منع التعليم المشترك في المدارس الخاصة بين الحقيقة... والتطرف استعدوا... كويت للنساء وكويت للرجال!

نشر في 28-01-2008 | 00:00
آخر تحديث 28-01-2008 | 00:00

هل سنحصل أخيراً على كويت للنساء وكويت للرجال؟ وفق هذا المنظور يُطرح موضوع منع التعليم المشترك في المدارس الخاصة، ويتبناه عدد من أعضاء مجلس الأمة، وليس المشروع مثيراً للجدل وحسب، بل ومنافٍ لسيرورة الحياة والواقع الاجتماعي في الكويت، لاسيما مع الإجماع على فشل التجربة في جامعة الكويت، عدا تعارضه مع الدستور الكويتي والحريات الشخصية، وفقاً لآراء عدد من أصحاب المدارس المعنية بالأمر، وملاحظات المتخصصين والمراقبين وأعضاء في مجلس الأمة.

«أنا انسان حر»...

يقول بو طلال، الضابط في الجيش الكويتي، وهو يوضح سبب اختياره مدرسة خاصة مختلطة لابنته البالغة من العمر 12 عاما، «اخترت مدرسة خاصة لأنها أفضل من التعليم العام، أولا، وثانيا، لأن المدارس ذات المنهج الأجنبي تهتم بجميع النواحي التعليمية، كالمواد المساندة، الرسم، الموسيقى، الرياضة، وسواها من دروس تثقيفية لتنمية مهارات الطلاب».

يدفع بو طلال نحو خمسة آلاف دينار نظير تعليم ابنته وابنه في مدارس خاصة، فضلا عن سائق خاص يتولى إيصالهما يوميا من منطقة الجهراء حيث يسكن، الى منطقة حولي، وأحيانا يقوم بالمهمة بنفسه، وبعد خروجه من العمل ينتظرهما أمام المدرسة نحو نصف الساعة قبل خروجهما، كما حصل في شهر رمضان الماضي، عندما كان يذهب يوميا قبل وصول السائق، ويتكبد بو طلال كل هذا العناء لأنه يعتقد أن «الأمر يستحق»، ويضيف «يحضني أقربائي وبعض الاصدقاء على توفير المال والجهد وتسجيل أبنائي في المدارس الحكومية، لكنني مقتنع تماما أن المدارس الحكومية مضيعة وقت لطالب العلم، ولا توفر مناخا ملائما كما يحدث في المدارس الخاصة».

وعند سؤاله عن مسألة الاختلاط في المدارس الخاصة، أكد بو طلال «سعيت إليها بنفسي، وهو خيار مقتنع به تماما، بعد أن جربته في بريطانيا أثناء دراستي الجامعية، ورأيت كيف تطورت شخصية ابنتي، حيث باتت واثقة من نفسها الى حد كبير، ولديها أصدقاء في المدرسة، وأنا أثق بها، ولا تعنيني بعض العقول المريضة، هذه هي الحياة الحقيقية، الاختلاط مبدأ انساني، وليست جريمة كما يصورها بعض المتطرفين».

بو طلال وسواه كثيرون من الكويتيين، أرسلوا أبناءهم الى المدارس الخاصة ذات المنهج الأجنبي، ويعتبرون ذلك «خيارا شخصيا»... بالدرجة الاولى، كما يصرون، علما أن هذه المدارس موجودة في الكويت منذ عقود، ومعظم الدارسين فيها من نخبة المجتمع الكويتي، الطامحين الى تعليم مميز، يرتقي بأبنائهم ويعدهم للمستقبل بصورة جيدة، عدا طلابها من أبناء الجاليات غير العربية، الذين يحتاجون الى مناهج وطرق تدريس لا تختلف عن التى اعتادوا عليها.

فجأة، وضمن تسلسل مدروس، يقدم بعض النواب الإسلاميين مشروعا الى مجلس الأمة (البرلمان)، لمنع الاختلاط في المدارس الخاصة، ضمن مشروعهم لتحويل الكويت الى دولة دينية، والتدخل في خصوصيات المواطنين والمقيمين، الأمر الذي شكل «قلقا» بالغا عند المسؤولين عن هذه المدارس، ولدى الطلاب وذويهم، لأن المشروع ينطوي على تداعيات غير قليلة، من بينها إغلاق هذه المدارس نهائيا، وتشريد الآلاف من الطلبة، سواء من الكويتيين أو أبناء الجاليات الاجنبية، عدا الخسائر المادية والمعنوية، والآثار السلبية على وضع التعليم الخاص، ومضايقة الكثير من العائلات الاجنبية العاملة في الكويت... وكما يقول دبلوماسي أجنبي «إنهم يصنعون مشكلة كي يبحثوا لها عن حل»، وتساءل باستغراب «أين المشكلة»؟

عودة إلى الدستور

صاحب المدرسة الانكليزية في الكويت محمد السداح لم يكن مرتاحا للموضوع، ورأى أن «الموضوع سياسي بامتياز، واظهار للقوة لا أكثر ولا اقل، فالقوى السياسية الاسلامية تريد فرض اجندتها على البلد، وهذا ما هو حاصل لا اكثر ولا اقل، وفي اكثر من مجال»، وأضاف «أود التذكير بأن الكويت اختارت الديموقراطية طريقا ومنهجا وأسلوب حياة، الكويت الشعب اختارت حكامها منذ بداية تأسيسها، واختارت النظام السياسي وفقا للنظام الديموقراطي النيابي، والديموقراطية بمعناها البسيط جدا هي حرية الاختيار، وتعني ضمن ما تعنيه اختيار النظام الاجتماعي أو الثقافي أو التعليمي الذي يناسبها، وإذا كان دستور الكويت نصّ في احدى مواده على التزام الدولة بمجانية التعليم، فإنه أعطى حرية الاختيار لأولياء الامور ليختاروا التعليم الذي يريدونه، ومن هذا المنطلق بإمكان المواطن والمقيم اختيار التعليم الذي يريدانه، انطلاقا من الحرية المعطاة، وطبقا لأحكام الدستور، وبما يتناسب مع طموحات أولياء الأمور والأبناء، وتطلعاتهم إلى المستقبل».

وأوضح السداح أن «الكويت تشهد اليوم عملا تربويا متعددا، فهناك التعليم الحكومي الذي يلزم الدولة، وهناك التعليم الخاص بنوعيه العربي والاجنبي، وكوني أملك مؤسسة تعليمية تتبع المنهج البريطاني، يمكنني القول إن التعليم البريطاني يتبع التعليم المختلط وغير المختلط، والبلد يتيح حرية الاختيار، فمن رغب في الاختلاط له ما يريد، ومن أراد العكس من حقه أيضا، فمثلا أولياء الأمور الذين لا يريدون لأبنائهم الاختلاط، نذكرهم انه يوجد مدرسة بريطانية للبنات، ومدرسة أميركية للبنات، والاختيار متاح للجميع».

تعالوا ونفّذوا القانون

وأشار الى ان التعليم البريطاني «يتمتع بسمعة خاصة، لما يمكن ان نسميه الضبط والربط والرقابة التي تعد بالنسبة لنا قضية حساسة ورئيسية، والحمد لله، لم تشهد هذه المدرسة أي حدث يسيء الى سمعتها أو سمعة أبنائها وبناتها، والادارة تطمئن اولياء الامور بأنها حريصة على سلوك الطلبة، بما يتفق مع قيمنا وموروثنا الاجتماعي والاسلامي بطبيعة الحال».

وعن إمكان تطبيق القانون في حال إقراره، قال السداح «أرجو ألا يحصل، هناك صعوبة كبيرة في تحقيقه، فمدارسنا لا تستوعب الأمر ولا يمكن تقسيمها الى قسمين، وللأسف أقول إن الدولة، وبشكل محدد البلدية، نطالبها بقسائم منذ سنوات ولا نلقى تجاوبا، وهناك نقطة مهمة ليست بيدنا، فنحن مثلا عندما نحتاج الى مدرس لمادة ما كالموسيقى، الكيمياء، أو الفيزياء... فإننا نستقدمه بغض النظر عن جنسه وجنسيته، وسواء كان ذكرا أم انثى، ومعروف عالميا أن عدد الاناث في التعليم اكثر من عدد الذكور، في أميركا وأوروبا وحتى عندنا في الكويت، وهنا نشير ونتساءل: لماذا تم تأنيث المرحلة الابتدائية؟... لأن عدد المدرسات يفوق عدد المدرسين، لنكن واقعيين، لا يمكننا ان نحصل على عدد كاف ٍمن المدرسين أو المدرسات، لهذا فإن وضعنا سيبقى كما هو، سنقول لهم: تعالوا ونفذوا القانون، ولكن كيف؟ هل سيقسمون القاعات، او يوزعون المدرسين والمدرسات، مع التذكير ان عدد المدرسات أكبر من المدرسين وعدد الطالبات اكبر من الطلاب، الأكيد أن التكلفة ستكون باهظة، اما مسألة اغلاق المدارس فهي تتوقف على قرارهم، فان قرروا فليتحملوا النتيجة، وعلى أي حال، في هذه المسألة ننتظر ماذا سيكون القرار ولكل حادث حديث».

غير واقعي وصعب

بدا المعلم السداح مصدوما وهو يرى ما يحدث للكويت التي يعرفها، يراها مثل كثير من الذين واكبوا تجربة الكويت الثقافية، أو من قرأوا عنها من الشباب المحبطين بالواقع الراهن، تتوجه تدريجيا نحو العزلة والانغلاق، خصوصا في ظل القوانين والتشريعات التي بدأت بعد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي عام 1991، بما يتعارض مع توجهات قطاع كبير من الشعب الكويتي، وإن لم يكن بدعم من السلطة، فهو يجري بسكوتها، مع تعاظم مظاهر الاستياء في الأوساط التقدمية في المجتمع، وتكاد تكون المرأة القاسم المشترك أو المدخل لتشريع بعض القوانين، وآخرها منع خروج المرأة بعد الثامنة مساء... وهو قانون مناف للواقع ولسيرورة المجتمع الكويتي، المجبول على التسامح والانفتاح والوعي، ولعل تداخل بعض القيم وعدم استيعابها في الحالة الكويتية المتميزة، كان له الأثر العظيم في هذا التدهور، على جميع المستويات.

الصدمة نفسها تنسحب على الشاب مالك المدرسة الأميركية وائل العبد الغفور، الذى رأى أن المقترح «غير واقعي، ومن الصعب تطبيقه، وسيؤثر على وجود المدرسة ذاتها، فهي معدة للجميع، ونحن كمدرسة أميركية لدينا ما يمكن تسميته اعتراف، ويأتي من الولايات المتحدة ويمنح للمدارس الأميركية التي تفتح في الخارج، وأهم بند في هذا الاعتراف أن تكون المدارس مختلطة، وحتى المناهج ذاتها معدة للجنسين، وليست مفصلة للذكور أو الإناث».

واستغرب العبدالغفور من ظهور مثل هذا الاقتراح «في الواقع لا أرى أسبابا تستدعي تقديم مثل هذا الاقتراح»، وأضاف أن مدرسته أنشئت عام 1964، «ولم تحدث أي مشكلات تذكر، كما أن نحو 60 في المئة من الطلبة كويتيون ومن أهلنا، وأنا لدي ثلاث من بناتي في المدرسة، واحدة مازالت موجودة واثنتان تخرجتا، الطالب في النظام المختلط ينظر إلى الطالبة كأنها أخت له وليست فريسة، ونحن لدينا لوائح وضوابط تطبق على الجميع بمن فيهم الطلبة الغربيون، وعندما يأتون إلينا نوضح لهم عاداتنا وتقاليدنا، وبالتالي لا يحصل اي شيء غير مألوف وإذا حصل شيء، وهو أمر نادرا جدا، فلدينا قوانين تطبق على المخالفين».

«تكسير راس»

وأشار العبدالغفور الى أن «ذوي الطلاب كان بامكانهم أن يختاروا المدارس الحكومية، وهي مجانية، لكنهم اختاروا مدارسنا وفق حريتهم الشخصية وارادتهم الحرة، علاوة على أن طلبتنا من كل فئات المجتمع، من بينهم أبناء لأعضاء في مجلس الأمة ومسؤولين وشيوخ دين»، وأضاف متسائلا «في الواقع أنا لا اعرف هل الأمر متعلق بجوانب دينية أم سياسية؟ هل هو «تكسير راس»؟ هل الأمر ضدنا نحن كأصحاب مدارس؟ الغريب أن مقدمي الاقتراح لم يتصلوا بنا أو يحاولوا مقابلتنا ليقولوا يا جماعة أنتم عندكم المشكلة الفلانية حاولوا أن تحلوها... الأمر غريب».

وأضاف «في الواقع إن أملنا الوحيد هو أبونا الكبير سمو الأمير، يحفظه الله، ثم من المفروض أن نكون في دولة ديموقراطية، وهذا الذي يحصل ليس له علاقة بالديموقراطية بل كأننا في دولة شمولية، وأود أن أذكر أننا في التعليم الخاص نشكل شريحة كبيرة بحدود 40 أو 50 ألف طالب، وهذه نسبة كبيرة بالقياس إلى حجم المجتمع الكويتي، وبالتالي يجب التعامل مع هذه الشريحة بايجابية ومراعاة حقوقهم وحريتهم وارادتهم».

علامة استفهام كبيرة

من الواضح أن «مشروعا» ما يجرى الاعداد له، بمعزل عن كل التداعيات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وضمنها التربوية والنفسية، لعل هذا ما يفسر الانهماك التشريعي من جانب بعض أعضاء مجلس الأمة، لتنفيذ تطلعاتهم من دون الاستماع الى الأطراف الآخرى، المطلوب منها التسليم بالأمر الواقع، من دون التعبير عن قناعاتها ورؤاها، لهذا تنتهي الأمور الى الفوضى، وعلى الجميع دفع الثمن، حتى لو لم يشاركوا في صياغة هذا الواقع، فالمحافظون الجدد يريدون تطبيق معتقداتهم، حتى لو كانت من دون أرضية ملائمة، والغاء التاريخ لمصلحة العهد الجديد، المجبول بالتسلط والوصاية على الآخرين.

إنهم يقدمون الاقتراحات، أما تكلفتها المالية والاجتماعية والنفسية، فلا أهمية لها، ويكفي أن نستمع الى ملاحظات مديرة المدرسة العالمية الأميركية ومالكتها نورة الغانم، التي لاحظت أن من يطلع على مشروع القانون المقترح من بعض أعضاء مجلس الأمة «سيعرف فورا أن من صاغه ليس له أي علاقة بالعملية التربوية أو التعليمية، فكيف يشترط المقترح ألا يكون الترخيص بفتح مدرسة خاصة، إلا لمرحلة تعليمية واحدة، فأين ضمان الاستمرارية بجودة التعليم ومخرجاته، اذا فصلت مراحل التعليم في المدارس ذات المنهج الاجنبي، حيث لا يُعطى الاعتراف إلا اذا اكتملت المراحل التعليمية».

وأضافت «كيف يتضمن مشروع القانون المقترح إعطاء صلاحيات لوزارة التربية بتعيين اداريين وموظفين للعمل في هذه المدارس؟ فهل السادة أعضاء مجلس الأمة يسعون لإيجاد حل للعمالة الزائدة، وفرضها على أصحاب المدارس الخاصة، ما يخلق تداخلات عديدة في الادارة المدرسية، نتيجتها الحتمية تراجع المستوى التعليمي في هذه المدارس».

فلسفة تعليمية وتناقض

ورأت الغانم «صعوبة بالغة في تطبيق فصل الجنسين، تصل الى حد الاستحالة، وبالذات في المدارس ذات المناهج الاجنبية، فهذه المدارس مرخصة من الخارج في السابق بوضعية معينة، على اعتبار أنها مدارس تعليم مشترك، منذ أول يوم عمل لها، وحصلت على الاعترافات العالمية بصفتها الحالية، وبأنها مدارس مكتملة المراحل، وتطبيق المقترح المذكور يعني فقدان هذه المدارس الاعتراف الذي حصلت عليه من المؤسسات العالمية، التي تراقب وتحرص على ضمان التزام هذه المدارس بخططها التعليمية والتربوية، وفلسفتها في التعليم، والسماح لها بتوظيف رعايا الدول المرخصة، وكانت هذه الفلسفة السبب الرئيسي للحصول على الاعتراف من هذه المؤسسات التعليمية».

وأضافت «كيف نطلب من أجيال تربت ونشأت على أن الاختلاط جزء لا يتجزأ من حياتهم العادية ويمارسونه بشكل اعتيادي، أن ينظروا إليه بانه وضع خطأ وغير سليم؟ ونقول لهم إنه برغم وجود الاختلاط في جميع أنحاء العالم، كما في حياتكم العملية، لكن غير مسموح لكم ممارسته في الدراسة، أليس هذا منتهى التناقض»؟ وتساءلت الغانم «من أعطى الحق للسلطة التشريعية في البلاد لسلب حقوق أولياء الأمور في اختيار نوع التعليم لأبنائهم»؟ واعتبرت أن «مثل هذا القرار لايحق لأي مخلوق في العالم أن يتخذه نيابة عن رب الاسرة، فصاحب القرار الفعلي للأبناء هم آباؤهم وامهاتهم فقط».

وأوضحت أن المدارس «تخدم شريحة من المقيمين العاملين في الكويت، وعندما يأتون أول ما يسألون عنه هو المناهج التعليمية والمدارس الموجودة، التي يفضلون أن تكون مماثلة ومكملة للمدارس التي سبق أن نقلوا أولادهم منها، حيث اعتادوا على مدارس يكون فيها التعليم المشترك أمرا طبيعيا، كما هو متعارف في معظم دول العالم، فما هو وضع هذه الفئة التي رسمت لأولادها نهجا في التربية والتعليم، مارسته في الكويت من خلال مدارسها الخاصة ذات المنهج الاجنبي، واذا فرض عليهم الفصل ستكون النتيجة فقدان الكثير من الكفاءات القادمة للعمل في الكويت ونحن في أمسّ الحاجة إليها».

زيادة تكاليف التعليم

اعتبرت الغانم أن «منع الاختلاط لا علاقة له بالناحية التربوية، وتطبيقه سيكون تناقضا مع وضع قائم اصلا في المجتمع، فالحياة العملية في المجتمع مختلطة، وكل أماكن العمل مختلطة، وجميع مؤسساتنا سواء الحكومية أم الخاصة مختلطة، ولو أن منع الاختلاط مبدأ ديني أو له علاقة بالدين، لكان الله سبحانه وتعالى أمر بفترة حج للاناث وأخرى للذكور، لكننا نرى الحج يجمع الجنسين معا، بل على العكس، حتى في الطواف نرى الجنسين مختلطين، من دون أن تكون هناك أدنى تفرقة بينهما أو حواجز تفصلهما». وأشارت الغانم الى أن تطبيق المقترح «سيعني زيادة تكلفة التعليم، وكثير من الأهالي لن يكونوا قادرين على تأمين استمرارية التعليم الخاص لأبنائهم، ولن تكون مخرجاته بمستوى ما وصلنا إليه الآن، وإذا ما حصل موضوع منع الاختلاط فانا متأكدة أن مستوى المخرجات سينخفض».

وأضافت «عندما أفكر بموضوع منع الاختلاط، هل يعني ذلك أن أبني مدرسة ثانية، وإذا ما امتثلت وجعلت المدرسة العالمية الأميركية مبنيين، واحد للذكور وآخر للاناث، كصاحبة مدرسة سأقدم ذات الخدمة وبالجودة نفسها، لكن بالنسبة للطالب لن يكون السعر نفسه، لأن العمالة ستزيد والمكان سيتسع والهيئة التدريسية ستتضاعف، والهيئة الاشرافية أيضا، هنا اتساءل: ألم يفكروا بسعر التكلفة على الطالب»؟

حادثة مدرسة العارضية

زادت «اذا قيل لنا أريحوا انفسكم وطبقوا منع الاختلاط، سأقول إن الحادثة التي حصلت في العارضية لم تكن في مدرسة مختلطة، لكن حتى الآن، والحمد لله، لم نسمع عن أيّ حادثة حصلت في المدارس المختلطة، لأن الرقابة شديدة، سواء من الاهالي أم المدرسين أو الهيئتين الاشرافية والادارية، حتى من العمالة الموجودة في المدرسة، إضافة الى أن أهالي الطلبة الكويتيين هم من مجتمع محافظ، وهناك تربية لدى الأسر لا يجوز اغفالها او تهميشها، كما لا يجوز الهجوم على المدارس الخاصة لمجرد أن الاختلاط مطبق فيها، فطلابها جميعهم من أفضل العائلات التي ربت أبنائها أفضل تربية».

وأكدت أنه في حال إقرار القانون «لن نستطيع تطبيقه في المدارس ذات المنهج الاجنبي، وقد ناقشت الموضوع مع الكثير من أصحاب هذه المدارس، ومعظمنا متفقون على أننا سنضطر الى اغلاق المدارس اذا كان الوضع بهذا الشكل، نحن بطبيعة الحال نجد صعوبة في تسيير الامور في المدارس ذات المنهج الاجنبي، لما نلمسه من محاربة بعض المسؤولين لهذا النوع من التعليم، وأن يأتي قانون ليجبرنا على تطبيق الفصل فهذه المدارس ستنهار، وبالتالي يستحسن أن ننسحب من الساحة تماما، بدلا من إعطاء مخرجات تعليم نحن غير مقتنعين بمستواها».

تهذيب

أوضحت الغانم أن «وجود الأولاد مع البنات في فصل واحد، يهذب كثيرا من السلوكيات، راقب تصرفات الأولاد عندما يكونون وحدهم، وكيف يتغيرون عندما توجد معهم طالبات، والعكس صحيح، وينطبق الأمر حتى على الكبار، ولهذا تكون الحوادث قليلة في المدارس المختلطة، لأن الجميع يسعون إلى إعطاء انطباعات جيدة عن الطرف الآخر بين الطلاب والطالبات، كما أن الهدف من وضع الطالب والطالبة في فصل واحد، وفقا لفلسفة المدارس ذات المنهج الاجنبي، هو إعداد الطالب ليس للتعامل مع مجتمعات معينة، بل للتعامل مع كل مجتمعات العالم، نحاول تنمية شخصية الطالب بطريقة متوازنة، تمكنه من التعامل مع مختلف الحضارات والجنسيات والذهنيات، خصوصا في ظل العولمة وتحول العالم الى قرية كونية».

وتساءلت بأسى «لماذا دولة منفتحة تاريخيا كالكويت، تسمح لجهة منغلقة وتعاني بعض الشوائب النفسية، أن تؤثر على مستقبل أجيالها؟ الاختلاط مطلوب في حدود القيم والاخلاقيات المتفق عليها في مجتمعنا، وهذا، والحمد لله، متوافر في مدارسنا، برقابة أصحاب المدارس والهيئتين الادارية والتدريسية وأولياء الامور، ولا أرى أي مبرر لفصل الطلاب عن الطالبات».

إساءة إلى وعي الطلاب

طرح بعض النواب لهذا القانون ينطوي على إهانات للجسم الطلابي، فهو يحمل في طياته «غمزا ولمزا»...عبر عنهما بعض النواب المتشددين، بالإشارة الى حفلات التخرج في هذه المدارس، والحديث عن الاختلاط كمصطلح غير اخلاقي، وكأن الطلبة لا يعبرون عن أنفسهم سوى غرائزيا، ولا يفكرون سوى بالجنس كقيمة مشتركة بين الإناث والذكور، وهو تعبير يؤكد ان بعض النواب لا يتحلون بالمسؤولية، عدا عما تحمله مكنوناتهم من شخصيات مريضة وغير سوية، ليست مؤهلة لإصدار الأحكام، فضلا عن تصديها للمسؤولية التشريعية.

أستاذ العلوم الادارية في جامعة الكويت الدكتور بدر الديحاني، ركز على هذه المغالطة في التوصيفن واعتبر أن «وصف التعليم المشترك بالاختلاط هو إساءة مقصودة للتعليم المشترك، ليس من الناحية اللغوية فحسب، بل من الناحية الاجتماعية أيضا. فالطلاب والطالبات في التعليم العالي لا يختلط بعضهم مع بعض، بل يشتركون في التعليم كأفراد أحرار متساوين، علما أن حرية الاختيار متروكة لأولياء الأمور في اختيار التعليم المشترك أو غير المشترك، وهو حق مشروع للجميع».

وقال إن «شباننا وشاباتنا في التعليم العالي يملكون من الوعي والنضج والأخلاق الراقية، ما يؤهلهم إلى معرفة الصواب من الخطأ، ويخولهم الالتزام بالسلوك الاجتماعي المناسب للحرم الجامعي، علاوة على أن الزمالة في الحرم الجامعي تفرض هيبتها على الجميع، ويعتبر الخروج عليها سلوكاً شاذاً لا يقبله الجميع، وعلى رأسهم طلابنا وطالباتنا».

لاحظ أنه «بعد ما يزيد على عشرة أعوام من تطبيق قانون منع التعليم المشترك، أو ما سُمي قانون منع الاختلاط، فإن أي تقييم موضوعي هادئ لنتائج تطبيق هذا القانون سيمكننا بسهولة من تحديد الآثار السلبية له في الجامعة والتعليم التطبيقي ومؤسسات التعليم العالي الأخرى، ومن ضمنها كثرة الشّعب الدراسية المغلقة، التي يترتب عليها تأخر التخرج، على الرغم من أن الشّعب الدراسية زادت نسبتها، مقارنة بعدد الطلبة عما كانت عليه في السابق، ما يعني زيادة عدد أعضاء هيئة التدريس والقاعات الدراسية والمختبرات والمكتبات وقاعات الحاسب الآلي والمطاعم الطلابية والمباني الجامعية الأخرى».

كويت الرجال وكويت النساء

أضاف الديحاني «إذا استمر الوضع على هذا المنوال، فسيصبح لدينا بدل الجامعة الواحدة جامعتان، واحدة للطلاب وأخرى للطالبات. ولنا أن نتصور مقدار التكلفة المادية والبشرية والاجتماعية لهذه السياسة التعليمية التي تُبنى على الشك والريبة، بدلا من الثقة والاحترام، وبالقياس ذاته، من الممكن أن يصبح لدينا في المستقبل وزارات للنساء ووزارات أخرى للرجال إلى أن نصل إلى أن تكون هناك كويت للرجال وكويت للنساء»!

وتحدث الدكتور الديحاني عن تجربته أستاذا في الجامعة «قبل البدء في تطبيق هذا القانون، كنا نقوم بالتدريس في قاعات دراسية مشتركة، وبشكل تلقائي ينقسم الطلاب والطالبات إلى قسمين، تفصل بينهما مسافة، يستطيع الدكتور أن يمر من خلالها لو أراد، أما الآن فنقوم بالتدريس في قاعات دراسية منفصلة، حيث يوجد الأستاذ في القاعة الدراسية بمفرده أمام الطلاب أو الطالبات، وعندما ينظر من النافذة الزجاجية الكبيرة أو عندما يخرج من القاعة الدراسية يرى الطلاب والطالبات يتجولون معا أو يتحدث بعضهم مع بعض بشكل طبيعي ومحترم، ربما يتساءل عضو هيئة التدريس، كما تساءلت مرات عدة، ترى ألا يثق المشرعون بوجود الطلاب والطالبات في قاعة دراسية يوجد فيها الأساتذة؟ بينما الطلبة يتعاطون سويا بشكل إنساني طبيعي في ردهات الكلية وفي الشارع ومواقف السيارات والمجمعات التجارية المجاورة للكلية»!

وتساءل الديحاني «هناك ما يزيد على عشرة آلاف طالب وطالبة كويتيين، عدد كبير منهم مبعوثون من الدولة وعدد آخر على حسابهم الخاص يتلقون تعليمهم العالي في الخارج في جامعات راقية، التعليم فيها مشترك، وقد جسدوا خلال التاريخ الطويل للدولة في الابتعاث نموذجاً راقياً جداً للأخلاق والسلوك القويم والجد والمثابرة، ولهم دائماً مواقف وطنية مشرفة، فهل نطالب الدولة بوقف البعثات الدراسية الخارجية لأن الجامعات الأجنبية والعربية يوجد فيها تعليم مشترك»؟

تعسف السلطة

يعلق الناشط السياسي محمد العبدالجادر «إذا كان القانون يقدم خدمة عامة لجميع المواطنين ويحل مشكلة فنحن معه، لكن القانون المقترح يخلق مشكلة، فالمدارس الخاصة موجودة منذ بدايات التعليم العام، وكثير من المواطنين يرسلون أبناءهم إليها لقناعتهم بانحدار التعليم العام، وهو قرار شخصي، في حين إن القانون المقترح يشكل تدخلا في الحريات الشخصية لأولياء أمور الطلبة، كما ينطوي على تعسف كبير في استخدام السلطة، ويعيدنا الى القوانين الجائرة».

أضاف «إذا كانت الدولة لديها الامكانات لتطبيق منع الاختلاط في الجامعة، فأصحاب المدارس الخاصة يقدمون مشاريع تنموية وتعليمية قبل بحثهم عن الربح، كثير منهم لايتعاملون مع الموضوع تجاريا، وتطبيق المقترح يعني تكليفهم مبالغ طائلة، وهم لا يملكون ميزانية دولة، وبما أننا ندعم تخصيص بعض القطاعات، كالصحة مثلا، فهذا جزء من القطاعات الخاصة التي لاعلاقة لها بالدولة، وتقدم خدمة مميزة، يجب أن يتركوا ليعملوا وفق رؤيتهم الخاصة، وهذا النوع من التسييس والدفع باتجاهات معينة لا يخدم البلد، من الواضح أن البعض يريد تدمير التعليم الخاص، لأن القائمين على هذه المدارس سيتركون الكويت الى مكان آخر».

السيطرة على المجتمع

استغرب العبد الجابر توقيت اقتراح مثل هذا القانون «فلم نسمع عن انفلات اخلاقي في هذا المدارس يبرر هذا المقترح، هذه مدارس قائمة منذ أكثر من أربعين عاما، خريجوها يمثلون معظم العاملين في الادارة الوسطى الحكومية، وفي البنوك والشركات، نفتخر فيهم، ونعتقد أنهم سيقودون المجتمع، بيد أن بعض أعضاء مجلس الأمة يريدون السيطرة على المجتمع وتحقيق الشعارات التي رفعوها أثناء حملاتهم الانتخابية، ومحاولة تطبيقها على أرض الواقع».

ورأى العبدالجادر أن المقترح يأتي «ضمن سلسلة من القوانين، الهدف منها السيطرة على المجتمع، وفرض رؤية واحدة على الجميع، والساعين وراءه يريدون زيا معينا للناس، وشكلا محددا للناس، وإذا استمر تبني مثل هذه القوانين، سينتهي بنا المطاف الى فقدان الكويت لهويتها وكينونتها، ولن تكون دولة الدستور والمؤسسات، والدولة المدنية الحرة القائمة على احترام القانون، والإيمان بالتعددية واحترام الرأي الآخر، كما سعى إليها آباؤنا وأجدادنا».

النائب الراشد: منع الاختلاط فاشل...كفانا مهاترات وتسييسا على حساب الحريات

أكد النائب علي الراشد أن قانون منع الاختلاط أثبت فشله في جامعة الكويت من خلال التطبيق، وكان الاولى بمجلس الأمة أن يتحرك لإلغاء هذا القانون، بدلا من تعميمه، خصوصا إذا سألنا المتخصصين والمعنيين من الاساتذة والطلبة، فقد أثبت من الناحية الفنية أنه يؤخر أبناءنا في التخرج من الجامعة، لجهة فتح المزيد من الشّعب لمواجهة العدد الكبير من الطالبات، وغلق شعب أخرى بسبب قلة الطلاب».

وأضاف النائب الراشد «لنبتعد عن الناحية السياسية ونلتفت الى مصلحة أبنائنا، هذا القانون أثبت فشلة، فلماذا نطبقه على المدارس الخاصة، ولمن اختاروا إرسال أبنائهم إليها، ويدفعون لقاء تعليمهم فيها، ثم نأتي ونقيدهم ونفرض عليهم طريقة تعليم أبنائهم، هذا أمر غير مقبول، نتمنى عدم استغلال القضية سياسيا، وتسييسها على حساب الحريات الشخصية والمصلحة العامة، الناس أحرار في اختيار طريقة تدريس أبنائهم، كفانا مهاترات واستغلال سياسي من أجل مصالح انتخابية ضيقة، يجب عدم التعدي على الحريات الشخصية، وفرض الوصاية على الآخرين، يكفي ما يحصل من محاولات لتقسيم البلد الى قسمين، رجالي ونسائي، هذا أمر خطير اجتماعيا.

المختلط والمشترك

أوضح الدكتور بدر الديحاني، أن هناك «فرقا كبيرا بين التعليم المشترك وما يطلق عليه الاختلاط، فالشيء المشترك هو الشيء الذي تشترك فيه أطراف متساوية مع احتفاظ كل طرف باستقلاليته، أما الشيء المختلط فهو الشيء الذي تختلط مكوناته مع فقدانها لاستقلاليتها، ما ينتج مكونا آخر جديدا».

عيب

رفض بعض أولياء الأمور «التشكيك والاهانات» الصادرة من بعض نواب مجلس الأمة، وتساءلوا: هل النواب أكثر حرصا منا على مصلحة أولادنا؟ وأكدوا أن تسجيل أولادهم في المدارس الخاصة قرار شخصي، كما أنهم يدفعون لقاء الحصول على تعليم مميز، لأنهم يستثمرون في أبنائهم، ويعرفون مصلحتهم، وطالبوا النواب بالتركيز على قضايا تفيد المواطن، وليس التدخل في خصوصيات الآخرين.

حرص

نفت نورة الغانم أن يكون هناك أي ممارسات سيئة في المدارس الخاصة، كما يروج مقدمو الاقتراح، وقالت «كيف تحصل ممارسات في فصول فيها مدرسون ومراقبون وطلاب وطالبات، ولو حصل أي شيء تعتقد إنه غير أخلاقي، فهل يتوانى الطلبة أنفسهم عن ابلاغ الادارة؟ اضافة الى أن المدارس المختلطة من أكثر المدارس التي تضع رقابة صارمة، لأن جو الاختلاط يجعل الانسان اكثر حرصا على المراقبة والتوجية، لضمان عدم حصول شيء يسيء الى سمعة المدرسة أو صاحبها».

تعليقات

القوى السياسية الإسلامية تريد فرض أجندتها على البلد

محمد السداح

سنضطر إلى إغلاق المدارس إذا طبق القانون

نورة الغانم

هل هو «تكسير راس» لأصحاب المدارس... وأملنا بسمو الأمير

وائل العبدالغفور

غير مقبول التعدي على الحريات الشخصية وفرض الوصاية على الآخرين

علي الراشد

هل نوقف البعثات الدراسية الخارجية لأن الجامعات الأجنبية والعربية تعليمها مشترك؟

بدر الديحاني

الكويت ستفقد هويتها ولن تكون دولة الدستور والمؤسسات واحترام القانون

محمد العبدالجادر

استياء دبلوماسي

أعرب عدد من الدبلوماسيين عن استيائهم من سعي بعض النواب إلى تمرير قانون لفصل الجنسين في المدارس الخاصة، واعتبروه «تدخلا غير مبرر في خيارات الناس»، خصوصا أن أبناء الدبلوماسيين من السفارات الأجنبية والعربية يدرسون في هذه المدارس، التي تمثل امتدادا للمدارس التي نشأ فيها أولادهم، وتعتمد الاختلاط بين الجنسين، وأكدوا أن هذا القرار سيكون له آثار سلبية على مسألة إقامتهم في الكويت والاستقرار العائلي، ورأوا أن بعض ملاحظات النواب تمثل «إهانة» لأخلاقيات الأسر التي ترسل أبناءها الى هذه المدارس.

back to top