الفيلم وِحش!

نشر في 02-05-2008
آخر تحديث 02-05-2008 | 00:00
 د. مأمون فندي

طلب مني صديق أن أشاهد فيلم عادل إمام الأخير «مرجان أحمد مرجان»، وقبله بفترة قصيرة كنت قد شاهدت فيلم يوسف شاهين الأخير أيضا «هي فوضى». في كلا الفيلمين لم تكن هناك سوى سمعة عادل إمام وسمعة يوسف شاهين، أما الفيلمان فهما من أسوأ ما شاهدت في أفلام السينما قاطبة. «مرجان أحمد مرجان» هو مقال سيئ ضد الفساد قرر صاحبه أن يحوله فيلما مستندا إلى رصيد عادل إمام. الفيلم بسذاجته الدرامية كان أشبه بأفلام الكرتون المطعمة بنكتة هنا و«أفشة» هناك. أما فيلم شاهين فقد كتبت في مقال سابق أنه لا يصلح مشروع تخرج لطالب بمعهد السينما. هو أيضا مقال سيئ ضد الشرطة المصرية تمت «أفلمته» مرتكزين على القدسية التي أسبغها المصريون على يوسف شاهين.

مشهد حفل التخرج في جامعة المستقبل في فيلم «مرجان أحمد مرجان» الذي يلقي فيه عادل إمام كلمة ويهدي ميرفت أمين شبكة الخطوبة، هو نفسه مشهد محمد هنيدي في فيلم «صعيدي في الجامعة الأمريكية». نفس الضعف والهلهلة والخطابية وعدم احترام عقل المشاهد الذي يعرف كيف تكون حفلات التخرج في الجامعات. الصعيديون الذين شاهدوا «فيلم صعيدي في الجامعة الأمريكية»، ضحكوا على خيبة هنيدي في تقليد اللهجة. وربما يكون خبراً لمن لا يعرفون الصعيد، أن أقول لهم بأنه لا توجد لهجة صعيدية. في الصعيد تختلف اللهجة ليس من محافظة إلى محافظة أو من مركز إلى مركز، إنما من قرية إلى قرية ومن نجع إلى نجع. ففي مساحة خمسة كيلومترات في محافظة قنا مثلا، يقول أهل قرية الخطارة «إي» بمعنى نعم، ينطقونها كما الحرف الإنكليزي (E). ولا غرابة في ذلك، فقد وردت في القرآن الكريم بمعنى نعم «وقل إي وربي». بينما نقول في كوم الضبع الملاصقة للخطارة «إن» بمعنى نعم، وهي فصيحة أيضا. ويجر أهل الخطارة مخارج الحرف، ولا تجر الحروف قرى أخرى إلى جوارها. هذا التباين في اللهجات داخل منطقة واحدة في قنا، ونتيجة لعدم التواصل عبر القرون احتفظت كل قرية بلهجتها. أما ما يتبناه التلفزيون والسينما عن الصعيد بعاداته ولهجاته، فهو صورة نمطية ممجوجة وساذجة. الفنان الذي يحترم فنه عليه أن يقضي وقتا في المنطقة التي تدور أحداث عمله الفني حولها، ليتعلم لهجتها ويلم بمفاتيحها الثقافية، كما يفعل كل الممثلين المحترفين في العالم، حيث يقضي الواحد منهم شهوراً في المنطقة موضوع الفيلم، ليتعرف عن قرب عادات وتقاليد ولغة أهل البلاد.

لن أدخل هنا في أن فيلم «صعيدي في الجامعة الأمريكية» هو أيضا خطبة سينمائية ضد أمريكا والأمريكان، نفس الشيء ينطبق على «السفارة في العمارة»، خطب يمكن أن تقرأها في أي صحيفة «بلدي» من إياهم. ما تقدمه السينما المصرية اليوم، يمكن أن يسمى أي شيء غير كونه فنا سينمائيا، ومع ذلك بيننا من يعتقد أن العالم يمكن أن يشاهد فيلماً دون كل المعايير الفنية، فيضع شريط ترجمة مصاحبا لهذا الفيلم «الوحش». من فضلكم «خلوا الفضيحة داخلية ولا داعي لعولمتها».

ما ينسحب على السينما في مصر ينسحب على الحياة الاجتماعية والسياسية والصحافية أيضا. تفرض علينا الوجوه ومن كثرة التكرار لا نستطيع أن نقول إنها وجوه سيئة، أو على الأقل، لا نستطيع نقدها وكأنها غدت مقدسة. العمل الفني كما العمل السياسي كما العمل الصحافي، يحتاج إلى النقد الجاد كي يتطور ويتقدم. فلا أحد يبقى نجماً لا يجانبه الخطأ ولا الهفوات طوال الحياة. لو نقد يوسف شاهين نقداً فنياً حقيقياً لما قدم لنا بعد كل هذه المسيرة الفنية فيلما فوضويا مثل «هي فوضى»، ولو أخضع عادل إمام الذي أضحكنا حقا في «مدرسة المشاغبين» للنقد والملاحظة الجادة لما قدم لنا اليوم فيلما يستهزئ بالعقول من حيث البناء الدرامي والفني مثل فيلم «مرجان أحمد مرجان».

لا أحد ينكر دور عادل إمام أو يوسف شاهين، فهما قد أسهما كثيرا في مسيرة الفن المصري، لكنهما ليسا بمنزهين عن الخطأ، وبالتالي من المفترض أنهما خاضعان للنقد.

من السينما إلى السياسة إلى الصحافة، من الحكومة إلى المعارضة، في مصر اليوم، «الفيلم كله وحش».

* رئيس برنامج الشرق الأوسط بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية- IISS

back to top