حكيم الثورة

نشر في 30-01-2008
آخر تحديث 30-01-2008 | 00:00
 نايف الأزيمع

نحن -الكويتيين- وبالتحديد رفاق جورج حبش وأصدقاؤه، والذين أحبوه وقدّروه... كان في نفوسنا منه غُصّة، ولنا عليه عتب كبير... وهو العتب الذي تحوّل إلى قطيعة، فالحكيم -رحمه الله- كان ينتقد وبشدة، من يزور بغداد، ويدعو إلى نصرة «البوابة الشرقية» آنذاك! وقد قال في صدام، وفي نظامه ما لم يقله مالك في الخمر!

كان يسمى حكيم الثورة... وكان دائماً ضميرها... وغالباً لسانها... وأحياناً يدها!

لا يختلف اثنان على أنه عاش شريفاً، نظيفاً، عفيف اليد واللسان، كان مناضلاً صلباً في سبيل وطنه وأُمته، وكان مقاتلاً شرساً في سبيل قضيته، تنازل عن كل مناصبه ومهماته في وقت لم يزل قادراً على العطاء، رغم مرضه. لم يفتح دكاناً سياسياً هنا أو هناك... ولم يزايد ديماغوجياً مثل هذا أو ذاك... وأيضاً لم يهرول للاستسلام، وهذا هو المهم.

اسمه وتاريخه وعطاؤه معروفة للجميع... ولكن... قاتَل الله «ولكن» هذه!! نحن -الكويتيين- وبالتحديد رفاقه وأصدقاؤه، والذين أحبوه وقدّروه... كان في نفوسنا منه غُصّة، ولنا عليه عتب كبير... وهو العتب الذي تحوّل إلى قطيعة، فالحكيم كان ينتقد وبشدة، من يزور بغداد، ويدعو إلى نصرة «البوابة الشرقية» آنذاك! وقد قال جورج حبش في صدام، وفي نظام حزب البعث، ما لم يقله مالك في الخمر!

فهو -صدام- دكتاتور، قاتل، ملطخة يداه بدماء «رفاقنا»! وهو –نظام البعث– نظامٌ، فاشيٌّ، قمعيٌّ، متآمرٌ!

وفجأة... وما إن غزا صدام الكويت، حتى تحامل الحكيم على نفسه، رغم مرضه، وحج إلى بغداد! وإن نسيت فلن أنسى ما حييت منظره عبر شاشة التلفزيون العراقي الوحيد الذي كنا نستطيع مشاهدته إبان الغزو «... عندما خرج من لقاء صدام وقد بدا التأثر الشديد عليه ليقول: «لقد خرجت من عند هذا القائد المنتصر، وقد رأيت النصر في عينيه!!».

وكأن النصر الذى رآه الحكيم في عيني صدام حينذاك... كان يعني احتلال الكويت وتشريد أهلها ومعهم قرابة نصف مليون فلسطيني!! وللحقيقة، فإن موقف الحكيم من الغزو العراقي للكويت، لم يكن موقفاً استثنائياً، فكل قادة الثورة الفلسطينية من أبي عمار إلى أصغر الأبوات، كانوا مع الغزو وقتها، ما عدا قائداً وحيداً قال لي في أثناء الغزو وفي عقر داره «شدة وتزول، وستعود الكويت»... رحم الله أبا إياد «صلاح خلف»، فقد كان الطائر الذي غرّد خارج سربه! وربما لأجل ذلك تم اصطياده مبكراً!

مات حكيم الثورة... وتكاد الحكمة أن تتلاشى... والثورة أن تموت... وهو ما يمكن أن يكون قد أحسه في آخر أيامه، فزاد ذلك من آلامه ومرضه، ومن ثم لم يعد قلبه العليل قادراً على المزيد من الاحتمال... رحم الله الحكيم، ورحم شعبه الصامد... فالرحمة جائزة على الأموات والأحياء.

back to top