مؤشر العلاقات عبر الأطلسية

نشر في 30-10-2007
آخر تحديث 30-10-2007 | 00:00
إن زعماء أوروبا الرئيسيين الجدد غوردون براون في بريطانيا، وميركل في ألمانيا، وساركوزي في فرنسا، ينتمون جميعاً إلى جيل لم يعد يتأثر عاطفياً بمشروع التكامل الأوروبي. وكل ما يربطهم بأوروبا - إن كان هناك أي رابط - هو على أفضل تقدير رباط عقلاني وليس عاطفياً. لكن هل تكون العقلانية الهادئة كافية لبناء ركيزة الأمن الأوروبي في سياق هذا التحالف؟
 بروجيكت سنديكيت كيف نستطيع أن نقيّم حالة العلاقات عبر الأطلسية اليوم؟ إذا ما نظرنا إلى «وول ستريت» فقد نستطيع أن نقول إن التحالف قد استيقظ بعد طول سبات، فأوروبا في كساد، والولايات المتحدة في انحدار واضح.

لقد استيقظ التحالف لسبب أساسي واحد: الدفء الذي طرأ على العلاقات بين فرنسا والولايات المتحدة في أعقاب انتخاب نيكولا ساركوزي رئيساً لفرنسا. فللمرة الأولى منذ أسس شارل ديغول الجمهورية الخامسة لم تعد الأولوية الأولى لفرنسا أن تعيش في معارضة دائمة للولايات المتحدة.

الحقيقة أن علامات هذا التحول عميقة ومؤثرة. فمن تشديد الموقف الفرنسي في التعامل مع إيران إلى الدفء الحقيقي في العلاقات مع إسرائيل، ناهيك عن الإشارات الرمزية، مثل إجازة الصيف التي قضاها ساركوزي في أميركا، ورحلة وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير إلى بغداد، كل هذا يعبر عن فرنسا جديدة، فرنسا التي تفكر بجدية في العودة إلى البنية العسكرية المتكاملة لحلف شمال الأطلنطي.

جاء هذا التحول الفرنسي نتيجة لحسابات سياسية ومشاعر عميقة. فالفرنسيون في نظر ساركوزي ليسوا مناهضين لأميركا، بل إنهم ببساطة مناهضون لبوش. وفي ظل هذا الاستعداد لقطع الصلة بالماضي وخاصة تراث جاك شيراك وبإضفاء صبغة عالمية على هذا «التفويض بالتغيير»، يعمل ساركوزي على تمهيد الطريق أمام أميركا في مرحلة ما بعد بوش التي اقتربت.

فضلاً عن ذلك، فإن ساركوزي يعلم أن «عودة فرنسا» كلاعب مؤثر في أوروبا تستلزم تقرب فرنسا من أميركا، الأمر الذي من شأنه أن يعمل بصورة تلقائية على التقريب بين فرنسا وألمانيا وبريطانيا العظمى، ناهيك عن بولندا وإيطاليا. ومن الجانب العاطفي أيضاً، سنجد أن «ساركوزي الأميركي، ساركوزي الفاعل»، الذي يريد أن يكون الحكم عليه من خلال أفعاله، يميل إلى النظر إلى نفسه باعتباره تجسيداً للحلم الأميركي في بلاد الغال. فهو من نسل مهاجرين، وهو ذلك الخارجي الذي صعد إلى القمة، والدليل الحي على الانفتاح الفرنسي.

وفي الولايات المتحدة أيضاً تغير الموقف إزاء التحالف مع أوروبا إلى حد بعيد. فقد كان الفشل في العراق، وخطر تحول أفغانستان إلى عراق ثانية، والتوجه المعادي الجديد الذي تتبناه روسيا، من الأسباب التي دفعت أميركا إلى التحول عن تحفظها المتغطرس الذي اتسمت به أغلب مدة ولاية بوش إلى إعادة اكتشاف قيمة التحالف.

إن أميركا تحتاج إلى حلفاء، وهي ليست مشغولة بالقوة الكامنة في هؤلاء الحلفاء. وكما عبر عن هذا أحد الدبلوماسيين الأميركيين حين قال: «إن آخر ما يشغل بالي حين أستيقظ في الثالثة صباحاً هو أن أوروبا أصبحت أقوى مما ينبغي».

إلا أن التقارب في العلاقات بين فرنسا والولايات المتحدة لا ينبغي أن يحجب حقائق أخرى؛ الحقيقة الأولى، أن حلف شمال الأطلنطي أصبح في أفغانستان عرضة لخطر ملاقاة أول هزيمة عسكرية له. فمن أين تأتي القوات الجديدة التي يحتاجها بشدة؟ وها هي تركيا، العضو الرئيسي في التحالف، قد تكون على وشك خوض مغامرة عسكرية خطيرة في المنطقة الكردية من شمال العراق.

الحقيقة الثانية، أننا لا نستطيع أن نتحدث عن حلف شمال الأطلنطي من دون أن نلاحظ أن الركيزتين الأساسيتين اللتين يقوم عليهما الحلف أوروبا والولايات المتحدة ليستا في حالة طيبة. وقد تعتبر سياسات ساركوزي الجديدة بمنزلة نبأ طيب بالنسبة إلى التحالف، إلا أن سياسته الأوروبية تُـعَد مصدراً للانزعاج بالنسبة إلى أوروبا. فبينما يزعم أن أوروبا على رأس أولوياته، سنجد أن أساليبه تتناقض مع نواياه المعلنة.

لقد تعززت الكيمياء الشخصية الصعبة بين ساركوزي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بسبب هجماته المتواصلة على البنك المركزي الأوروبي ورئيسه جان كلود تريشيه، لكن كيف يستطيع المرء أن يدافع عن التحالف باسم أوروبا ثم يعمل في الوقت نفسه على إضعاف أوروبا بهذه النوبات من الشعوبية والقومية الاقتصادية؟

إن زعماء أوروبا الرئيسيين الجدد غوردون براون في بريطانيا، وميركل في ألمانيا، وساركوزي في فرنسا ينتمون جميعاً إلى جيل لم يعد يتأثر عاطفياً بمشروع التكامل الأوروبي. وكل ما يربطهم بأوروبا - إن كان هناك أي رابط - هو على أفضل تقدير رباط عقلاني وليس عاطفياً، لكن هل تكون العقلانية الهادئة كافية لبناء ركيزة الأمن الأوروبي في سياق هذا التحالف؟

أما أميركا فهي في انحدار، سواء على صعيد القوة الإيديولوجية «الناعمة» أو القوة العسكرية «الصارمة». وبرغم أن الولايات المتحدة مازالت الدولة الأعظم قوة في العالم، لاسيما على المستوى العسكري، إلا أنها تواجه الآن مسائل جوهرية تتعلق باستخدام القوة والجدوى من استخدامها حين يتصل الأمر بالقوة.

لقد بات من الواجب على الأميركيين والأوروبيين اليوم أن يظهروا بعض التواضع. فعلى النقيض من الحال حين ظهر الحلف إلى الوجود، أصبح العالم اليوم يسير وفقاً لنظام متعدد الأقطاب، حيث هبطت حصة الغرب على الصعيدين الديموغرافي والاقتصادي، وحيث بات لزاماً على الغرب الآن أن يتنافس مع نماذج شمولية ناجحة مثل الصين، بل وحتى روسيا.

في هذا السياق الجديد بات التضامن يشكل عاملاً حاسماً أكثر من أي وقت مضى. فمازالت الآراء بشأن الولايات المتحدة سلبية إلى حد كبير في أوروبا، ولسوف تظل على هذه الحال حتى يحين موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في العام 2008 على الأقل. وعلى نحو مماثل، سنجد أن نظرة الولايات المتحدة إلى فرنسا وأوروبا تتحسن ولكن ببطء شديد.

لن يتسنى للغرب أن يجدد من نفسه إلا باحترام القيم المشتركة وليس بدفع الخلافات إلى التفاقم والاستفحال. وربما يكون الحلف قد «استيقظ»، إلا أن موقفه الجديد مازال غامضاً.

* دومينيك مويزي | Dominique Moisi ، مؤسس وكبير مستشاري المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (Ifri)، ويعمل حالياً أستاذاً في كلية أوروبا في ناتولين بمدينة وارسو

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top