رحيل غازي السلطان أحد رواد الحركة التشكيلية كان حلمه تعزيز فاعلية الإبداع العربية
بغياب الفنان والمهندس المعماري غازي حمد السلطان، فقدت الكويت علماً من أبنائها البررة المخلصين.
فلقد كان صاحب رسالة توعوية لأحد مجالات الثقافة التنويرية الحديثة (الفنون التشكيلية) .ينحدر غازي السلطان من سلالة رواد الثقافة والتعليم الأوائل الذين تركوا لنا أحسن تثقيف وأفضل تكوين.وعلى درب هذا الرعيل المعطاء ومن منطلق عربي خالص، كان حلم الفنان الفقيد تعزيز الفاعلية العربية الابداعية وتقديمها كإضافة للحضارة العالمية.فور انتهائه من دراسته التخصصية العالية في الفن والعمارة وعودته لأرض الوطن شرع في تأسيس قاعة تحتضن العروض الجادة للفنون التشكيلية العربية المعاصرة مهما تنوعت مواطنها و مصادرها أو الظروف المحيطة بها، فهي في جملتها فنون لشعوب تجمعها وحدة الفكر والإلهام واللغة، لما تتمتع به الكويت بموقعها المتوسطي جغرافيا بين الغرب والشرق البعيد وتاريخها في خدمة المشروع الثقافي العربي وما لديها من وسائل، وعلي الصعيد الشخصي يعتبر غازي الأكثر تأهيلا لممارسة هذا الدور الذي أخذه على عاتقه بأن يكون (قوميسيرا) للفن العربي وتعريف العالم به ونشره. تنقل غازي مسافرا بين الأقطار العربية، يتعرف على الفنانين ويزور مراسمهم ويطلع على انتاجهم، و يختار كوكبة من الفنانين العرب تتميز تجاربهم بالجدية والمعاصرة ودعوتهم بالتتابع لاقامة معارض لهم في «جاليري سلطان»، والتي أصبحت فيما بعد عندما عرضت على جدرانها تلك الابداعات الراقية نافذة يطل منها أهل الكويت من محبي الفنون ومثقفيها على أطيب وأفضل انتاج تشكيلي من كل الدول العربية في ذلك الوقت.و مما ذكره لي الفنان العربي المعروف ضياء العزاوي: «تتميز الكويت منذ نهاية الستينيات وبداية السبعينيات باهتمامها بالفن العربي عبر صالة سلطان التي كان يديرها غازي السلطان وتعاونه شقيقته المرحومة السيدة نجاة، قدمت هذه الصالة فنانين عربا متنوعي التاريخ والتجربة والعمر، عكس قبول هذا التنوع نظرة مستقبلية أثبت التاريخ أهميتها. كنت أحد الأسماء الذين اهتم غازي بتقديمها، وكانت صالة سلطان أقرب الى ناد معنيّ ببناء مجموعات فنية لأعضائه عبر المعارض التي اقامتها ، كانت فكرة هائله أعطت الفرصة للعديد من الأشخاص لجمع أعمال أصبحت لها أهمية في تاريخ الحركة التشكيلية العربية». وأتذكر بعض الفنانين العرب الذين سعدت بمشاهدة أعمالهم بقاعة سلطان اضافة للفنان ضياء العزاوي، عرض الفنانون شاكر حسن ال سعيد – رافع الناصري – اسماعيل فتاح الترك – هاشم السمرجي – صالح الجميعي – عصام السعيد – ونهي الراضي من العراق ، وفيصل سمرا من السعودية، وأمين الباشا وفريد حداد من لبنان، وفاتح المدرس وغياث الأخرس من سورية، وآدم حنين وعمر النجدي وحمدي خميس من مصر، وفريد بلكاهية واخرون من فناني المغرب العربي، وهم جميعا أصبحوا فنانين معروفين تركوا بصماتهم على وجه الحركة الفنية المعاصرة في أقطارهم وعلى المستوى القومي وتجاوز بعضهم ذلك الى الشكل العالمي، كما قدمت «جاليري سلطان» من الكويت الفنانين منيرة القاضي وجعفر اصلاح وصبيحة بشارة، ومن العرب المقيمين محمد موسى وكاتب هذه السطور وكان ما قدمه لي شخصيا من تشجيع ومؤازرة بزيارته لشقتي في حولي لمشاهدة بعض أعمالي وفي المرة الثانية بعد شهور لاختيار بعضها لعرضها ومساعدتي في تسميتها ومقابلها المادي، وكانت هذه التجربة مع «جاليري سلطان» درسا عمليا استفدت منه عند انشاء وادارة قاعة بوشهري بعد ذلك بعشر سنوات عام 1981.وبعد هذه الانطلاقة النشيطة لغازي السلطان بسنوات قليلة يهاجمه المرض وتداعياته وللاسف لم يتلقف منه أحد سارية هذا الجهاد المشرف منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما، إذ ظل ملازما كرسيه المتحرك، ومع ذلك كان يفرحني بوجهه الصبوح الباسم عندما يحضر افتتاحاً لمعارض تشي بجديتها وجودتها وخاصةً بعد أن افتتحت شقيقته السيدة فريدة منذ شهور «جاليري سلطان» من جديد. وكان يطوف باللوحات فرحا سعيدا. ستظل تجربة غازي السلطان ولأول مرة في تاريخ الفن المعاصر لأمتنا العربية ومضة مشرقة وأول جذوة لمفردة ثقافية - للفنون التشكيلية- قومية المحتوي عالمية المستوى.