عنصرية صادق هدايت
قرأت اكثر من مرة رواية «البومة العمياء» للروائي الإيراني صادق هدايت. لعله الكاتب الايراني الوحيد في العصر الحديث الذي اقرأ له، خاصة بعد سيطرة التيار المتشدد على الحكم في ايران وضمور الاعمال الادبية لمصلحة فتاوى الملالي وما شابه. نشر هدايت «بومته» للمرة الأولى عام 1936 بخط يده في بومباي في الهند ولم تطبع في إيران إلا بعد انتحاره بسنتين خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
«بومة» هدايت الساحرة ترجمت إلى معظم اللغات الحية، تمثل نسجاً قصصياً ذا سمات متميزة. ربما تمثل الإنسان المقهور او المتشائم في الشرق الاوسط او المتفائل في فرنسا. هي الضمير الذي يقضّ المضاجع أو هي خيال يستريح المتعب خلاله كما يرتاح صادق هدايت خلالها. هل هي أرستقراطية هدايت ورفضه للأوضاع الاجتماعية والديكتاتورية السياسية التي كانت سائدة في إيران، فضلاً عن انطوائيته ووحدته التي انعكست آثارها بشكل أو بآخر في رائعته «البومة العمياء»؟ أم أن ذلك يعود إلى تأثره بالأدب العالمي خاصة إدغار آلن بو وفرانز كافكا؟ أم أن هذا التأثر يعود إلى تلك العوامل مجتمعة؟ رغم أن هدايت ينتمي إلى الأوساط الارستقراطية في إيران إلا أنه عاش مكتئباً ومات منتحراً وقد عثر على جثته في نزل فرنسي صباح التاسع من نيسان 1951. كان ممدداً على الأرض مرتديا بدلته وربطة عنقه وبدا كأن ابتسامة ترقد على شفتيه، أما الغرفة نفسها فبدت نظيفة ومرتبة كأنها مهيأة لاستقبال ضيوف. رائحة الغاز كانت تملأ هواء الغرفة ما أدى إلى خنقه. إستقبل هدايت الموت بأناقة وهدوء وابتسامة. أدار مفتاح الغاز وجلس في وداعه ينتظر الموت بصمت. يقول على لسان بطل راوية
«البومة العمياء»: «أحس بأن هذه الدنيا ليست لي. إنها للمتملقين، المنافقين، الوقحين، النهمين أبداً. مثلهم مثل كلاب واقفة أمام دكان قصاب تتوق إلى قطعة عظم ترمى لهم». الذي لم نعرفه عن صادق هدايت قرأناه في كتاب «صورة العرب في الأدب الفارسي الحديث» لجويا بلندل سعد (ترجم لدى دار «قدمس»). يقدم هدايت صورةً وافية عن التيار القومي المعادي للإسلام والسامية في ايران. يرى أن العدو الحقيقي للثقافة الإيرانية وسبب مشكلات إيران كلها هو الإسلام والعرب. ثم يضيف اليهود ودينهم وعاداتهم إلى قائمة أعداء إيران. فمن وجهة نظره إن العرب واليهود، والإسلام واليهودية، ينتمون جميعاً إلى «العرق السامي» ذاته وهم في الجوهر متشابهون. يذهب هدايت إلى أبعد من ذلك في وصفه القصصي ممعناً في الحط من «العرق السامي» على صعيد الشكل وعلى صعيد العيش. تبدو الصور القذرة جاهزة للإلصاق باليهود والعرب. ففي قصة «الأخ أكول» يصف اليهود كالآتي: «خرج الملا إيشاق بقلنسوة نوم قذرة ولحية كلحية الماعز وعينين جشعتين وأطلق ضحكة. أما ابنه وهو طفل يدل مظهره على أنه مريض ووسخ بمعدة منتفخة فقد أخذ يحدق إلى الأخ أكول. كان قد نسي فمه مفتوحاً لينساب لعابه من شفتيه». تنتمي الأوصاف السابقة إلى الأرومة ذاتها التي يستخدمها صادق هدايت في قصة «طلب الغفران» لكن هذه كلماته في وصف العرب: «عربي حافي القدمين بوجه أسود وعينين متقدتين ولحية نحيلة، يضرب فخذ البغل الذي يقطر دماً بسلسلة حديدية غليظة. ومن حين إلى آخر يستدير ويحدق إلى وجوه النسوة واحدة واحدة. كانت هناك نساء عربيات بوجوه موشومة قذرة وعيون متقدة (...) دفعت إحداهن بثدي أسود إلى فم طفل قذر كان بين ذراعيها. وأمام المقهى جلس عربي ينظف أنفه وباليد الأخرى كان يخرج الأوساخ من بين أصابع قدميه. غطى الذباب وجهه ودب القمل فوق كامل رأسه».