شهر التواصل

نشر في 19-09-2007
آخر تحديث 19-09-2007 | 00:00
 أحمد عيسى

كأن شهر رمضان أصبح فرصة لتحديث بيانات معارفك وتأكيد أن أرقامك لا تزال بحوزتهم، كما هو أيضا مناسبة للتعرف على مرشحي مجلس الأمة المرتقبين،

عاماً بعد عام تترسخ لدي قناعة مؤلمة مفادها أن شهر رمضان آخذ بالتفرغ من محتواه الديني باضطراد، بل إننا نمعن سنوياً في سلخ جلده الديني ليتحول شهر الرحمة والعبادة إلى مناسبة للتواصل الاجتماعي.

فأي تفسير يمكن القبول به والكويت استقبلت قبل أسبوع حلول شهر رمضان بـ32 مليون رسالة قصيرة تناقلتها الأجهزة النقالة ببرود، فحواها «مبارك عليكم الشهر وعساكم من عواده»، يرسلها لك من افتقدت التواصل معه طوال العام الماضي، وليتكرر معك ذات المشهد في العام المقبل، والعام الذي يليه والذي يليهما، وكأن شهر رمضان أصبح فرصة لتحديث بيانات معارفك وتأكيد أن أرقامك لا تزال بحوزتهم، كما هو أيضا مناسبة للتعرف على مرشحي مجلس الأمة المرتقبين، خاصة بعد إقرار نظام الدوائر الخمس الذي خلط النواب مع الأمة بمختلف مناطقها.

مشهد الرسائل القصيرة يتجسد على خشبة الواقع عبر صلة الرحم، فتسمع «مبارك عليكم الشهر وعساكم من عواده» تنتقل من بيت إلى آخر ومن صالة إلى أخرى، الكل يتبادلها مصحوبة بالعتب الخفيف لأن الأرحام أصبحت لا توصل إلا في شهر رمضان.

تتسع الدائرة أكثر، فتجد المهنئين بحلول شهر رمضان المبارك يقضون ثلثيه في تبادل التهاني بين الدواوين، وهناك شكوى تقليدية مللنا من ترديد الكتاب الصحافيين ورواد الدواوين لها موسمياً، ومفادها أن التواصل الاجتماعي مبالغ فيه، بدليل أن الشخص يحتاج إلى وقت أكثر من شهر رمضان ليبارك لمن يعرفهم بحلول الشهر، مع الأخذ بعين الاعتبار أن من يرسل رسالة تهنئة هو نفسه من يفرط في زيارة الدواوين، وهو الذي يشتكي من المبالغة بأداء الواجب الاجتماعي.

الشكوى الرمضانية المتكررة مردها سوء التنظيم وتداخل الأولويات الاجتماعية، فالأصل أن التواصل يجب أن يكون مستمراً بين الأصدقاء والزملاء وبالتأكيد الأهل طوال العام، ولا يقتصر فقط على شهر رمضان، كما يوجد في كل منطقة سكنية صالة مخصصة للأغراض الاجتماعية، ولا ضير من اجتماع سكان المنطقة فيها ليلة واحدة لتبادل التهاني بدلاً من مطاردة بعضهم بين الدواوين التي يصل عددها في أصغر منطقة سكنية إلى 120 ديوانية، إضافة إلى دواوين المناطق القريبة والبعيدة، لا لشيء سوى للتهنئة بحلول الشهر الفضيل، وتجديد عهود الناخبين مع ممثليهم ومرشحيهم، تحت نفس المسمى «عساكم من عواده»!

back to top