تعا ولا تيجي، واكذب عليّ!!

نشر في 11-01-2008
آخر تحديث 11-01-2008 | 00:00
 د. مأمون فندي

نتمنى أن يكون عمرو موسى هو «راجح» الطيب، لكن موقف اللبنانيين اليوم من زيارة عمرو موسى ملخصه أيضا «تعا، ولا تيجي، واكذب عليّ». ما يحدث في لبنان اليوم هو كذبة كبرى يتهم فيها الجميع إسرائيل وإيران وسورية والأميركيين والأوروبيين والعرب، ولا اتهام يوجه إلى الضيعة التي اسمها لبنان.

«تعا، ولا تيجي، واكذب عليّ» مقطع من أغنية فيروز التي تمثل المواقف العربية تجاه كل القضايا، أما جوهر قصة لبنان فهو في نفس الفيلم الذي جاءت فيه الأغنية، فيلم الرحابنة الغنائي «بياع الخواتم» والذي أتمنى أن تتاح للبنانيين من الجيل الجديد مشاهدته، بتبسيط شديد، يحكي الفيلم عن قرية اخترع مختارها «عمدة القرية» عدواً وهمياً اسمه «راجح»... شخص يأتي من الجبل ومن الأحراش ليهدد القرية، ولا يستطيع التصدي له إلا المختار «الفتوة القوي». كذبة اخترعها المختار وصدقتها القرية، سرق فضلو وعيد «وهما من أبناء القرية» ماعز الناس وألقيا بالتهمة على راجح، سرقا أموال العرافة وكان راجح متهماً مناسباً، نهبا الأثاث والثياب وطبعا راجح هو السارق، أما ريما بنت أخت المختار «ووزيرة إعلامه» فهي الوحيدة التي كانت تعرف أن راجح كذبة اخترعها خالها، وأن الكذبة كبرت وأصبحت «زلمة» أي رجلاً، وكان على القرية أن تستمر في هذه الكذبة.

كذب اللبنانيون على أنفسهم وصدقوا الكذب، كل ما حولهم متهم بتخريب لبنان وإثارة القلاقل وعرقلة أمن البلد واستقراره، فللأكثرية الحاكمة في لبنان «راجح» هو سورية، أما بالنسبة للمعارضة هناك إسرائيل التي تمثل «راجحهم»، وراجح هو بالطبع المتهم بتخريب لبنان لا اللبنانيون أنفسهم.

في الفيلم تدور معركة على الماء بين أهل القرية، ورغم أنهم يحتاجون إليه إلا أن سلاحهم في هذه المعركة كان أن يسكبوا الماء على بعضهم بعضاً، من الأرض ومن «بلكونات» المنازل، إنهم يهدرون ما قامت المشكلة أصلا من أجله، لتحقيق نصر وهمي!.

احتار المختار عندما أخبرته بنت أخته بأن هناك راجحاً حقيقياً جاء إلى القرية يسأل عنه، سألها هل تأكدت من هويته، «هل قرأت بطاقته؟»، قالت نعم إنه راجح، عندما سمع عيد وفضلو بالوجود الحقيقي لراجح قررا أن يسجنا نفسيهما طوعاً في سجن القرية، ولما اكتشف المختار أن راجح لم يكن سوى رجل فقير أراد بيع الخواتم في موسم الخطبة الذي تحتفل به القرية، قال:

«الحمد لله الذي بدل راجح الشرير بهذا الراجح الطيب». نتمنى أن يكون عمرو موسى هو «راجح» الطيب، لكن موقف اللبنانيين اليوم من زيارة عمرو موسى ملخصه أيضا «تعا، ولا تيجي، واكذب عليّ».

ما يحدث في لبنان اليوم هو كذبة كبرى يتهم فيها الجميع إسرائيل وإيران وسورية والأميركيين والأوروبيين والعرب، ولا اتهام يوجه إلى الضيعة التي اسمها لبنان، وكما غنت فيروز، «يا بياع الخواتم بالموسم اللي جايي جبلي معك شي خاتم، يا بياع الخواتم رح يتركني حبيبي احبسلي حبيبي بخاتم»... أتمنى في الموسم «اللي جايي» أن يستقر لبنان، ولا يحبس نفسه بكذبة كبرى إنما بخاتم محبة، فلبنان يستحق الحب، ولكن شريطة ألا يحب بجنون ليصبح حباً «مثل الكذب» كما يقول اللبنانيون.

* مدير برنامج الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية - IISS

back to top