افتتاحية دولة بلا مشروع... مشروع لدولة بلا مناعة
بكل مفردات الوصف والتوصيف، ينطبق على البلاد هذه الأيام – مثل ما سبقها من أيام – القول انها حال من الضياع أكثر منها احتقانا أو توتراً أو تجاذباً بين السلطات... إنها حال المضي من المعلوم إلى المجهول، والسير من النور إلى الظلمة، إننا في حال إبحار فقدنا فيها البوصلة وأغمضنا أعيننا عن نجوم المسار.
لقد بنيت الكويت أصلاً على مبدأ «المشروع»، وبالمشاريع تبنى الدول، قد تكون أحلاماً أو آمالاً، لكن هناك من هو معني، ولنقل مسؤول عن تحويل تلك الأماني إلى مشاريع واقعية... هكذا علمنا تاريخنا وهكذا يزخر تاريخ الأمم بسجلاته ومكوناته. حين تولى الشيخ مبارك الصباح الحكم وتمكن من تثبيت حكمه، كان يسير وفقاً لمشروع... ومشروعه كان بناء الكويت دولة لها عمقها الجغرافي والاستراتيجي... وان كان هناك من يخالفه ومن يوافقه، لكن الكل مجمع على أنه كان يسير ضمن مشروع واضح بالنسبة إليه، سخر له ما أوتي من إمكانات وقدرات آنذاك. وحين تولى الشيخ عبدالله السالم الحكم خلفاً لابن عمه الشيخ أحمد الجابر – رحمهما الله – كان أيضاً يسير ضمن مشروع للدولة، هو امتداد لمشروع جده الشيخ مبارك الصباح، لكن ضمن رؤية من الحداثة والتطور وبناء الدولة العصرية، فكان مشروعه السياسي هو الأصل في البناء التنموي للدولة. ولما تولى الشيخ جابر الأحمد الحكم بعد وفاة خاله الشيخ صباح السالم - رحمهما الله - حاول السير في البلاد ضمن مشروع محدد قوامه تطوير اقتصادات البلاد وتعزيز أركان تلك البنية الاقتصادية، فسخر لها ما استطاع من امكانات وقدمها على التطور السياسي، معتقداً أن الاقتصاد هو الذي يبني السياسة وليس العكس، فسارت الدولة في عهده – رحمه الله – ضمن مشروع واضح ومحدد. لكن مرضه في السنوات الأخيرة، ومرض ولي عهده سمو الشيخ سعد، عقد الأمور وجعل تسيير الدولة عبئا ملقى على كاهل الشيخ صباح الأحمد آنذاك... وانشغال سموه بتسيير أمور الدولة وحفظ التوازنات داخل الأسرة الحاكمة من جهة، والتوازن في علاقة الحكومة بالمجلس من جهة أخرى، أبعدا سموه عن البحث عن «مشروع» أو التركيز على مشروع معين بقدر تركيز سموه آنذاك، على حفظ الكويت وحفظ ادارتها وسلطاتها الدستورية، ولم يكن للطاقم المحيط به دور يذكر في محاولة تحديد مشروع واضح وتحديد خطة لتنفيذه وتحقيقه كإنجاز يضاف الى سجل أعمامه واخوانه. وزاد الطين بلة ان تداعيات الأحداث السياسية وتطور حالات – وليست حال – الاحتقان السياسي والتوتر بين السلطات، وتجاذبات الأجيال الجديدة في الأسرة، استأثرت بمعظم جهود ولي الأمر وجل وقته على حساب المشروع، وعلى حساب الرؤية، وعلى حساب المستقبل، على حساب الدولة. فأصبحت صغائر الأمور هي كبائرها، وأضحت هواجس العمل اليومي هموم أجهزة الدولة كلها، وحلت عبارات التهدئة والتسوية والترضية، محل مفاهيم التنمية والتربية والتقدم. وصار السؤال الذي يطرح بإلحاح ونهرب منه باستمرار هو: الى متى؟ الى أين؟ أن تعود الكويت دولة ذات مشروع واضح هو أبسط حقوق الكويت على أبنائها كافة من دون استثناء، وكل حسب قدرته وموقعه، لأن دولة بلا مشروع هي مشروع لاضعاف مناعة الدولة ومنعتها. الجريدة