أذربيجان 2- 4: إدارة العلاقات الدولية ومسألة قره باغ

نشر في 01-05-2008
آخر تحديث 01-05-2008 | 00:00
 د. مصطفى اللباد خبرت أذربيجان المصداقية المتدنية للقرارات الدولية الصادرة لمصلحتها من مجلس الأمن، والقاضية بحقها في استرجاع إقليم قره باغ، وتوصل صانع القرار فيها إلى نتيجة مفادها أن التحالف مع الولايات المتحدة الأميركية هو السبيل الأنجع لاسترداد أراضيها المحتلة، وبعد التأكد من الاحتياطات الضخمة من غاز ونفط بحر قزوين ونصيب أذربيجان منه؛ فقد انقلبت معادلة النزاع رأساً على عقب واكتسبت أذربيجان بعداً جيو-سياسياً ضخماً؛ حيث إن الحجم الضخم لنفطها يجعلها أحد المرتكزات المؤثرة في صياغة الاستراتيجية العالمية الجديدة للطاقة. وبالتوازي مع هذه الحقيقة، فقد تبنى الرئيس السابق حيدر علييف طريقة في إدارة العلاقات الدولية تنتقل بأذربيجان راديكالياً من منظومتها السوفييتية السابقة إلى تحالف وثيق مع واشنطن ومع شركات النفط الأميركية، الأمر الذي جعله يحل ضيفاً على واشنطن للاجتماع مع نظيره الأميركي في عام 1994.

تصدر جدول أعمال هذا الاجتماع موضوعان هما النفط الأذربيجاني في بحر قزوين، وكذا الصراع في قره باغ. أما الموضوع الأول فشكل المحور الرئيس والمستقل للمباحثات، في حين كان الموضوع الثاني المتغير التابع، والذي تتحدد نتائجه على نتائج الموضوع الأول، وعليه فقد كانت «الإيجابية التعاقدية» لصانع القرار الأذربيجاني، الذي وقع عقوداً بعشرات المليارات من الدولارات تعطي الشركات الأميركية الشطر الأكبر في «شركة نفط أذربيجان الدولية» AIOC ، المالكة لنفط أذربيجان، وراء الوعد الأميركي بإلغاء قرار الكونغرس بمنع المساعدات عن أذربيجان وكذلك بدعم مواقفها التفاوضية في مواجهة أرمينيا.

تتعرض أرمينيا من وقتها لضغوط عنيفة يقترحها «الوسطاء الدوليون»، كي تستجيب للحلول الوسط، والقاضية بأن يحتفظ إقليم قره باغ المتنازع عليه بنظام اقتصادي مغاير؛ وبقوات شرطة خاصة؛ وبأن يخضع ممر لاتشين -الموصل بين أرمينيا وإقليم قره باغ- لإشراف دولي؛ وكذلك إقرار الأطراف المتنازعة بوحدة الأراضي الأذربيجانية. كان الموقف الأميركي الجديد حاسماً في تغيير موازين الصراع لمصلحة الطرف الأذربيجاني على حساب خصمه الأرميني، الأمر الذي يعني بالتالي تغييرها لمصلحة الشركات النفطية العملاقة، وذلك ضمناً لمصلحة استراتيجية الطاقة العالمية الأميركية الجديدة، ومن الصعوبة بمكان فصل الترحيب الأميركي بأذربيجان عن ظهور جماعات الضغط ذات المصالح المتعلقة بالنفط الأذربيجاني في الولايات المتحدة الأميركية، وهي جماعات مشتقة بالأساس من لوبي النفط الأميركي، والذي زادت مواقعه قوة على قوتها في ظل إدارة الرئيس الحالي جورج دبليو بوش. وبالمجمل فإن صعود الدور الأذربيجاني المرتكز على ضخامة الاحتياطيات النفطية، قوض الأهمية السياسية لأرمينيا لدى واشنطن بشكل جعل حسم الصراع على قره باغ رهناً باحتياجات الاقتصاد الأميركي، وفي القلب منه شركات النفط.

يكفي أن نعرف أسماء بعض أعضاء اللوبي النفطي المساند لأذربيجان في الولايات المتحدة الأميركية؛ لتبيان العلاقة العضوية بين شركات النفط الأميركية والصراع على قره باغ. يتصدر هؤلاء ريتشارد تشيني (الملقب بديك تشيني) نائب الرئيس الذي عمل كمستشار لعدة شركات نفطية أذربيجانية، وجيمس بيكر وزير الخارجية الأسبق، إذ هو المحامي العام لشركة نفط أذربيجان الدولية. وتضم هذه الفئة الاستراتيجي الأميركي الأشهر ومستشار الأمن القومي الأسبق زبغنيو بريجينسكي، والذي يعمل مستشاراً لشركة «أموكو» العاملة في أذربيجان. ولا يقتصر أعضاء اللوبي الأذري عند هؤلاء فقط، بل هناك أيضاً برنت سكوكروفت مستشار الأمن القومي الأسبق مستشار شركة «بنز أويل» العاملة في أذربيجان، بالإضافة إلى ليود بنتسين وزير المالية الأميركي الأسبق وهو مستشار لعدة شركات نفطية في أذربيجان، وجون سنونو المتحدث الأسبق باسم البيت الأبيض، والذي يعمل مستشاراً لعدة شركات نفطية في أذربيجان.

فشلت المفاوضات التي جرت حتى الآن سواء في فرنسا أو الولايات المتحدة الأميركية بين أذربيجان وأرمينيا في الوصول إلى حل مقبول من الطرفين، بسبب عدم رغبة الأرمن في الانسحاب من أراض احتلوها بالقوة العسكرية من دون الحصول على مكاسب سياسية ترضي أمانيهم القومية، ولا يغيب عن الأذهان في هذا السياق أن الرئيس السابق لأرمينيا، روبرت كوتشاريان، بدأ صعوده السياسي قائداً لميليشيا الأرمن في قره باغ، ثم وزيراً للدفاع في أرمينيا، قبل أن يطيح بالرئيس الأسبق تير بتروسيان بدعوى استعداده للقبول بتسويات تتنافى وتضحيات الأرمن و«حقوقهم التاريخية» في قره باغ. أما الرئيس الأرميني الحالي سيرج سركيسيان فمولود بدوره في إقليم ناغورنو قره باغ في تأكيد إضافي على تعلق النخبة الأرمينية بالإقليم الذي يؤدي دوراً كبيراً في شرعية الرؤساء في أرمينيا. وتعي النخبة الأرمينية جيداً أن موازين القوى الدولية بدأت تميل لمصلحة أذربيجان خصوصاً في عصر إلهام علييف الذي ورث الحكم عن أبيه حيدر علييف كما ورث عنه طريقته في إدارة العلاقات الدولية، وعليه يعتقد شطر كبير من الأرمن حالياً أنه من الأفضل مقايضة المكاسب العسكرية التي تحققت سابقاً ببعض المغانم الاقتصادية حالياً، لضمان الخروج بالحد الأدنى من المكاسب في مواجهة تحالف لا يقوى الأرمن ولا حليفتهم روسيا على مواجهته.

* كاتب وباحث مصري

back to top