تزوّج قوطة من ممثلة مشهورة وعشق الأضواء أشهر بارونات المخدرات في مصر من القصور إلى السجون
الجريمة خلقها البشر. وجدت مذ خلق الله آدم أبو البشر جميعا. هي سلوك عدواني يلحق ضررا بالفرد والمجتمع. لم تنجح أي وسيلة في أي زمان أو مكان لمنع وقوع الجرائم. إنها جزء لايتجزأ من السلوك الإنساني وأحد مكونات الحياة في أي مجتمع، أياً تكن ثقافته أو مستواه الحضاري.
رغم التقدم التقني الذي شهده العالم في مجال اكتشاف الجرائم ومكافحتها فإن المجرمين يقومون في خط مواز بتطوير أساليب جرائمهم في محاولة لتضليل السلطات عن مطاردتهم وإنزال العقاب بهم.بخلاف ما يسمى «المجرم بالصدفة» الذى يرتكب نوعا من الجرائم من دون إعداد أو تخطيط مسبق، ثمة المجرمون العتاة الذين يتميزون بتركيبة إجرامية ذات سمات خاصة وتفشل كل الطرق فى إصلاحهم وتهذيبهم كما تفشل كل أنواع العقاب، مهما بلغت قسوتها، في ردعهم.عالم الجريمة مثير لما ينطوي عليه من رعب وتشويق. وإن كان عالماً صغيراً، إلا أنه يعكس الحياة البشرية بأكملها إذ يمثل حالة الصراع الدائم بين الخير والشر، بين العدل والظلم، بين القوة والضعف، بين الفضيلة والرزيلة.نقدم هذا العالم الغريب في حلقات متتالية، من مصر بلد التاريخ والحضارات المختلفة، بلد الجوامع والكنائس، بلد الهرم والنيل، لكن أيضا بلد «الخط» وريا وسكينة والتوربيني. لا يمكن الحديث عن المخدرات في مصر من دون الكلام عن حي الباطنية المشهور في القاهرة الذي صنع أباطرة الكيف في مصر وظل نصف قرن أشبه بالقلعة المحصنة التي يصعب اقتحامها بسبب طبيعته الخاصة. يقع هذا الحيّ في حضن جبل المقطم في منطقة الدراسة ولا تزيد مساحته على ثلاثة كيلومترات مربعة. تتميز شوارعه بضيقها وتعرّجها وكثرة مداخله ودهاليزه وسراديبه حتى أصبح مثل الشبكة المغلقة التي يصعب لغير سكانه التحرّك فيه. هذه الطبيعة الخاصة مع كثرة عدد «الناضورجية» الذين يطلقون صفارات الإنذار في حال اشتموا رائحة بوليس يقترب من المكان جعلت مهمة اقتحام قوات الأمن الحي بسياراتهم أمرا صعبا للغاية وبقي لسنوات مأوى لكبار تجار المخدرات في مصر حتى وصل عددهم في أوائل الثمانينات من القرن الفائت إلى أكثر من 700 تاجر مخدرات. ظهر منهم التجار الكبار الذين وصل حجم تجارتهم إلى مئات الملايين. من أشهر هؤلاء قوطة وأولاد نصار وظهرت فيه أشهر امرأة تاجرت بالمخدرات في مصر وتدعى خضرة .كانت المخدرات تباع في شوارع الباطنية علنا، كأنك تشتري جبنا أو خبزاً. كان الزبائن يقفون أمام بائع «الصنف» في طوابير طويلة أشبه بطوابير الجمعية الاستهلاكية ويدفعون المال إلى مساعد البائع، فيزن مساعد آخر البضاعة ويسلمها. كثيرا ما كانت المشاجرات تنتهي بإسالة الدماء أنهاراً بلا أيّ رادع.ازدادت ثروات هؤلاء التجار وازداد معها نفوذهم وسطوتهم وصراعاتهم أيضاً. انقسم الحي في فترة ما فريقين: فريق أولاد نصار من جهة وفريق أولاد خضرة من جهة ثانية واشتدت المنافسة بينهما، وكثيرا ما كانت تصل إلى حد الاشتباك بالأسلحة النارية الآلية وسقوط القتلى من الفريقين. غالباً ما كانت تنتهي المسألة أمام جهات التحقيق إلى لا شيء نظراً إلى خشية الشهود من الكلام.عام 1962 قرر محافظ القاهرة إعادة تخطيط حي الباطنية لإنشاء شوارع واسعة بدلا من الحارات والأزقة الضيقة التي تجعل من عملية اقتحامها أمرا شبه مستحيل، لكن المشروع أجهض لعدم توافر الاعتمادات المالية اللازمة. عام 1972 وجهت قوات الأمن أول ضربة إلى تجار الباطنية، حين اقتحمتها قوات مدربة تدريبا ومعها عدد من الكلاب البوليسية المتوحشة في سيارات اسعاف لتفادي صفارات الناضورجية. منذ ذلك الحين اعتُمدت نوبات حراسة مسلحة في الحي ورغم ذلك تلاحقت الضربات القاسية على أباطرته حتى انتهت أسطورة أشهر بؤرة مخدرات في مصر.مثلّث الموتبعد حي الباطنيّة في القاهرة برزت أشهر بؤرة مخدرات في مصر عرفت بالمثلث الذهبي، من ثلاث قرى: كوم السمن، الجعافرة والقشيش وهي تابعة لمركز شبين القناطر في محافظة القليوبية على بعد نحو 30 كيلومتراً شمال القاهرة. اشتهرت هذه المنطقة بتجارة المخدرات في وضح النهار وكانت قبلة لتجار المخدرات ومتعاطيها، يحج إليها المدمنون بطبقاتهم: من الأثرياء بسياراتهم الفارهة والطلبة والعمال. حتى تلاميذ المدارس عرفوا الطريق إلى قرى المثلث الذهبي طلباً لمخدر البانجو الذي طفا على السطح خلال العقدين الفائتين.يضمّ المثلث الذهبي أكبر تجّار المخدرات في مصر وأكثرهم لا يقيم في هذه القرى خوفا من مداهمة الأمن، بل يعيش داخل القصور الفخمة معتمداً على مساعديه في إدارة تجاربته. ظلت هذه المنطقة لسنوات طويلة إحدى البؤر التي تؤرق رجال الأمن. كان صعباً إقتحامها رغم شهرتها في الاتجار بالمخدرات، لإخفاء التجار المخدرات في مخابىء في الأراضي الزراعية بعيدا عن بيوتهم وأملاكهم والطرق المؤدية إلى هذه المخابىء وهي شديدة الوعورة، من الصعب بلوغها. رغم ذلك تمكن رجال الأمن في نوفمبر عام 1999 من اقتحامها مستخدمين الأعداد الكبيرة من القوات المدربة والكلاب البوليسية وتمكنوا من إلقاء القبض على 27 تاجراً.كتكت وحورية كتكت وحورية شقيقان من عائلة اشتهرت بالإتجار بأنواع المخدرات مكوّنة ثروات بالملايين لكن السجن كان نهايتهما .البداية الحقيقية لهذه الأسرة في إحدى خرائب منطقة الجيارة في حي مصر القديمة في القاهرة حيث عاشت في كشك خشبي أقل من متواضع. كان الخال عبده طه يتاجر بالحشيش والأفيون فطلب من شقيقته أم كتكت وحورية مساعدته في توزيع الحشيش ثم تحولوا إلى الأفيون فالكوكايين. كان كتكت يعمل لخاله وما لبث بعد فترة ان استقل عنه وأصبح «معلماً « كبيرا من تجار الصنف. حين ألقي القبض على خاله وأمه ودخلا السجن أشرك كتكت شقيقه حنفي في تجارته. قرر الشقيقان اقتسام الحصص بينهما فأصبح كتكت امبراطور الحشيش وحنفي ملك البودرة. ثم قبض على الشقيقين وحكم عليهما بالسجن لـ 15 عاماً فوجدت حورية مملكة شقيقيها خالية بلا وريث فنزلت بثقلها إلى الساحة وبذكاء شديد. مات كتكت في السجن فواصلت هي المشوار فسيطرت على زمام الأمور في زمن قياسي وسرعان ما اصبحت امبراطورة الهيرويين. عرفت بصاحبة الباب الأخضر وهو باب العمارة المحصنة التي تقيم فيها. كان يقف المدمنون أمامها بالطوابير ويتبادل الصبية معهم تذاكر الهيرويين ويتناولون النقود. لم تظهر حورية أمام الناس على الإطلاق بل كانت تتنقل بين عدة شقق في مناطق متفرقة ومعها جيش من المساعدين الذين يديرون تجارة الموت لحسابها. فشل رجال مكافحة المخدرات في القبض عليها متلبسة، فعمدوا إلى اعتقالها شهرا وخرجت بعد ذلك أكثر شراسة. لكن رجال المكافحة أصروا على الايقاع بها مهما يكن الثمن. قبضوا على رجالها الذين تحتمي بهم، ما جردها من اسلحتها فوجدت نفسها وحيدة. فلم تجد بدا من مباشرة نشاطها بنفسها والتعامل مع الزبائن مباشرة حتى ألقي القبض عليها متلبسة وقضت المحكمة بسجنها فمارست في سجن النساء سطوتها على نزيلاته بأموالها، ما دفع إدارة السجون إلى إبعادها إلى سجن قنا في الصعيد.خضرة أول تاجرة مخدراتخضرة عبدالمجيد أشهر النساء المصريات اللواتي تاجرن بالمخدرات. بدأت نشاطها في أربعينات القرن العشرين ولم تنافسها امرأة أخرى في مجالها. كانت وأولادها أشهر عائلة في مجال المخدرات وأقواها. نزحت خضرة إلى القاهرة في بداية الأربعينات من القرن الفائت واستقرت في منزل متواضع مع زوجها في حي الباطنية كان يسكنه في تلك الفترة طلاب الأزهر الوافدون من سائر دول العالم. كانت لديها رغبة جامحة في الثراء فبدأت علاقتها بعالم المخدرات حين كانت تشتري الأعشاب الطبية التي يحضرها الوافدون العرب من طلبة الأزهر وتبيعها إلى المدمنين وتكسب الكثير. حين ازداد ثراؤها اتجهت للإتجار بالحشيش والأفيون فاتسعت تجارتها واستعانت بالمساعدين. سرعان ما لمع اسمها في عالم المخدرات فجندت أولادها للعمل معها جاعلة منهم أشهر تجار مخدرات في مصر. فشيدت فيللا في درب الغرقى في حي الباطنية. بدت من الخارج فيللا عادية لكنها من الداخل كانت أشبه بقصر من قصور العصور الوسطى، كثرت فيها المخابىء السرية وحوت أفخم أنواع الأثاث المستورد. واجهت خضرة حربا شرسة من امرأة أخرى في حي الباطنية كانت أيضاً تاجرة مخدرات فنشبت المعارك بين فريقي المرأتين سقط فيها القتلى لكن لم يكن أي طرف يتقدم بأي بلاغ للشرطة. إزاء تفاقم خطر خضرة وعدم وجود دليل إدانة ضدها اعتقلتها الشرطة. كانت أول سيدة مصرية تعتقل بسبب الإتجار في المخدرات. بعد الإفراج عنها، وكانت تقدّمت في السنّ، قررت اعتزال تجارة المخدرات، لكن ابنها الأكبر طلعت المشهور بـ «قوطة» أمسك الراية من بعدها وأصبح واحدا من كبار تجار الصنف في مصر.الكابتن قوطةكان المعلم طلعت المشهور بـ«قوطة» اشهر تاجر مخدرات في مصر خلال الستينات من القرن الفائت. بدأ حياته صانع أحذية ثم أصبح واحدا من كبار الأثرياء في مصر يسكن القصور ويمتلك السيارات الفارهة. كان قوطة يتمتع بلباقة ومظهر جيد ويشجع أحد الاندية المشهورة في القاهرة وينفق عليه ثم اصبح عضواً في مجلس إدارته وتقرب من نجوم الكرة وأغدق عليهم المال حتى أطلق عليه الكابتن قوطة. ثم أقام الصداقات مع نجوم الفن وتزوج من ممثلة مسرحية معروفة ونجح كثيرا في الهرب من قبضة المباحث. اعتقل عدة مرات ووجهت إليه تهم الإتجار بالمخدرات. حين اقتحمت شقته في الاسكندرية تمكن من الفرار تاركا زوجته التي اعترفت بكل شيء عنه فأرسل محاميه ليثبت للجميع أنها ليست زوجته.كان المأذون زائفاً والعقد كذلك فقضى بقية حياته في السجن . عودة سويلميتصارع في قصص تهريب المخدرات طرفان، أحدهما يتصف بالتضحية والفداء ويضرب أمثلة في البطولة والآخر يتصف بالخسة والنذالة. يتجلى هذا الأمر في قصص المهربين الذين تتصدى لهم قوات الشرطة ويدفع بعضهم حياته ثمنا لحماية وطنه وأهله.في خمسينات القرن الفائت ظهر مهرّبون كثر تخصصوا في استيراد السموم إلى البلاد. يعتبر عودة سويلم من أشهرهم وأشدهم بأسا وأكثرهم ثراء. كان يمتلك عدة عمارات في حي مصر الجديدة الراقي في القاهرة ويعيش أبناؤه عيشة أولاد الملوك. كانوا يمضون الصيف في أوروبا وينزلون في أفخم الفنادق، ما دفع رجال مكافحة المخدرات إلى ضرورة الإيقاع به سريعا.صباح أحد الأيام دخل أحد ضباط سلاح الحدود في سيناء مكتب مدير مكافحة التهريب في السويس وقدم له تقريراً من صفحة واحدة يفيد بأن عودة سويلم يخطط لعملية تهريب كبيرة داخل البلاد عن طريق سيارة من سلاح السواحل، وهو يبحث الآن عن سائق في سلاح السواحل ليقوم بهذه المهمة. على الفور قرر مدير مكتب المكافحة أن يكون هو نفسه هذا السائق الذي يبحث عنه عودة، مع علمه بخطر عودة وإجرامه ومدى ما يتصف به ورجاله من وحشية. كانت عصابته أكبر عصابة تهريب في مصر وأقواها ويتميز افرادها بالشراسة والوحشية. متفقاً مع رئيس حرس الحدود، قصد مدير المكافحة وكيل المهرب الكبير في السويس وقدم نفسه على أنه سائق في السواحل وأنه علم أن الشيخ عودة محتاج إليه. لم يكن المدير ينتظر من وكيل المهرب إلاّ كلمة «احضر غدا مرة جديدة». كان يعلم أنه سيخضع لامتحان قاسٍ كي يطمئن إليه المهرب. ذهب المدير مرة ثانية وثالثة ورابعة وفي كل مرة كان يتلقى وابلا من الاسئلة للتأكد من شخصيته.أخيرا تلقى مدير المكافحة المتنكر في شخصية السائق أمراً بالتوجه إلى شرق القناة في اتجاه الكيلو 6 حتى يعثر على أعرابي وإلى جانبه «قلة». عليه أن يقول له «أنا عطشان» وينتظر ماذا سيردّ عليه.نفذ المدير الأمر ووصل إلى الاعرابي وباح بكلمة السر. سلمه الأعرابي جوالا وأمره بأن يعود إلى العصابة في السويس. كان المدير أعد كميناً على طول الطريق الذى سيقطعه بسيارته وكانت الاشارة المتفق عليها مع رجاله أن ينزل من السيارة عند نقطة معينة ويتظاهر بإصلاح خلل فيها. قبل التوقف أخرج مطواة من جيبه وأحدث ثقبا في الجوال، وكانت دهشته كبيرة حين وجد أن محتويات الجوال كلها نوع من العجوة. مع ذلك واصل السير إلى العصابة وسلمهم الجوال فسلموه خمسين جنيها ووثقوا به وطلبوا منه الحضور في اليوم التالي .في صباح اليوم التالي ذهب المدير إلى الأعرابي نفسه الذي سلمه أربعة أجولة كانت كلها مملوءة بالحشيش. عند النقطة المتفق عليها توقف المدير. نزل من السيارة وتظاهر بإصلاحها فعرف رجاله أن وقت العمل حان فأرسلوا إشارة إلى الكمين المرابط قرب مكان العصابة في السويس، وفي الوقت نفسه ألقت قوة أخرى القبض على الأعرابي. بينما كان المدير في طريقه عائداً إلى السويس أوقفه جماعة من الأعراب وأمروه بتغيير وجهته إلى الإسماعيلية. عندئذ نزل من سيارته شاهرا مسدسه لكن أحد الأعراب وثب عليه وتمكن من الاستيلاء على مسدسه وتصويبه ناحيته فأصيب ووقع على الأرض. لم يكن هذا الأعرابي إلاّ عودة سويلم نفسه الذي ركب السيارة واستدار بها في الاتجاه المعاكس، لكن القوات المتخفية، مرافقه المدير، كانت له بالمرصاد فالتحموا معه في معركة شرسة انتهت باستسلام عودة وإيداعه السجن. شفي مدير مكتب المكافحة في السويس، بعد نجاحه في الإيقاع بأخطر مهرب مخدرات عرفته مصر حينذاك.ملك البحر المتوسطفي بداية الستينات ظهر «هاموج» أخطر مهرب مخدرات في منطقة البحر الأبيض المتوسط المعروف بملك البحر الأبيض المتوسط. هو في الأصل من بور سعيد. بدأ حياته عاملاً في إحدى شركات البترول في بور سعيد. بحكم عمله اتصل بكبار تجار المخدرات في سيناء ثم اتصل بكبار ضباط الجيش الانكليزي في فلسطين فشاركهم في تهريب المخدرات إلى القاهرة. زاد ثراؤه ونفوذه وامتلك عدة «لنشات» وشكل عصابة ضخمة انتشر نشاطها في الشمال الإفريقي كله وأوروبا. خاض رجال مباحث المخدرات معه معارك عديدة واعتقل عدة مرات حتى تم ضبطه مع عدد كبير من رجال عصابته عام 1963.