محور الحمقى

نشر في 23-01-2008
آخر تحديث 23-01-2008 | 00:00
 بلال خبيز

المعارضة اللبنانية تريد أولاً وأخيراً تجميد السياسة الداخلية للبلد، ولابدّ أن تصطدم بمعضلات ومشكلات لا قِبَل لها بحلها، تبدأ بالأوضاع المعيشية، ولا تنتهي بالمعضلات السياسية التي قد تجعل لبنان معزولاً تماماً عن العالم، ليس لأنه جزء من محور الشر، بل لأنه يؤسس لمحور جديد لا يصح في وصفه وصفاً أدق من «محور الحمقى».

لم تعد لعبة الحجج المتناسلة، التي تجابه بها المعارضة اللبنانية كل محاولة للحل، تنطلي على أحد، وكان آخرها بدعة الرئيس نبيه بري، حين قرر تفسير المبادرة العربية بخلاف ما يرتئيه أمين عام الجامعة العربية السيد عمرو موسى. ذلك أن هذه الحجج لا هدف لها إلا تغذية وقت المحطات التلفزيونية الذي بات في ما يتعلق بالأزمة الرئاسية اللبنانية فارغاً تماماً، ولم يعد أمام القيمين على هذه المحطات غير الانصراف الكلي عن تلقف أخبار السياسيين وحججهم، لولا أن معظم المحطات التلفزيونية اللبنانية مملوكة لـ«مفبركي» هذه الحجج جملة وتفصيلاً.

واقع الأمر أن الأزمة اللبنانية اليوم تقع بين حدين جوهريين: حد المعارضة التي تطالب بتجميد الوضع الدستوري والقانوني والمؤسساتي للبلد إلى حين إنهاء معركتها مع الخارج، وحد الموالاة التي تريد تجميد الانعكاسات الخارجية على البلد لمعرفة اتجاه سير الرياح الدولية والإقليمية. وبين رغبتين بالتجميد يبدو البلد فاقداً أنصبته كافة من دون مبالغة.

وفي هذا المجال يمكن القول إن المعارضة نجحت إلى حد بعيد في استدرار التدخلات الخارجية من كل حدب وصوب، خصوصاً العربية منها، التي راعها وصول البلد إلى هذا الدرك من الفوضى السياسية، لكن هذا التدخل يبدو ومنذ لحظته الأولى كما لو أنه تدخل تحذيري، أكثر مما هو تدخل طويل النفس يهدف في النهاية إلى تحقيق أهداف ومآرب ومكاسب محددة، تُصرف في البلد نفوذاً سياسياً وإعلامياً لا شك في جدواه. فمنذ انطلاقة المبادرة العربية حذر القادة العرب جميعاً من أن هذه المبادرة هي مبادرة الفرصة الأخيرة، وعلى هذا التحذير نفسه انطلقت المبادرة الفرنسية من قبل. والأرجح أن مبادرات أخرى في طريقها إلى لبنان وستحمل بالتأكيد العنوان نفسه والتحذير نفسه، وفي هذا الاستنفاد الدولي والعربي، ما يسهل نفض اليد من لبنان، على حد تعبير الرئيس المصري، مما يجعل المعارضة اللبنانية خاسرة بالجملة ما جرّبت أن تربحه بالمفرّق، ذلك أن المعارضة اللبنانية التي تريد أولاً وأخيراً تجميد السياسة الداخلية للبلد، لن تلبث أن تصطدم بمعضلات ومشكلات لا قِبَل لها بحلها، تبدأ بالأوضاع المعيشية التي بدأت نذر انفجار أزماتها تدق الأبواب ولا تنتهي بالمعضلات السياسية التي قد تجعل لبنان معزولاً تماماً عن العالم، ليس لأنه جزء من محور الشر، بل لأنه يؤسس لمحور جديد لا يصح في وصفه وصفاً أدق من «محور الحمقى». إذ ما الذي يعنيه نفض اليد العربية والدولية من لبنان، غير تركه مصيره الأسود بين جارين لا يرحمان؟ وما إن تحل هذه اللحظة الحاسمة، حتى يصبح تيار الجنرال عون غير ذي موضوع أصلاً. إذ ليس من المؤكد أن تستمر الموالاة في تطلبها إدارة دفة الدولة إذا ما انفض عن لبنان أصدقاؤه في العالم، مما يجعله جمهورية فوضى سعيدة لا يطمع في حكمها إلا من كان قليل الدراية بشؤون الحكم والسياسة على حد سواء. ولن يكون حال «حزب الله» أفضل وأكثر إشراقاً. فحتى جمهورية «حماس» في غزة مازالت تملك أصدقاء في العالم، وصلات لا غنى عنها وهي تحرص على ما تبقى منها وتحرسه بأشفار العيون. لكن فقدان الشرعية الدولية الذي يضرب في «حماس» مقتلاً سيجعل من لبنان في ظل السيناريو نفسه، مع هذا الحد من التخلي ونفض اليد منه، شعباً مشاعاً لتجربة كل أنواع الأسلحة في لحمه الحي. حينذاك سيكون على «حزب الله» أن يبتكر وسائل دفاع جديدة تتيح لمقاتليه إخفاء الأبنية والناس عن أعين الطائرات المغيرة. وحيث إن الشعوب لا تعيش في الملاجئ وتحت الأرض، بل في الشمس الساطعة وملء العين، فإن هذا الشعب سيصبح مختبراً حياً للطائرات والصواريخ وكل أنواع الأسلحة الحديثة، مما يجعل قوة «حزب الله» ضعفاً وصموده انتحاراً.

حتى ذلك الحين، وقد بات على الأبواب، فإن القادة اللبنانيين سيستمرون في ممارسة هواياتهم في حفلة الشتامين التي يديرونها على مرأى ومسمع من العالم كله.

ملحوظة لابد منها: لم يعد ثمة وقود في غزة لتشغيل محطة الكهرباء الوحيدة. غزة تعيش على الشموع، والشموع لا تولد طاقة تشغل أجهزة التلفزيون. لبنان لن ينتظر حتى تقطع جهة خارجية ما إمداده بالطاقة الكهربائية، إذ يكفي الشلل الداخلي لجعل لبنان كله يغرق في عتمة دامسة، في مثل هذه الحال، كيف سيخاطب السيد حسن نصرالله جمهوره الكبير؟

* كاتب لبناني

back to top