لماذا تبذل جهدًا و بإمكانك الكسل؟ الاقتباس في السينما المصرية... حيلة العاجز
«خليج نعمة» مقتبس عن فيلم «النوم مع العدو» الذي قدمته جوليا روبرتس قبل أعوام، وفيلم «خارج على القانون» متهم بأن فكرته الرئيسة منسوخة من سيناريو آخر لمحمد علاء الدين كان عرضه قبل أعوام على المخرج أحمد نادر جلال، لكنه تعثر لأسباب كثيرة قبل أن يفاجأ بالفكرة الرئيسة فيه منفذة بتصرف في فيلم «خارج على القانون».
كتب السيناريست بلال فضل «خارج على القانون» وهو ينفي صحة اقتباسه الفيلم رغم أنه سبق واتهم باقتباس عمله «واحد من الناس» من سيناريو لعباس أبو الحسن. أما فيلم «الجزيرة» فرغم النجاح الذي حققه إلا أنه مأخوذ عن قصة لأحد أباطرة تجارة المخدرات. ليست هذه الأفلام فحسب هي التي لجأ صناعها إما إلى الاقتباس أو «السطو بتصرف». شهدت الساحة السينمائية أخيرًا كثيرًا من الأفلام لم يفلت صانعوها من هذا الاتهام، خصوصًا أن الاقتباس تجاوز المضمون وامتد إلى المشاهد التي نقلت حرفيًا، ما يجعلنا نسأل عن السر وراء لجوء بعض كتاب السينما للاقتباس بكل أشكاله وهل هناك عجز في الإبداع؟ أم أنهم يطبقون شعار «لماذا تبذل جهدًا طالما بإمكانك أن تتكاسل»؟ ما الفرق بين السرقة والاقتباس؟خارج عن الإبداعلا يرى الناقد السينمائي محمود قاسم فارقًا بين الاقتباس والسرقة في السينما المصرية لأنّ شروط الاقتباس، كما يقول، صعبة لكن الاقتباس من وجهة نظره لا ينفّذ بدقة ما يدخل صانعيه في دائرة السرقة. يوضح في هذا المجال: «يتطلب الاقتباس ذكر اسم المؤلف الحقيقي بعد استئذانه بوصفه حقه المعنوي، بالاضافة الى حقه المادي اي دفع المبلغ الذي يطلبه. في حال وفاته يفترض ان يذكر اسمه ويدفع المال لمن ينوب عنه وهذا ما لا يحدث عندنا. لذا يتساوى الاقتباس في السينما المصرية مع السرقة». يواصل قاسم: «ثمة ما يدعى «المحاكاة» وفيها يحاكي المؤلف فكرة القصة، لكنه لا يقتبسها مثل فيلم «عريس من جهة أمنية» ليوسف معاطي الذي حاكى فيه قصة الفيلم الأميركي «أبو العروسة» بالإضافة إلى أفلام أخرى لا تعتبر اقتباسًا بالمعنى الحرفي أو سرقة، لكنها محاكاة مثل «الجزيرة» المأخوذ عن قصة واقعية فهو غير مسروق أو مقتبس».يرجع قاسم سبب لجوء كتاب السيناريو إلى الاقتباس أو السرقة أو حتى المحاكاة إلى ضعف الإمكانات الإبداعية وفقرهم فنيًا وإلى الرغبة في اللعب على المضمون: «إذا كانت القصة نجحت كفيلم من قبل إذن فنسبة نجاحها مرة أخرى كفيلم عربي كبيرة». يختلف الناقد الكبير رفيق الصبان مع قاسم في المساواة بين الاقتباس والسرقة فالاقتباس، كما يرى الصبان، مشروع وحتى الافلام الأميركية اقتبس بعضها عن أفلام فرنسية أو إيطالية والعكس صحيح. يبين في هذا الإطار: «إذا كان كثر لا يشيرون إلى صاحب النص الأصلي فثمة من يشيرون ومنهم على سبيل المثال وحيد حامد الذي أشار إلى «جزيرة الماعز» عندما اقتبس منه فيلمه «الراعي والنساء» وأنا اشرت في فيلمي «قطة على نار» إلى صاحب القصة الأصلي».أما عن محاكاة الواقع فيرى الصبان أن أفضل الأعمال هي تلك التي تحاكي الواقع: «جرت العادة على عدم الإشارة صراحة إلى القصة المأخوذ عنها الفيلم، لكن يكفي أن يقول إنها مستوحاة من أحداث واقعية».يرى الصبان أنّ الكتّاب الذين يلجأون إلى السرقة يعجزون عن الإبداع، لكن الاقتباس بنظره مع الإشارة إلى صاحب القصة الأصلية ليس معيبًا وإلا دخل في نطاق السرقة.رؤى مغايرةيشن الكاتب والسيناريست عاطف بشاي هجومًا على الكتّاب والمؤلفين متهمًا إياهم بضعف الأخلاق والعجز عن الإبداع ويتفق مع محمود قاسم في أنه لا فارق بين السرقة والاقتباس في السينما المصرية قائلاً: «لا يجتهد الكتّاب في اقتباس ملامح الفكرة الأساسية ثم يبنون عليها قصة أخرى بمضامين مختلفة ورؤى مغايرة تتناسب والحالة المصرية والعربية، لكنهم ينقلون الأفلام بكاملها ولا يتدخلون حتى في تغيير أسماء الشخصيات أو إضفاء النكهة المصرية على الحوار فحسب. يدلّ هذا على فقر الإبداع وضعف الأخلاق. أذكر أنّ أستاذنا علي الزرقاني حينما اقتبس فيلم «العذاب امرأة»، وهو أول فيلم للمخرج محمد يحيى، كتب في العنوان أنه مقتبس من مسرحية «الأب لستراندبرج» رغم أنه لم يأخذ شيء منها، لكنه يحاكي الفكرة الأصلية فحسب، بينما الكتاب اليوم يسرقون تفاصيل الفيلم كاملة والمشاهد أيضًا دونما الإشارة إلى المصدر الأصلي. للأسف أي عاطل الآن لا يجد لنفسه عملاً يعمل ككاتب سيناريو، أصبحت الكتابة «مهنة من لا مهنة له» و90% من الكتاب الحاليين ليسوا مثقفين ولا يجيدون حتى القراءة والكتابة.