تبعثر الكويت ... والـEntropy

نشر في 09-08-2007
آخر تحديث 09-08-2007 | 00:00
 ضاري الجطيلي

من السهل المضي في اتجاه التبعثر لأن تلك طبيعة الأمور، وعلاوة على ذلك فإن إصلاحها يتطلب بذل جهد كبير في بناء العقليات والثقافات من جديد، وليس ترقيع الرتوش على السطح.

لو نظرنا إلى التطور الحضاري الحديث لدولة الكويت، فسنجد أن عالم الفيزياء الألماني رودولف كلاوسيوس قد أعطانا وصفاً دقيقاً لسلبية ذلك التطور، عندما بلور القانون الثاني للديناميكا الحرارية، ففي إحدى صيغاته ينص القانون على أن الأنظمة الفيزيائية تسير بطبيعتها نحو التبعثر وعدم الانتظام، والإنتروبية entropy هي أحد أوجه الطاقة التي تقيس مدى ذلك التبعثر، وهي دائماً في ازدياد أو ثبات في أحسن الأحوال، وبمعنى أعم، فإنك لو قمت بصف قطع طابوق على شكل عمود منتظم، ثم حركت قطعة من الأساس في الأسفل سوف يهوي العمود وتتبعثر القطع على الأرض طبيعيا، ولكنك لو أعدت القطعة نفسها إلى مكانها فلن تعود بقية القطع للانتظام طبيعيا على شكل عمود منتصب، بل ستضطر إلى التدخل لصفها مجددا.

لو جعلنا الكويت منذ قيامها كدولة مستقلة هي المرادف للنظام الفيزيائي فسنجد أنها بدأت وهي في أوج استنارتها مع الاستقلال وكتابة الدستور وتأسيس المجتمع المدني قبل خمسة عقود، وبعد ذلك بقليل بدأت مسيرة التبعثر متمثلة في تزوير انتخابات 67، ثم الانقلاب الأول على الدستور في 76، وبدء سطوة الوصاية الدينية، ثم العبث بالنظام الانتخابي وما تبعه من ممارسات قبلية وطائفية وأزمة المناخ، ثم الانقلاب الثاني على الدستور في 86، ثم الغزو البعثي على الكويت، واستباحة سيادتها من قبل معتد خارجي وأموالها من قبل معتد داخلي، ثم الفساد والتخلف التنموي والسياسي والاقتصادي والثقافي. إذا فالأمور في تبعثر مستمر، كما علمتنا الفيزياء.

وكما أوجدت لنا الفيزياء مؤشرا للتبعثر، بحيث تزداد الإنتروبية بازدياده، فإن تاريخ الكويت الحديث في مراحله المختلفة أوجد لنا أوجه مرادفة؛ كمحكمة أمن الدولة، والرقابة المسبقة على الصحف، وحل الجمعيات والنقابات، وقوانين المطبوعات والتجمعات، والتشبه بالجنس الآخر وعمل المرأة، وجهاز خدمة المواطن والعلاج في الخارج، واللجنة الأوليمبية واتحاد الكرة، وثلاثي الفساد وكثير من سياسيينا، إذ إن وجود هذه المظاهر في أي دولة هو مؤشر كاف لقياس مدى التبعثر الذي تعيشه، ولعل الحديث المتجدد عن انقلاب ثالث محتمل على الدستور في الشهور القليلة المقبلة، هو مؤشر آخر للمزيد من التبعثر.

يبقى على القوى المستنيرة أن تستوعب ما علمنا إياه كلاوسيوس قبل مائة وخمسين عاما بأنه من السهل المضي باتجاه التبعثر لأن تلك طبيعة الأمور، وعلاوة على ذلك فإن إصلاحها يتطلب بذل جهد كبير في بناء العقليات والثقافات من جديد، وليس ترقيع الرتوش على السطح، تماما، كما اضطررت في مثالنا الأول أن تبني العمود من جديد وليس فقط إعادة القطعة إلى مكانها بعد تحريكها.

***

Dessert:

كلمات «تبعثر» و«بعث» و«عبث» مشتقة من الحروف نفسها ... مفارقة.

back to top