الحرب العسكرية على فتح الإسلام انتهت لكن الأمنية مستمرة بوادر مواجهة جديدة سياسية - قضائية بين14 آذار و 8 آذار
يؤكد كبار القادة العسكريين والأمنيين أن انتهاء الشق العسكري من المعركة ضد الإرهاب في «نهر البارد» لا يعني انتهاء «الحرب» على الإرهاب في لبنان. وفي رأي أصحاب القرار أن الضربة العسكرية التي تلقاها تنظيم «فتح الإسلام» شكلت عملية تصفية فعلية وميدانية لهذا التنظيم لا سيما بعد القضاء على قيادته وكوادره المحركة وسقوط عناصره بين قتيل وجريح وموقوف.لكن هذه الضربة على أهميتها لا تعني زوالا نهائيا للمخاطر الأمنية التي تهدد لبنان واللبنانيين من منطلق أن تنظيم فتح الإسلام لم يكن مجموعة معزولة في حركتها عن تنظيمات ومجموعات أخرى مماثلة في خلفياتها العقائدية وطبيعة الأدوار الموكلة إليها، وربما عن محركين يتولون التنسيق وتوزيع الأدوار في شكل مباشر أو غير مباشر على هذه التنظيمات.
وتختصر مصادر قيادية أمنية وعسكرية ما تحقق حتى الآن بالآتي:1- لقد تمت السيطرة على البؤرة الجغرافية التي كان يتخذ منها هذا التنظيم ملاذا آمنا لقيادته وللأغلبية الساحقة من قوته المقاتلة، وبالتالي حرم التنظيم من أمكنة التدريب الأساسية والاختباء ووسائل الاتصال والإمداد الاساسية والمستودعات والعتاد العسكري والذخائر ومراكز القيادة المحصنة التي لا يمكن توافرها في اي مكان ولا يمكن بناؤها بسهولة وسرعة. 2- لقد تم توجيه ضربة قاسية الى الهيكلية التنظيمية والهرمية لـ «فتح الإسلام» بحيث قضي على قيادته كلها، وبالتالي فإن الخلايا النائمة التابعة له التي يمكن أن تكون منتشرة في أكثر من منطقة لبنانية، في حال وجودها، باتت معزولة وغير قادرة على العمل المنسق. أما عملية إعادة جمعها وتحريكها واستنهاضها فيحتاج الى وقت طويل لا سيما في ظل الحالة المعنوية والنفسية التي يعاني منها من تبقى من فلول التنظيم نتيجة لمعرفتهم بمصير قادتهم ومحركيهم ورفاقهم، وللبيئة المعادية التي يعيشون فيها. 3- لقد شكل إصرار الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية بغطاء سياسي حازم من الحكومة اللبنانية على حسم المعركة ورفض المساومة والتراخي في التعاطي مع «فتح الإسلام» في نهر البارد، رغم المحاذير السياسية والإنسانية اللبنانية والفلسطينية، رسالة مهمة الى كل من تسول له نفسه تأمين الحماية والغطاء لمثل هذا التنظيم مستقبلا. وبالتالي فإن تكرار نموذج «فتح الإسلام» في مخيمات فلسطينية أخرى على الساحة اللبنانية بات مسألة أكثر صعوبة وتعقيدا بالنظر الى التكلفة الباهظة لمثل هذا الغطاء على مقدميه.4- لقد شكل نجاح الجيش اللبناني والقوى الامنية اللبنانية في حسم المعركة عسكريا على النحو الذي تم فيه الحسم حافزا للمجتمعين العربي والدولي من أجل تأمين الدعم المطلوب للجيش اللبناني والغطاء المطلوب للحكومة اللبنانية للمضي قدما في مواجهة ما يتعرض له لبنان من مخاطر. كما سمحت العمليات العسكرية للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي باستخلاص العبر والدروس وباكتساب الخبرة في التعاطي مع مثل هذه الحالات والظواهر على نحو يجعلها أكثر مناعة وقدرة على التصدي للإرهاب مستقبلا. وفي المقابل، تختصر المصادر القيادية الأمنية والعسكرية المخاطر التي لا تزال ماثلة على الساحة اللبنانية بالآتي:1- إن تنظيم فتح الإسلام كان فصيلا من فصائل الإرهاب المتعددة والمتشعبة. وهو استخدم من قبل صانعيه ومحركيه لتحقيق أهداف معينة على الساحة اللبنانية. وإذا كان التنظيم قد بات من الماضي بعد معركة نهر البارد فإن محركيه وصانعيه وداعميه خسروا الأداة ولم يخسروا الوسائل السياسية والمالية والحربية التي تمكنهم من بناء تنظيم آخر مماثل في المستقبل.2- إن دور «فتح الإسلام» شكل جزءا من الحرب التي تتعرض لها الحكومة اللبنانية المنبثقة عن الانتخابات النيابية الأخيرة. كما شكل حلقة من حلقات زرع عدم الاستقرار والبلبلة على الساحة اللبنانية، بدليل ثبوت مسؤوليته عن تفجيري عين علق واغتيال الوزير الراحل الشيخ بيار الجميل، وغيرها من العمليات التي استهدفت «اليونيفيل» في الجنوب. وفي ظل استمرار الصراع السياسي، من غير المستبعد، لا بل من المنتظر، أن تبادر الجهات التي دفعت بـ «فتح الإسلام» الى الواجهة الى بناء تنظيم مماثل، أو ربما الى تحريك تنظيم جديد يمكن أن يكون قد أعد سلفا كبديل جاهز للحلول مكانه عند الضرورة.وفي موازاة الاعتبارات العسكرية والأمنية، تتوقف جهات سياسية مراقبة عند بوادر الاستغلال السياسي لنتائج المعركة العسكرية، في ظل دعوة قوى المعارضة (8 آذار) الى لجنة تحقيق مهمتها كشف الجهات التي تقف وراء تنظيم فتح الإسلام وتمويله وتأمين الغطاء له في اتهام ضمني لبعض قوى الأكثرية (14 آذار) وداعميها على الساحة العربية بالوقوف وراء التنظيم المذكور، وفي أحسن الأحوال بغض النظر عن تحركاته. وتعتبر مصادر قيادية في قوى 14 آذار أن لجنة التحقيق التي يطالب بها البعض من قوى 8 آذار قائمة وموجودة، وهي اللجنة الدولية للتحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، وفي جرائم التفجير والاغتيالات ومحاولات الاغتيال التي اعقبتها، على اعتبار أن مهمات اللجنة تشمل جرائم ثبت ضلوع تنظيم فتح الإسلام فيها، وقد باشرت اللجنة قبل مدة التعاطي بهذا الملف، ومن الطبيعي أن تتوسع في تحقيقاتها في ضوء وجود أكثر من 202 موقوف من التنظيم لدى القوى الأمنية والعسكرية اللبنانية في محاولة لاكتشاف الجهات التي تقف وراء التنظيم مهمات وتحريضا وتمويلا وتسهيلا للتنقل.