الإفلات من مصيدة الفقر

نشر في 23-10-2007
آخر تحديث 23-10-2007 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت تحسين تغذية الأطفال الرضّع والأطفال الصغار من خلال تشجيع الإرضاع بالثدي والإلمام بالأغذية الضرورية في مرحلة الفطام يشكل فرصة، ومن شأنه أن يعود بفوائد تتجاوز خمسة إلى سبعة أمثال التكاليف.

إن هدف القضاء على الفقر لابد أن يظل على قمة أولويات الأجندة السياسية في أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، حيث التفاوت بين الناس أعظم من أي منطقة أخرى، وحيث واحد من كل خمسة أفراد يعيش على ما يزيد قليلاً على دولارين أميركيين في اليوم (قياساً إلى سعر الصرف المعدل طبقاً لقوة الشراء في العام 1993).

إن الفقر يشكل ظاهرة ديناميكية متأصلة. فالفقراء يسقطون في فخ الأصول (أو القدرات) المتدنية المستوى. وعلى هذا، فلابد أن تسعى جهود تقليص الفقر إلى توفير الحوافز التي من شأنها أن تشجع الفقراء على اكتساب الأصول والقدرات التي ستمكنهم من الإفلات من مصيدة الفقر في المستقبل.

بطبيعة الحال، سوف يكون من المستحيل أن نشن غارات جادة ضد الفقر من دون النجاح في توليد النمو الاقتصادي المستدام، لكن اعتماداً على الأداء الاقتصادي الذي شهدته القارة طيلة الخمسة عشر عاماً الماضية، فإن النمو وحده ليس من المرجح أن ينجح في تقليص الفقر بنسبة تتجاوز %25 في غضون السنوات العشر المقبلة، حتى إذا ما نجح صنّاع القرار في خلق البيئة اللازمة لمكافأة الاستثمار على نحو أفضل وبالتالي تعزيز النمو الأسرع، فلن يكون هذا كافياً لعلاج المشاكل التي تواجهها أميركا اللاتينية.

إن المستوى المرتفع من التفاوت في الدخول يتطلب جهوداً نوعية لتقليص الفقر.

من المظاهر الواضحة التي تتسم بها أميركا اللاتينية الآن، أن عملية إعادة التوزيع الجارية حالياً ضئيلة للغاية. فالضرائب بصورة عامة غالباً ما لا تكون ذات تأثير يذكر على عملية إعادة توزيع الثروة، وذلك لأن أغلب الدول تعتمد بشدة على الضرائب غير المباشرة، وحتى نظام الضرائب في تشيلي وهو الأكثر نجاحاً في أميركا اللاتينية يتسم بالرجعية في الواقع الفعلي للأمر.

والحقيقة أن عائدات ضريبة الدخل الشخصي المنخفضة في أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، تقترح أن المجال متاح أمام صناع القرار لزيادة الرسوم الضريبية حتى يمكنهم جمع المزيد من الأموال لتوزيعها على من يحتاجون إليها.

إن زيادة الاستثمارات العامة في رعاية الأطفال أثناء السنوات الأولى من حياتهم تشكل أهمية كبرى على الصعيد الاقتصادي، ذلك أن سوء التغذية الحاد في السنوات المبكرة من الطفولة يؤدي إلى الإضرار بنمو الإدراك لدى الطفل، والنمو المفقود في السنوات المبكرة من حياة الطفل غير قابل للتعويض، ومن المؤكد أن اتخاذ الإجراءات اللازمة لتقليص انتشار نقص الحديد، وفيتامين أ، والأيودين، والزنك، والأنيميا الذي مازال واضحاً إلى حد كبير في بعض بلدان المنطقة سوف يخلف تأثيرات إيجابية هائلة.

إن تحسين تغذية الأطفال الرضّع والأطفال الصغار من خلال تشجيع الإرضاع بالثدي والإلمام بالأغذية الضرورية في مرحلة الفطام يشكل فرصة، ومن شأنه أن يعود بفوائد تتجاوز خمسة إلى سبعة أمثال التكاليف.

من بين الخيارات الأخرى المطروحة أمام صناع القرار في أميركا اللاتينية استخدام التحويلات المالية المشروطة. فلقد تم تصميم مثل هذه البرامج لتقليص الفقر من خلال جعل برامج الضمان الاجتماعي مشروطة بتصرفات المتلقي. وقد يكون شرط إرسال الأطفال إلى المدرسة بصورة منتظمة أو اصطحابهم إلى الطبيب للفحص من بين المعايير اللازمة لتلقي المعونة.

تطبق المكسيك الآن برنامجاً شاملاً تحت مسمى PROGRESA، وهو يقدم منحا تعليمية موجهة للأطفال، فضلاً عن توفير الرعاية الصحية والمكملات الغذائية للنساء الحوامل، والأمهات المرضعات، والأطفال تحت سن الخامسة، والفحوصات الطبية السنوية لأفراد الأسرة الآخرين. وفي العام 2002 غطى البرنامج خمُس سكان المكسيك، حيث قدم للمستفيدين دفعات وصلت إلى %20 من نفقاتهم الإجمالية.

تشير الأدلة المستقاة من هذا البرنامج وغيره من البرامج الأصغر نطاقاً إلى زيادة ملحوظة في استهلاك الأسر، وتقلص الفقر على الأمد القريب، كما نجحت هذه البرامج في تحسن معدلات الالتحاق بالمدارس ونسب الحضور، برغم أنها لم تؤثر كثيراً على مستويات الإنجاز. وتؤكد الدراسات أيضاً أن هذه البرامج تعمل على تحسين صحة الأطفال والبالغين.

فضلاً على ذلك، فلم نرَ من الأدلة ما يشير إلى تسبب مثل هذه البرامج في توليد حوافز سلبية، مثل انخفاض معدلات التحاق البالغين بسوق العمل أو ارتفاع معدلات الخصوبة. بل إن الأمر على العكس من ذلك، فقد وجدنا من الأدلة ما يؤكد أن الأسر المستفيدة قد زادت من مشاركتها في الأنشطة التجارية الصغيرة، فضلاً عن أنشطة الاستثمار في الإنتاج الزراعي.

إن مثل هذه الفوائد، من وجهة نظر اقتصادية، تعادل ضعف تكاليف البرنامج على الأقل، حيث تتلخص النفقات الأساسية في المبالغ النقدية المحولة إلى الأسر.

إن مشاريع تنمية الطفولة المبكرة المصممة لتحسين نمو الأطفال على المستويات البدنية، والعقلية والاجتماعية تشكل مجموعة ثالثة فعّالة من سياسات إعادة توزيع الثروة. وينتمي نطاق واسع من التدخلات إلى هذه الفئة. ومن بينها على سبيل المثال، مراقبة النمو، وخدمات الرعاية النهارية، والأنشطة التي يمارسها الأطفال الذين لم يبلغوا بعد سن المدرسة، أو تحسين الصحة العامة وخدمات الرعاية الصحية، والعمل بشكل مباشر مع الأطفال.

ومن الممكن أن تتضمن أيضاً خدمات تدريبية للمعلمين، وتعزيز الموارد والقدرات المؤسسية والمجتمعية.

استنتج الباحثون في مجال برامج تنمية الطفولة المبكرة في أميركا اللاتينية أن المشاركة في هذه البرامج يرتبط بتحسين استعداد المدارس، وارتفاع احتمالات الالتحاق بالمدارس الابتدائية، وانخفاض معدلات التسرب من المدارس، وتحسين الأداء الأكاديمي الإجمالي. وطبقاً للتقديرات فإن الفوائد الاقتصادية المترتبة على هذه البرامج تتراوح ما بين خمسة إلى تسعة عشر أضعاف التكاليف، وهي نتيجة مذهلة.

إن أي خطة لتقليص الفقر في أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي لابد أن تمتد إلى ما هو أبعد من التحويلات النقدية المشروطة، والتدخلات في مرحلة الطفولة المبكرة في أمور مثل التغذية والتعليم. وبرغم عدم توافر الأدلة اللازمة لتقييم نسبة التكاليف إلى الفوائد فيما يتصل بالسياسات النوعية، فإن الأدلة المتاحة تشير إلى أن صناع القرار لابد أن يهتموا أيضاً بتحسين المناهج التعليمية، وخلق المزيد من حقوق الملكية المضمونة عن طريق استصلاح الأراضي، وتشجيع تمويل المشاريع الصغيرة، وتحسين البنية الأساسية في المناطق الريفية.

لقد انخفضت معدلات الفقر في المنطقة بصورة طفيفة خلال العقدين الماضيين، إلا أن تخفيف مستويات التفاوت الهائلة يتطلب الالتزام الجاد بالسياسات القادرة على تشجيع الفقراء على اكتساب السبل اللازمة للإفلات من الفقر في المستقبل. وفي المقام الأول من الأهمية، يتعين على صناع القرار أن يحرصوا على استمرار هدف مكافحة الفقر على رأس أولوياتهم.

* بيورن لومبورغ | Bjørn Lomborg ، أستاذ مساعد في كلية كوبنهاغن للتجارة، ومؤسس ومدير "مركز إجماع كوبنهاغن"، ومؤلف كتاب "البيئي المتشكك" وكتاب "اهدأ"، وهو محرر "مقدار تكلفة المشاكل العالمية بالنسبة إلى العالم؟" و سباستيان غالياني استاذ مساعد في جامعة واشنطن في سانت لويس

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top