أطفال غزة... طفولة محطمة وقرارات ضرورية

نشر في 10-04-2008 | 00:00
آخر تحديث 10-04-2008 | 00:00
 الملكة رانيا العبد الله

79% من الأسر في غزة تعيش تحت خط الفقر، وثماني أسر من أصل عشر تعتمد على المساعدات الغذائية، ونحو نصف القوى العاملة لا تعمل، والاقتصاد الوطني ينهار، وتضعُف تلك الظروف خدمات المياه والصرف الصحي، وتتكدس النفايات في الشوارع، فالأطفال يستحقون أن يكبروا في سلام، ويجب على القادة من الطرفين وبدعم من المجتمع العالمي أن يشاركوا في حوار صادق لإنهاء الوضع.

أيمن صبي فلسطيني من جباليا عمره 14 عاما، عائلته فقيرة، والده عاطل عن العمل منذ مارس 2006... باع والداه اثاث المنزل لتأمين الطعام واحتياجات المدرسة لابنائهم... أخيرا، ابو ايمن تسلم معونة غذائية من الحكومة، لكنه اضطر الى بيع الحليب لدفع تكاليف المواصلات للعودة الى المنزل.

ايمن صبي مجتهد، يحلم بوظيفة المستقبل، ولكن مع اكتظاظ صفه - بوجود 47 طالبا في الصف ومع تطبيق نظام الفترتين - اصبحت بيئة التعلم بالنسبة اليه ولزملائه مرهقة جدا وغير محفزة.

منزله ايضا غير آمن؛ فالتصعيد الاخير على بلدة جباليا يبعد 200 متر عن بيت ايمن. وقد ارعبت اصوات القصف واطلاق النيران اخته ذات السنوات الخمس التي ما زالت تستيقظ ليلا وهي تصرخ.

تجربة ايمن حقيقة يعيشها الناس في احياء غزة، يتكبد فيها الافراد الاقل مسؤولية عن النزاع - الاطفال - المعاناة الاكبر، وقصص معاناة اطفال غزة الـ840 الفا كثيرة، ووسط الاطفال اللاجئين البالغ عددهم 588 الفا، يعتبر ايمن صبيا محظوظا، فمنذ بداية تصاعد العنف الشهر الماضي، قُتل 33 بنتا وصبيا فلسطينيا على الاقل، والكثيرون غيرهم جرحوا او شُوهوا - يقتلون في اشتباكات دون ذنب، ويُطلق عليهم الرصاص في غرف معيشتهم، ويقتلون في افنية منازلهم بقنابل، في الثامن والعشرين من شهر فبراير، اصيب اربعة اطفال بصاروخ خلال لعبهم الكرة، وتمزقت اجسادهم الصغيرة لدرجة ان عائلاتهم لم تستطع التعرف على جثثهم.

أيمن واقرباؤه وجميع اطفال غزة يجدون الحياة صعبة كل يوم - حياة قاسية تُبدد ببطء احلامهم وارواحهم، وبدلا من الاستمتاع بتوسيع آفاقهم، عالقون في سجن كبير... بدلا من ان يزودوا بالاساسيات التي يجب ان يحصل عليها كل طفل، تُنتزع هذه من الاطفال هناك: حقهم في اللعب... الحق في الذهاب الى المدرسة... الحق في الحصول على تغذية سليمة... الحق في الحصول على كهرباء للدراسة مساء... حقهم في الشعور بالامان في منازلهم، حِمل أحد اطول النزاعات في العالم يوضع على اكتافهم الصغيرة، يعذب طفولتهم ويترك اثارا نفسية قد لا تُشفى مدى الحياة.

لقد كان الفلسطينيون من بين الافضل تعليما في الشرق الاوسط، واليوم، بعد سنوات من العنف والحصار والفقر، يبتعد التعليم كثيرا عن اولويات الفلسطينيين، فقد تسرب نحو 2000 طفل في غزة من المدارس خلال الاشهر الخمسة الماضية، اما الذين بقوا في المدارس فعليهم ان يتشاركوا الكتب الممزقة، والتعايش مع انعدام الموارد الاساسية، نتائج التقرير الدوري الاخير لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، وجد ان نسبة الرسوب في الرياضيات وصلت الى -50 %60، وفي اللغة العربية %40، ورغم ذلك، يصر ايمن بقوله: «اريد ان اكون متعلما، اريد ان اكون مهندسا لاساهم في بناء بلدي».

في يوم الطفل الفلسطيني، ليتذكر العالم بأكمله أن الوضع المأساوي في غزة هو من صنع الانسان. وليدرك العالم أن ما يحدث اليوم هو الاسوأ منذ بداية الاحتلال، %79 من الاسر في غزة تعيش تحت خط الفقر، وثماني أسر من اصل عشر تعتمد على المساعدات الغذائية، ونحو نصف القوى العاملة لا تعمل، والاقتصاد الوطني ينهار، وتضعُف تلك الظروف خدمات المياه والصرف الصحي، وتتكدس النفايات في الشوارع.

«اليونيسيف» تعمل على مدار الساعة لمحاولة اعادة الحياة الى طبيعتها لشباب غزة - تستحدث برامج رياضية وتفاعلية في المدارس، وتعمل مع المجتمعات المحلية على ايجاد ساحات آمنة للعب الاطفال، كذلك تعمل «اليونيسيف» مع شركاء آخرين لتوفير المياه النظيفة، ومواد التعقيم، وتوفير المواد الطبية للاسر والمراكز الصحية، وتتوزع فرق الاستشارة التي تدعمها «اليونيسيف» في المنطقة لتساعد الاهالي والاطفال الفلسطينيين في التعامل مع الضغوطات.

وان كانت «اليونيسيف» تقوم بجهود كبيرة لمساعدة الاهل الذين يعيشون في تلك الظروف المأساوية في غزة، فالقادة السياسيون هم الوحيدون القادرون على انهاء هذا الكابوس، لقد حان الوقت لالتزام جديد، ويجب ان يُرفع الحصار ويتوقف قتل المدنيين في الجانبين، الاطفال يستحقون ان يكبروا في سلام، ويجب على القادة من الطرفين وبدعم من المجتمع العالمي ان يشاركوا في حوار صادق لانهاء الوضع، وهذا هو الطريق الوحيد لتحقيق السلام الحقيقي والدائم.

والد ايمن يقول: «اطفالي هم املي»، وانا اقول: ان اطفال غزة هم النور في الظلام، يستحقون منحهم الفرصة لان يضيئوا ويلمعوا.

* أول مناصرة بارزة للأطفال اختارتها «اليونيسيف». «بروجيكت سنديكيت»، بالاتفاق مع «الجريدة».

back to top