الخيل العِراب 2 - 2 : زاد الركب والهجيس والديناري!

نشر في 17-04-2008
آخر تحديث 17-04-2008 | 00:00
 د. مصطفى اللباد

إن إطلاق أسماء الخيل العِراب على أساطيل الطائرات العربية المدنية من شأنه تخليد ذكرى الخيل والتمسك برمزيتها المهمة في حضارة العرب الكبرى، فلماذا لا يطلق العرب أسماء خيولهم التاريخية على سيارات الركوب التي ينتجونها؟

يقول العرب إن أول من ركب الخيل واتخذها هو إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، فلما شب أعطاه الله القوس فرمى عنها، فكان لا يرمي شيئا إلا أصابه. وتأسيساً على هذه المقولة قال الرسول(ص) لاحقاً: «اركبوا الخيل فإنها ميراث أبيكم إسماعيل»، ولذلك سميت الخيل بالعِراب «بكسر العين». وكان نبي الله داود يحب الخيل حباً شديداً حتى جمع ألف فرس من أقاصي الأرض، فلما قبض الله داود، ورث سليمان ملكه وميراثه فقال: «ما ورثني داود مالاً أحب إليّ من هذه الخيل». ولكن أفراس سليمان فتنته عن صلاته فضرب سوقها ولم يبق منها إلا فئة قليلة حين قبض الله روحه أيضاً. وتقول الأسطورة إن قوما من عمان وفدوا على سليمان بن داود بعدما تزوج بلقيس ملكة سبأ، فسألوه أن يأمر لهم بزاد حتى يبلغوا بلادهم، فدفع إليهم سليمان فرساً من خيله قائلاً: «هذا زادكم! فإنكم لن تجمعوا حطباً وتوروا ناركم حتى يأتيكم بالصيد»، وهو ما كان بالفعل فأطلقوا على هذا الفرس اسم «زاد الركب». ولذلك فقد كان أول فرس انتشر في العرب من تلك الخيل وإليه تعود أنساب الخيل المؤسسة للسلالات العربية، ومنه أخذت بني تغلب أبو أفراسها الهجيس، ومن الأخير استطرقت بكر بن وائل الديناري، وعلى ذات المنوال كانت رؤساء الخيل العربية من بنات زاد الركب مثل جلوى الكبرى وجلوى الصغرى وذي الموتة والقسامة وسوادة والفياض.

اتخذ رسول الله الخيل وارتبطها وأعجب بها وحض عليها وأعلم المسلمين ما لهم في ذلك من الأجر والغنيمة وفضلها في السهام على أصحابها، فجعل للفرس سهمين ولصاحبه سهماً. فالفارس يفضل على الراجل بشيء مخصوص وليس ذلك إلا للفرس، فإن غيرها من الدواب -إذا قاتل عليها الإنسان- فلا يستحق شيئا معينا، بل يرضخ له رضخا ولو كان أعظم الدواب كالفيل. ذهب أبو حنيفة إلى أن الفارس يعطى سهمين (سهم له وسهم لفرسه) مستدلا بما فعله الرسول مع المقداد بن عمرو في يوم بدر، ومع الزبير بن العوام في يوم بني قريظة ومع جميع الفوارس في وقعة بني المصطلق. ولكن الذي ذهب إليه الجمهور واعتمده ابن حنبل هو أن الفارس له ثلاثة أسهم، واحد له واثنان لفرسه وأما الراجل فله سهم واحد. واستدلوا بما فعله الرسول في غزوة خيبر واستشهدوا أيضاً بقوله في فتح مكة: «إني جعلت للفرس سهمين وللفارس سهماً». هذا ولا فرق بين كون الفرس عربياً أو غير عربي عند الجمهور ولكن بعضهم يجعل للفرس العربي سهمين ولغير العربي سهما واحداً. وعن جبير بن نفير عن عبدالرحمن بن عائذ الثمالي، قال: قال رسول الله: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها. فامسحوا نواصيها، وادعوا لها بالبركة».

ويضرب العرب الأمثال بالخيل أيضاً، إذ إن «خصاف» من خيل باهلة وهي فرس سفيان بن ربيعة الباهلي، وهي التي قيل فيها: «لأنت أجرأ من فارس خصاف». وكان كسرى الفُرْس قد وجه جنداً عظيماً من المرازبة -وهي الأحرار- فهابتهم مضر هيبة شديدة لما رأوا من سلاحهم ونشابهم وقالوا: «لا يموت هؤلاء أبداً». وكان سفيان بن ربيعة واقفا على فرسه خصاف، فحمل على قولا المرزبان ويزعم أن سنان رمحه يومئذ قرن ثور من بقر الوحش فطعنه حتى أخرج سنانه من بين كتفيه ثم قال: يا لقيس إنهم ليموتون، فقالت العرب «لأنت أجرأ من فارس خصاف».

كانت خيول رسول الله خمسة أفراس: لزاز ولحاف والمرتجز (سمي كذلك لحسن صهيله) والسكب واليعسوب، وكلها بالطبع من خيل بني هاشم. ومن خيول قريش أيضاً «الأجدل» فرس أبي ذر الغفاري، و«اليعسوب» فرس الزبير بن العوام. ومن خيول بني هاشم «ذو اللمة» وأصل اللمة الشعر الذي يلم بالمنكبين وهو فرس صاحب رسول الله عكاشة بن محصن الأسدي. أما «العقال» فهو فرس الشاعر جرير، ويقال إن أول من ارتبط فرسا في سبيل الله كان سعد بن أبي وقاص، في حين أن «الأدهم» من خيل غطفان بن سعد وهو فرس عنترة بن شداد العبسي، الذي يقول فيه:

يدعون عنتر والرماح كأنها

أشطان بئر في لبان الأدهم!

الله... الله في خيلكم يا عرب، لا تفرطوا في تاريخها وتراثها فتقعدوا ملومين محسورين! لماذا لا يطلق العرب أسماء خيولهم التاريخية على سيارات الركوب التي ينتجونها؟ إن إطلاق أسماء الخيل العراب على أساطيل الطائرات العربية المدنية من شأنه تخليد ذكرى الخيل والتمسك برمزيتها المهمة في حضارة العرب الكبرى.

* كاتب وباحث مصري

back to top