التوجُّسات

نشر في 23-03-2008
آخر تحديث 23-03-2008 | 00:00
No Image Caption
 سليمان الفليح من خلال سرد السيرة الذاتية لطائر الصحراء وهو يتحدث عن بداياته الشعرية المبتكرة، كثيراً ما جاء في ثنايا ذلك السرد ذكر غائم ولربما ملتبس لقصيدته توجسات في الزمن الفاسد. تلك القصيدة التي كانت هي انطلاقته الاولى في عالم النشر وهي المحاولة الصعبة للفنان الصديق عبد الله المحيلان لكي يحولها فيلماً سينمائيًا. تلك المغامرة التي لم يكتب لها النجاح ليس بسبب تحديات عبدالله بل لحؤول ظروف مالية قارنت بين تكاليفها وأهمية القصيدة . ونظرًا إلى «انقراض» الديوان الأول للشاعر الذي كان يحمل عنون «الغناء في صحراء الألم –دار السياسة 1979» فإننا نعيدها للأجيال التي لم تعايش سبعينيات الألف الميلادية.

القصيدة

وحلمت الليلة يا أمي/ برياح تجتاح المرعى

تقمع خيلي / تطرد إبلي / تجلدني علناً بالأفعى / تربطني خلف مضارب قومي

تسقيني إذ أعطش دمي / توسعني يا أمي قمعاً / ورأيت الليلة يا أمي / خيلاً برؤوس مقطوعة

تغزو قومي / ورأيت امرأة فوق البيرق مرفوعة / تهتف باسمي / عارية يغسلها الدم

ورأيت غيوما قانية اللون / راكضة فوق مضاربنا / ترش رجال قبيلتنا / بمياه النار وروح السُّم / ورأيتكِ يا أمي مفجوعة

تذرين الرملا / بين القتلى / وتلمين فتات اللحم/ ورأيت غراباً كبر الليل

ينعق حولي / ويدور كثيرا حول الخيمة / يتغافلني، ينهب طفلي / يتركني أتمرغ فوق الرمل الأسود

أفقد عقلي / ورأيت أسوداً تزأر همس / ورأيت كلاباً تعوي الشمس / ورأيت كلابًا مسعورة فوق الورد / ورأيت تيوساً مخمورة / ورأيت المدن الكبرى تركض عبر سراب البر / يتعقبها الخوف المرعب

ويطاردها المرض المتعب/ ويفتتها حجراً حجراً / شيطان الوحشة والشر / ورأيت صقوراً وبطاريقاً بأعاليها

ورأيت دماء أهاليها/ تقطر من مخلاب النسر / ورأيت عقاباً تخطف قصراً / ورأيت غراباً يأكل نمراً

ورأيت أفاعي في الآفاق / ترسم أقواساً قزحية / ورأيت عتولاً في الطرقات / تجرع أنخاباً ملحية

ورأيت غصون الاثل الممتدة / تخرج من أجساد الخيل / تتبرعم أزهاراً صفراً / تتضوع طيباً حجراً

تتشابك / لقرون الأيل/ تتشعب كالهم المزمن / تعلكها أضراس الليل / تتقيؤها في وجه الفجر الزاهر

في وجه الزمن العاهر / تبصقها في وجه الجيل / يا أمي كابوس هذا أم وهم / أم شي آخر يأتيني أم ؟

أهذا الارق الموحش حلم / لكني منذ الصحوة كنت أحس / وأنا أسند راسي فوق الطنب / يلسعني كالإبر العشب / ويسير ليسير من العقدة للواسط / حلمت الليلة يا أمي

ان عيوني معصوبه / ومضارب قومي مسلوبه / ورؤوس رجالي ملصقة بالحائط / ورأيتك يا أمي لا تبكين

لأن الأدمع مصلوبه / ولأن العقدة بالواسط.

الكويت 1975م 

back to top