الدبلوماسيون ودواوين رمضان... تكسر الجليد وتقرب المسافات وتؤمن أفضل التقارير

نشر في 08-10-2007 | 00:00
آخر تحديث 08-10-2007 | 00:00
«أساكم من أواده»...!

قال هذه العبارة المبهمة دبلوماسي أميركي، وهو يتطلع الى حضور الديوانية، ثم رددها مرة أخرى وهو ينظر الى قصاصة ورقة يحملها بيده، كي يتأكد من لفظها بصورة صحيحة، مرت لحظات صمت قبل أن يستوعب الحضور أن الدبلوماسي الأميركي يعني «عساكم من عواده»، وعادت الأجواء الحميمية وسط ضحكات متبادلة بين الجميع.

هذه أحد المظاهر التي تصاحب شهر رمضان، حيث يحرص الوسط الدبلوماسي في الكويت على زيارة الدواوين، ويعتبرها فرصة لرد زيارات الكويتيين الى الدبلوماسيين، وإن كانت الزيارات الدبلوماسية ليست مرتبطة بالشهر الفضيل، لكنها تزداد بصورة لافتة محاكاة للمجتمع الكويتي، حيث يتبارى الكثير من الكويتيين على زيارة أكبر عدد ممكن من الدواوين، حتى أن البعض يسعى في كل عام الى تسجيل أرقام قياسية جديدة، ومنافسة «الدونجية» (نسبة الى الدواوين وليس أسطورة الدون جوان أو العاشق)... الذين يعشقون الدواوين ويحاورون ويفتون في كل شيء!

يعرف معظم أعضاء السلك الدبلوماسي مواعيد الدواوين، خصوصا المشهورة منها، وذات الثقل الاجتماعي والسياسي، ويزورونها بصورة منتظمة، ليس في رمضان وحسب، بل في المناسبات العامة والخاصة، لاسيما في الأعراس والعزاء، وتمثل بالنسبة للدبلوماسيين في الكويت فرصة للتواصل مع المجتمع ومعرفة طبيعته بعيدا عن الرسميات، وتطويرا للعلاقات بين البلدين، عدا عن كونها تفيدهم في العمل، عند كتابة تقارير واضحة الى حكوماتهم عن تركيبة الكويت السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتسجيل تصورات المواطنين بشأن مختلف القضايا، لاسيما أن النقاشات في الديوانيات لا توفر موضوعا لا تتحدث عنه!

ويتميز بعض السفراء عن سواهم بإجادة اللغة العربية، التي تعتبر مفتاحا رئيسيا للدخول في الذهنية الكويتية، والاقتراب من المواطنين، ومناقشة كثير من المواضيع، وبناء علاقات جيدة مع المسؤولين، وبالنسبة الى السفراء الخليجيين تبدو الأمور أسهل، لأن العادات والتقاليد تكاد تتشابه، ومن أبرزهم السفير القطري، الذي حاز شعبية بسبب زياراته التي لا تنقطع، وروحه اللطيفة، واستقباله للكويتيين في ديوانه الخاص، حتى أنه يلعب «الكوت بو ستة» في بعض الدواوين، أما بالنسبة للسفراء العرب فيساعد عامل اللغة على التقارب والحوار، وساهم نشاط بعض السفراء العرب في كسر الجليد وتجاوز الصور النمطية عن بعض الأنظمة العربية، حتى تلك التي ليست على وفاق مع الحكومة،

قليل من أعضاء السلك الدبلوماسي الأجانب من يتحدث اللغة العربية بطلاقة، وإجادتها تقرب المسافات بين الدبلوماسي والمواطنين أو المسؤولين، وتسمح بفتح حوارات مفيدة، ومن أبرز السفراء الذين يتذكرهم الكويتيون أول سفير للولايات المتحدة بعد التحرير إدوارد غنيم، وكان نشيطا وفعالا ويتمتع بكاريزما وجاذبية، في حين يعرف بعض الدبلوماسيين كلمات قليلة، تقتصر على كلمات الترحيب مثل «السلام عليكم» و«رمضان كريم» و«عساكم من عواده»، ثم يكتفى الجميع بالابتسام مع قليل من «السوالف» العامة، وبينما يركز المواطنون على موضوعات كالعراق وايران وفلسطين وأوضاع المنطقة، يفضل السفراء الحديث عن الطقس والبورصة والنفط.

وتحتل زيارة الدواوين «مكانة مهمة» عند سفير جمهورية أذربيجان شاهين عبدالليوف الذي يتحدث العربية الفصحى بطلاقة، وقال انها «إمكانية فريدة وتعجبني، وغير موجودة في أي دولة أخرى» ويعتبرها «فرصة للتواصل، وتبادل الآراء والأفكار مع المواطنين، وتقديم أنفسنا الى الشعب الكويتي بعيدا عن الرسميات، وتعميق العلاقات بين البلدين»، وقال ان شهر رمضان في الكويت «من دون مبالغة أفضل ما رأيت» وعبر عن إعجابه بالمجتمع الكويتي «المفتوح والديموقراطي» وأكد انه يحرص على زيارة الدواوين في هذا الشهر، ويزور عبدالليوف نحو سبع ديوانيات يوميا، أي أكثر من مئتي ديوانية خلال رمضان.

ويعتقد معظم الدبلوماسيين أن مجلس الأمة والدواوين والصحف «أفضل مواقع لمعرفة توجهات وتصورات الكويتيين» لكن تبقى الديوانية أقرب الى «جس نبض الشارع»، ومن خلالها يمكن تطوير العلاقات الثنائية وتوطيدها، وتتيح للسفراء إقامة علاقات مفيدة حتى في أعمالهم، وزيارة بعض الدواوين «الإستراتيجية» تمكن السفراء من كتابة «أفضل التقارير» عن الكويت. كما أن الحوارات مع بعض المسؤولين في الديوانية تكون أكثر «حميمية» من لغة المكاتب، وفيها يمكن للدبلوماسي أن «يأخذ ويعطي ويتكلم بأريحية» لدرجة أن بعض السفراء يرون في الدواوين «الحزب الأقوى في الكويت»... علما بأن وزارة الخارجية الكويتية «لا تمانع في هذه الزيارات، بل تشجعها، طالما لايتجاوز الدبلوماسيون حدود الضيافة».

السفير الصيني هوو جونج قال بعربية واضحة ان زيارة الدواوين في رمضان «مفيدة جدا» وتسمح بتكوين «صورة واضحة ومعرفة معلومات مهمة عن الشعب الكويتي»، واعتبرها «وسيلة للتواصل مع الأصدقاء وتعزيز العلاقات مع المجتمع» وتوفر «فرصة كبيرة للقاء المسؤولين والوزراء» وأوضح جونج انه يتحدث مع المواطنين «في كل المواضيع، ابتداء من اللباس الكويتي الى الأوضاع الدولية» لكنه لا يعتقد بإمكان فتح ديوانية صينية... لأنها ستكون «شكلية وغير عملية».

من بين أكثر السفراء الأجانب حضورا وفعالية يبرز السفير الأميركي، الذي يوجد في كل مكان ومناسبة، وتحول الى نجم في الصحافة الكويتية، بفضل نشاطه وحيويته، وبات يعرف دواوين أهل الكويت بصورة جيدة، وتمكن من إقامة علاقات وطيدة مع المجتمع الكويتي، وعندما يزور الديوانيات نادرا ما تكون يده «خالية» وخصوصا في رمضان، ويأتي حاملا معه هدية مميزة في رمضان، عبارة عن «تمر» يقدمه الى صاحب الديوانية، وهو تمر لذيذ، وليس معروفا إن كان أميركيا أم...عراقيا؟

back to top