وتحويلها إلى السبت. وكنا في زمن مضى قد ودعنا الخميس كيوم عمل عادي، ثم تحول إلى عطلة فجأة ومن دون مقدمات. وكان لذلك التحول أثره على الحياة الاجتماعية بصورة ملحوظة. وقد ترتب على ذلك أن ظلت البلاد تعيش بنظامين للعطلة؛ أحدهما حكومي، وهو الخميس والجمعة. وثانيهما قطاع خاص، وهو الجمعة والسبت، وكان لذلك النظام المزدوج أيضا آثاره الاجتماعية على تنظيم وسلوك الناس وبالذات على الأسرة، حين يكون الأولاد في المدارس وأحد الأبوين في الخاص والأم في العام.

ومع أنني لست من أنصار التحول من الخميس إلى السبت كعطلة نهاية الأسبوع، إلا أنه كان مؤسفا أن يحول بعضهم الموضوع برمته إلى قضية دينية، وأنه مخالف للشرع، وهو طرح يبدو خارج «نطاق التغطية»، فعطلة نهاية الأسبوع، أساساً، خميسا كانت أم سبتا أم جمعة، لا أساس شرعياً لها، ولكن على أي حال يبدو أن الناس لديها وقت فراغ كبير.

وفي حديث العطل، فقد كانت لدينا عطلة يوم واحد للعيد الوطني نحتفل به في 25 فبراير من كل سنة، وهي ذكرى عيد جلوس الشيخ عبدالله السالم، طيب الله ثراه عام 1950، وليست ذكرى الاستقلال الذي جاء في 19 يونيو 1960. فأصبحت العطلة يومين 25 فبراير للعيد الوطني، و26 فبراير لعيد التحرير من الغزو الغاشم سنة 1991. ولا أعرف السبب الوجيه، أو غير الوجيه، أو اللوجستي الذي جعل صدام حسين يتأخر في انسحابه من الكويت لبضع سويعات، ولكن النتيجة والمحصلة النهائية، أننا حصلنا على يوم عطلة زيادة هو يوم 26 فبراير. ولو كان صدام قد عجل في انسحابه بضع سويعات لكان تاريخ انسحابه هو 25 فبراير، ولما أصبح ليوم 26 فبراير أثر أو معنى، والأهم من هذا وذاك لما أصبح يوم عطلة.

وتتباين الشعوب والمجتمعات في تحديد عُطلها ومعناها ومغزاها، فعيد العمال مثلاً الذي يصادف يوم الأول من مايو نجد دولاً تتخذ منه عطلة رسمية ودولاً تحيي ذكراه فقط. وقد كان لذلك اليوم واحتفالاته مغزى سياسي في إطار الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي ومنظومته الاشتراكية والولايات المتحدة الأميركية ومنظومتها الرأسمالية، مما أدى الى قيام الولايات المتحدة بتحديد عطلة رسمية نكاية في عيد العمال، وجعلتها في الأول من سبتمبر أو الفاتح من سبتمبر، كما يحلو «للشيخ» معمر القذافي أن يطلق عليها. ولكن الولايات المتحدة أطلقت على ذلك يوم العمل، خاصة أن عيد العمال، وهو الأول من مايو، كان لإحياء ذكرى اضطرابات عمالية جرت في الولايات المتحدة ذاتها.

أما في مصر فقد وجدنا الحلاقين مثلاً يعطلون يوم الاثنين... ولا أعرف لماذا؟ حيث يبدو أنه اليوم الميت الذي يكون الحلاق قد بذل فيه جهداً مضاعفاً أيام العطلة التي سبقت الاثنين، حيث يتكالب الناس على الحلاقة أيام العطل. أيضا لا أدري لماذا يتزاحم الناس على صالونات الحلاقة أيام العطل؟، كذلك فإن ورش ميكانيكا السيارات تعطل يوم الأحد... ولا أعرف لماذا؟

الشاهد أن الحديث عن العطل وأيامها وتحديدها في الكويت غير مفهوم، فغالبية موظفي الحكومة لا يعملون أصلاً ومستوى إنتاجيتهم هو الأدنى، فأيامهم كلها عطل في عطل، وأعاننا الله على إعادة التكيف وإعادة يوم الخميس كيوم عمل في برامجنا الذهنية، أما تحويل قضية العطلة إلى قضية سياسية أو دينية، فهي ليست إلا مؤشر لحالة الفراغ التي يعيشها المجتمع. وأتصور أن بعض الموظفين البليدين أصلاً سيصرون على التمسك بالتغيب يوم الخميس، على أساس أنه حق مكتسب ولسان حالهم يقول إن أرادت الحكومة أن تجعل من السبت عطلة، فإننا نرحب بذلك، ولكننا لن نفرط في المقابل بيوم الخميس على طريقة «حكومتنا كريمة واحنا نستاهل»، أو في رواية أخرى «زيادة الخير خيرين».

back to top