السيرة الذاتية لطائر الصحراء - 27

نشر في 23-04-2008
آخر تحديث 23-04-2008 | 00:00
No Image Caption
 سليمان الفليح ذكرت في الحلقة السابقة شيئاً من تجوالي برفقة الباحثة المجرية «آن» في أحياء دمشق القديمة، وبعد أن أعيانا التعب والإرهاق قررنا تناول العشاء في «اللاتيرنا» حيث يحتشد العديد من الشعراء العرب الذين يفدون إلى دمشق.

دلفنا إلى مقهى ومطعم (اللاتيرنا) وكانت تدندن بأغنية مجرية خفيضة، فالتفتْ كل الوجوه إلينا ولم نأبه بها، بل اتخذنا طاولة تحت شجرة يتدلى منها قفص فيه بلبل ملون جميل أسميناه فيما بعد(حمار غيلان)، وتلك قصة سنسردها فيما بعد.

***

تأملت الوجوه فطالعني وجه الشاعر العراقي الرائع عبد الكريم كاصد الذي كان يجلس وحده ساهم الطرف وهو يتأمل أغصان الأشجار، ولكنه ما ان لمحني حتى حياني على البعد، فدعوته إلى طاولتي؛ لأحصل منه على ديوانه الجديد، ثم جاء بما عُرف عنه من خجل نبيل وهدوء آسر، فعرفته على (آن) وعرفتها عليه، ثم أخذتْ تسأله عما حل بشعراء العراق الكبار إبان حكم صدام حسين، وراح عبد الكريم يحدد لها مَن ذهب منهم لبلدها المجر، ومَن ذهب إلى ألمانيا، ومن توزعتهم المنافي، وبينما نحن نصغي إلى عبد الكريم، فجأة دخل ثلاثة أوباش منفوشي الشعر وبملابس رثة ووجوه عابسة فتوزعوا في أركان المقهى، فأخذ أحدهم جهة اليسار، وأخذ أحدهم جهة اليمين، وأخذ ثالثهم الوسط، ثم أخذوا يخطفون من كل طاولة قطعة من اللحم أو ملعقة من المقبلات، ورشفة من (الجعة)، غير آبهين بزبائن المقهى، ولم ينهرهم أو يمنعهم عن ذلك أحد، إلى أن جاء أحدهم نحو طاولتنا فتناول دون إذن قطعة من اللحم، ثم مد يده ليتناول كأس العصير الذي كان أمام (آن)، وهنا أمسكتُ يده بقوة ولويتها وحاولتُ أن أصفعه على وجهه المكفهر، ولكن عبد الكريم تدخل وقال لي: لا، إنه (غيلان) الشاعر، وأولئك هم أصحاب (أبو روزا وولف) وعلي فودة (الذئب)، إنهم مجموعة مجلة (الرصيف)، وهذه عادتهم مع كل رواد (اللاتيرنا) الذين يسمحون لهم بذلك كضريبة (صعلكة)؛ لأنهم شعراء ... يقاتلون مع الفدائيين الفلسطينيين في لبنان، ثم يهبطون إلى دمشق في نهاية الأسبوع لرؤية أصدقائهم، ثم إنهم شعراء حقيقيون وظرفاء أيضا.

***

ثم أخذ عبد الكريم يُعرِّف (غيلان) بي قائلا: هذا صعلوك الخليج سليمان الفليح، ففتح غيلان ذراعيه وأخذ يضمني بكل شوق، ثم سحب كرسيا وجلس وقال: سمعت أنك في دمشق منذ مدة، وأريد منك أن تعمل لمجلتنا الفقيرة (الرصيف) اشتراكات في الكويت؛ لأننا نعتمد على الاشتراكات فقط، ولا نريد دعم المؤسسات الرسمية؛ لأننا نصدرها على الرصيف ونوزعها على الرصيف، ونكتبها على الرصيف أيضا، فتواعدنا على ذلك في الغد بعد أن طلبت له صحنا من المشويات وكثيرا من (الكولا).

***

نسيت أن أقول: إنه بعد شوشرة غيلان وحينما عرّفه عبد الكريم كاصد علي، نهض شاب من طاولة مجاورة وقال لي: هل أنت حقا سليمان الفليح، فقلت له: نعم، ثم عانقني بحرارة وقال لي: أنا (سيف الرحبي)، إنني أقيم في دمشق للدراسة منذ ثلاثة أعوام، وقد كتبت عنك مقالا في مجلة (الأزمنة) الإماراتية، فهلا قرأتَه فتذكرتَ (سيف) الشاعر العماني المبدع الذي يعتبر الآن من أروع شعراء قصيدة النثر في الوطن العربي، فاحتفيتَ بسيف كما يحب، ثم سألني عن إقامتي، فقلت له: في فندق تعيس في المرجة، فقال لي: سأذهب إلى الفندق الآن، ولسوف أحمل أمتعتك إلى (شقتي)؛ إذ لا يجوز أن تقيم في فندق وأنا هنا في دمشق، وهذا ما لا تقبله شيمتك البدوية، ثم إنه يُقام في دمشق الآن مهرجان الشباب في العالم العربي يشارك فيه بعض أصدقائنا من الخليج مثل: الشاعر أحمد راشد ثاني، وعارف الخاجة وعبد الحميد أحمد من الإمارات، وزاهر الغافري من عمان، وعبد الهادي خضر من اليمن وقد سألوني عنك، وكذلك طلاب الخليج من جامعة دمشق (يريدون) منك أمسية شعرية.

back to top