السياسة والمرأة في حياة الخطيب

نشر في 16-08-2007
آخر تحديث 16-08-2007 | 00:00
 إيمان علي البداح

أجمل ما في كتاب الدكتور الخطيب إعطاؤه الفضل للنساء في حياته ودورهن في رسم حياته الشخصية والأكاديمية والسياسية، وهو نادراً ما نراه في المذكرات الشخصية للساسة والقادة العرب.

من أفضل ما قرأت أخيراً هو مذكرات الدكتور أحمد الخطيب، أو الجزء المطبوع منها على الأقل، فمن المنعش أن نجد قراءة موضوعية وحيوية للتاريخ الوطني والعربي من خارج المنظور الرسمي، حيث يعطي الكاتب الكل حقه من دون استحواذ على الإنجازات والبطولات ويبتعد عن التمجيد أو المبالغة في الوقائع.

يسرد الدكتور، وبكل عفوية وصراحة، بداياته المتواضعة ومعاناة أسرته بشكل عام، ووالدته بشكل خاص، لضمان لقمة العيش الشريف واستكمال تعليم أبنائها. ولا يخفى على القارئ ما لهذه البدايات الصعبة من دور في تشكيل شخصية وفكر الدكتور الخطيب وحركة القوميين العرب في وقت لاحق.

وإذا قارنا ذلك بالعديد من «التجار الجدد» في الوقت الحالي نرى الفرق بين من يفتخر ويتعلم من ماضيه ومن يتنكر لهذا الماضي ويتماهى مع طبقته الجديدة على حساب أهله وجماعته.

وأكثر ما يدعو الى التفكير والبحث الدقيق هو الظروف الموضوعية والذاتية التي خلقت قادة ذلك العصر الذي نشأ فيه الخطيب والتي شكلت نواة الفكر القومي والوحدوي.

فمن ناحية موضوعية بحته لا تختلف ظروف ذلك الزمن عن زمننا هذا من ناحية استبداد النظم العربية ومعاناة شعوبها. بل على العكس، فوسائل الاتصال والإعلام في عصرنا هذا جديرة أن تجعلنا أقرب من بعضنا كشعوب عربية وأكثر تلاحماً من ذلك العصر. ولكن الواقع مختلف تماماً. فنحن الآن - بما في ذلك الساسة والمثقفون- أكثر تباعداً وأشنع انقساما.

الفرق - في رأيي - يتمركز في الفروقات الذاتية بين مثقفي وقادة ذلك العصر وعصرنا هذا. فجامعات الخمسينيات كانت منابر ثقافية وسياسية رغم القمع والتنكيل. وبالتالي كان من المحتم على من يتبوأ مواقع قيادية في تلك الجامعات أن يتميز بقراءاته واطلاعه وانفتاحه على ثقافات وأفكار الآخرين. هذا الانفتاح وهذه الدرجة من الثقافة هي ما قرب مثقفي العرب من بعض، وبنى الاحترام المتبادل بينهم رغم اختيارهم مناهج فكرية مختلفة. وهذا أيضا ما جعل القومية في ذلك الزمن الحل الأكثر منطقية وفاعلية. أما في زمننا هذا فسطحية وضحالة ثقافة القياديين السياسيين، للأسف، هي السبب الرئيس خلف «تفريخ» الأحزاب والجماعات والتناحر على قضايا سخيفة أبعد ما تكون عن نبض واحتياجات الشارع.

يحتوي الجزء الأول من مذكرات الدكتور الخطيب على أسماء الكثير من زملاء دربه من مثقفي وسياسيي الكويت. اعتزل الكثير منهم العمل السياسي، ولكن بقي مخلصاً للحلم القومي وأخلاقيات وآداب العمل السياسي والشعبي الذي خلقته تلك الحقبة. القلة استمرت في العمل الشعبي والسياسي وقلة أخرى تنكرت لمبادئها واختارت السبيل الأسهل والأسرع للسلطة والجاه. سيكون من المفيد أن نسمع من هؤلاء جميعا باختلاف السبل التي فرقتهم لعل في تجاربهم ما ينفعنا. فالدكتور الخطيب ظاهرة نادرة في حين أن اعتزال أو سقوط الآخرين هو المتوقع. وكي نقدر تجربة الخطيب لابد أن نعي حجم المغريات والضغوط التي نجح في تجاوزها بينما تساقط الآخرون أمامها.

أجمل ما في الكتاب هو إعطاء الدكتور الفضل للنساء في حياته ودورهن في رسم حياته الشخصية والأكاديمية والسياسية. وهو نادراً ما نراه في المذكرات الشخصية للساسة والقادة العرب. فالحنين والتقدير والفضل الذي تنبض به كلمات الخطيب تجاه والدته وذاكرته الحادة لأشعارها وأقوالها تجعلك تقع في حب تلك المرأة التي عانت الكثير في أصعب الظروف لتخلق رجلاً متميزاً كان له الفضل في إعادة صياغة الواقع العربي. ولا يمكنك أن تغض النظر عن المقدمة الرقيقة التي أهدى بها الدكتور مذكراته وانجازات حياته الى زوجته التي وقفت معه في أحلك الأوقات. فتحية للسيدات الفاضلات اللاتي وقفن خلف وأمام وجانب الخطيب ليصبح علما في تاريخ الأمة العربية.

***

آمل أن نرى مذكرات الدكتور في مكتبات الكويت قريباً ليتسنى للكل أن يرى معدن الرجال الحقيقي في زمن ندرت فيه الرجولة واختفت فيه القيادة.

back to top