اللادستوري والتصوف

نشر في 28-06-2007 | 00:00
آخر تحديث 28-06-2007 | 00:00
 عبدالكريم السيد عبداللطيف الغربللي من الندوات المهمة التي أقيمت في الأيام القليلة الماضية في الكويت، ندوة القوانين اللادستورية، نظمت هذه الندوة الجمعية الكويتية لتنمية الديموقراطية، بمشاركة متميزة من متخصصين ومتابعين للشأن الدستوري، وقد فوجئت بحجم الجوانب الدستورية والتنظيمية المتعددة، وبالكم الهائل من القوانين التي أدرجها المحاضرون في لائحة الشبهة الدستورية، ابتداء من التطرق إلى تنظيم وتشكيل المحكمة الدستورية ومدى أهمية تقييم فصل رئاستها عن أي منصب آخر، امتداداً إلى الكثير من القوانين التي تحوم حولها الشبهة الدستورية... كقانون الصحافة الأخير، وقانون التجمعات الذي أُلغي جزء منه فقط، والكوادر المالية التي أقرت أخيراً. وعقب النائب عادل الصرعاوي على ما جاء في الندوة مبدياً اهتماماً بالغاً بضرورة متابعة ما جاء فيها مع زملائه النواب، كما وعد بالتنسيق مع النائب أحمد السعدون الذي جهز مسودة مشروع تعديل تشكيل المحكمة الدستورية وتحديد اختصاصاتها.

والحقيقة الندوة تُسجل في الرصيد الوطني الإيجابي للجمعية الكويتية لتنمية الديموقراطية، آملين أن نرى الاهتمام الذي تستحقه من الجهات المختصة، وفي مقدمتها نواب الأمة.

والأخرى، ندوة التصوف والسلفية، هذه الندوة نظمتها وبثتها مباشرة على الهواء قناة «أوربت» الفضائية، شارك فيها ممثلاً عن الفكر الصوفي السيد يوسف الرفاعي، وعن الفكر السلفي فضيلة الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق وأدارها الأستاذ محمد القحطاني، والندوة كانت غاية في الأهمية للتعرف على وجهات الخلاف بين المدرستين، خصوصاً أنها تأتي بعد مشاحنات واتهامات متبادلة، لاسيما من الجانب السلفي بقيادة الشيخ عبدالرحمن الذي ألف كتبا عديدة في هذا المجال.

ومن أهم ما جاء في هذه الندوة سؤال طرحه في بداية الندوة السيد الرفاعي على الشيخ عبدالرحمن، وهو «هل تستطيع أن تأتي بدليل على تكفير الصوفية قال به عالم واحد من العلماء القدماء من شيخ الإسلام ابن تيمية فما قبل؟»

تابعنا البرنامج إلى النهاية ولم يجب الشيخ عبدالخالق عن ذلك!!! كما ذكر فضيلة الشيخ عبدالخالق روايات غريبة وعجيبة عن مؤسس الطريقة الرفاعية السيد أحمد الرفاعي، وعندما سأله السيد الرفاعي هل ما ذكرتموه موجود في كتب ومؤلفات السيد أحمد الرفاعي؟ أجاب فضيلة الشيخ عبدالخالق: «لا، فالسيد أحمد رجل صالح، ولكنه افتري عليه»... هنا قال السيد الرفاعي «مادام الأمر كذلك فنحن متفقون في هذا الجانب ودعنا نتجاوز هذه الخزعبلات المفتراة»، في هذه اللحظة برق أمل الاتفاق وتجاوز الخلافات إلى فهم مشترك يتيح التعايش في أجواء بعيدة عن التوتر والفرقة، ولكن سرعان ما تبخر هذا الأمل عندما «واصل فضيلة الشيخ عبدالخالق ترديده المزيد من الروايات والخزعبلات المنسوبة إلى التصوف رغم أنه أقر للتو بأنها مفتراة!!! الأمر الذي زاد من الاحتقان وضيع فرصة وأجواء النقاش العلمي... خصوصاً عندما أخذ الشيخ عبدالخالق يرمي بعض العلماء بالكفر تارة والزندقة تارة أخرى... مما أثار حفيظة السيد يوسف الرفاعي وهو يحاول إيقافه عن تكفير المسلمين دون جدوى، لتتحول بعد ذلك الندوة إلى سجال لم يخلُ من الهجوم الشخصي، وتراشق الاتهامات، والتفريق بين الفكر السلفي والتشدد الوهابي، وفتح السجلات الشخصية السابقة، ولم يكن هناك مبرر لإصرار فضيلة الشيخ عبدالخالق ـ وأرجو ألا يكون ذلك الأسلوب هو أمر مبيت من فضيلته لتفويت هذه الفرصة الذهبية ـ بهذا النهج والطرح المتشنج البعيد عن النقاش العلمي الذي ضيع فرصة النقاش وتبادل الأدلة والجدل بالتي هي أحسن لمواضع تحفظات المنهج الوهابي على الفكر الصوفي، كم كنا نتمنى أن يجيب الشيخ عبدالخالق عن سؤال السيد يوسف الرفاعي المتعلق بحكم علماء المسلمين إلى عهد شيخ الإسلام ابن تيمية على التصوف، ودليل الشيخ عبدالخالق الشرعي بالتحفظ على المذاهب الأربعة؟ وما التحفظات السلفية على العقيدة الأشعرية، وما الدليل على استحباب زيارة قبر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؟ ودليل جواز التوسل؟ وما الفرق بين السلفية والوهابية؟ وما إسهامات الفكر الصوفي وإسهامات الفكر السلفي والوهابي؟ وكيف يمكن أن نهيئ قاعدة تتسع لجميع أفكار وتوجهات المسلمين باعتبار أن اختلاف العلماء رحمة، ومن باب «‏إنما الأعمال ‏بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»، والبعد عن تسفيه وتصنيف الناس ورميهم بالكبائر، لو تم ذلك بأسلوب النقاش العلمي المنطلق من قاعدة «رأيي صوابٌ يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب»، والجدل بالتي هي أحسن... لو تم ذلك لوصلنا الى فهم أفضل لحقيقة التصوف والسلفية وأسباب التشدد الوهابي، ليتسنى بعد ذلك للمشاهدين إثراء معرفتهم وتدعيم قناعاتهم بعد الاستماع إلى نقاش علمي راق مدعم بالأدلة العلمية الشرعية لا بالروايات الشاذة والمفتراة، وهكذا ضاعت فرصه مهمة لتبادل النصح والاتفاق أو حتى التوافق من خلال طرح الأدلة العلمية الشرعية فصاحب الحجة القوية يدعم رأيه بالأدلة الشرعية والنقاش العلمي بدلاً من الاستغراق في تكرار روايات مفتراة واستمراء رمي الناس بالكفر والزندقة.

back to top