في مهب الريح!!

نشر في 30-09-2007 | 00:00
آخر تحديث 30-09-2007 | 00:00
 أ.د. غانم النجار

يزور كبار المسؤولين «غبقات» التنظيمات السياسية، وهو أمر يحسب لتلك الغبقات فقد حققت إقراراً حكومياً ورسمياً لإشهار الأحزاب السياسية لم تحققه الخطابات والمطالبات، ولعله من المفيد، أن يسعى «الغباقون» (أي أصحاب الغبقات) إلى التنسيق في ما بينهم واختيار يوم واحد من رمضان تقام فيه غبقة واحدة كبيرة تسمى «غبقة الغبقات»، وعسى أن تحل غبقة الغبقات «أزمة الأزمات».

الصومال بلد مفكك مكسر الأضلاع منذ ما يزيد على 16عاماً، وقد أهمل المجتمع الدولي هذا البلد بصورة مؤسفة، عُدت أخيراً من هناك في إطار مهمتي الدولية لمتابعة ورصد ومعالجة الأوضاع الإنسانية، المهمة أو الزيارة لم تخلُ من مخاطرة خصوصاً أنها حظيت باهتمام وسائل الإعلام الدولية، ولكنها على أي حال تستحق المجازفة. فمن غير المقبول الوقوف موقف المتفرج وعدم الاكتراث لحالة استلاب واجتثاث وقهر مستمرة تلك المدة الطويلة، وهنا لا يسعني إلا أن أتوجه بالشكر والتقدير لكل من سأل واهتم بالظروف التي مررت بها هناك فالله سبحانه وتعالى هو الحافظ، فقد أكملت مهمتي من دون تأثر بتصرفات غير مسؤولة وغير ناضجة.

ويعاني الصومال تفككاً كاملاً في بنية ومؤسسات الدولة منذ انهيار نظام سياد بري في ديسمبر 1990، وتحولت الدولة إلى حالة مائعة نهباً للطامحين وأمراء الحرب وقطاع الطرق وعبثاً للقوى الإقليمية. ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل كان للطبيعة دورها في الإسهام في التدهور؛ فالفيضانات لم تتوقف وكان آخرها في 2006 و2007، والجفاف كان آخره هذا العام 2007، والأوبئة كالكوليرا وغيرها، وحتى تسونامي لم يدع الصومال إلا ضربه في شبه جزيرة الحافون وغيرها.

وقد جرت محاولات عديدة للتسوية بين الفرقاء المتحاربين زاد عددها على 15 محاولة من خلال مؤتمرات مصالحة كان أبرزها «مؤتمر عرتة» في جيبوتي (2001) وآخرها مؤتمر كينيا (2004) الذي أوجد المؤسسات الفدرالية الانتقالية التي يعترف بها المجتمع الدولي حالياً، وظهرت خلال ذلك ظاهرة المحاكم الإسلامية التي سيطرت على مقديشو العاصمة أولاً، ثم أغلبية مناطق الوسط والجنوب حتى كيسمايو. ورغم أنه كان هناك فرصة لتحقيق سلام واستقرار من خلال إجراء مصالحة بين الحكومة الفدرالية الانتقالية ومنظومة المحاكم الإسلامية، فإنها فشلت لأسباب عديدة منها عدم النضج السياسي، والتدخلات الإقليمية السافرة، وتحول البلاد الى ساحة للنزاع الاقليمي، وربما الدولي تحت مبررات الحرب الكونية على الإرهاب، وترتب على ذلك الفشل نشوب معارك طاحنة بين فصائل المحاكم الإسلامية التي اندفعت تجاه «بيداوا»، المقر الموقت للمؤسسات الانتقالية، مما أعطى الفرصة لدخول القوات الإثيوبية دعماً للحكومة الانتقالية حتى استقرت في مقديشو وطردت قوات المحاكم التي سعت إلى تنظيم صفوفها للقيام بما يشبه حرب العصابات، وعقدت أخيرا مع قوى أخرى مؤتمراً للمعارضة في العاصمة الإريترية وشكلت جبهة سياسية، وربما عسكرية أيضا.

وعلى الرغم من أن مجلس الأمن قد أصدر قراراً بتشكيل قوات حفظ سلام أفريقية، وكان من المفترض أن يكتمل عددها 8000 جندي، فإنه لم يصل منها حتى الآن أكثر من 1500 جندي من أوغندا.

لا شك أن لكل تلك التداعيات آثارها على الإنسان الصومالي البسيط ومعاناته أملاً في الوصول إلى صومال مستقر متماسك، وهو ما سنوضحه في المقالة القادمة.

*غبقة الغبقات

في طريقنا لأفغوى، إذ يوجد نحو 30 ألف نازح بالإضافة إلى قرابة 300 ألف نازح آخر يصلهم الغذاء والدواء بصعوبة بالغة، لاحظت أننا في الكويت أصبحنا نعاني زخمة غير مسبوقة في إقامة الغبقات الرمضانية من كل جهة، فلم يعد بالإمكان حتى الإيفاء بهما فهي على طريقة «غبقة لكل مواطن» وعلى كل حال، إن استمرت ستنعكس على الحالة الصحية، وكذلك هي خير وافر للمطاعم وشركات التجهيزات الغذائية، كما انها قد أقرت رسمياً الأحزاب السياسية، إذ يزور كبار المسؤولين «غبقات» التنظيمات السياسية، وهو أمر يحسب لتلك الغبقات فقد حققت إقراراً حكومياً ورسمياً لإشهار الأحزاب السياسية لم تحققه الخطابات والمطالبات، فهل يصح لنا أن نقول إن الطريق إلى قلب الحكومة، وربما عقلها، هو بطنها!!

ولعله من المفيد، وحال «غبقاتنا» يمر في وضع من التشتت والتشرذم، وارتكازاً بل تأسيساً على مبادئ الوحدة الوطنية، أن يسعى «الغباقون» (أي أصحاب الغبقات) إلى التنسيق في ما بينهم واختيار يوم واحد من رمضان تقام فيه غبقة واحدة كبيرة تسمى «غبقة الغبقات»، وربما يتم اختيار ساحة العلم كمكان لإقامتها، أو يتم اختيار 3 أيام يتوزع فيها «الغباقون عليها في تنسيق وانسجام يعكس حالتنا المعوية المحزنة.

فعسى أن تحل غبقة الغبقات «أزمة الأزمات»... اللهم إنك سميع مجيب.

back to top