مع تزايد سرعة قطار العنوسة زواج الأخت الصغرى قبل الكبرى يثير قلق الأسرة

نشر في 31-01-2008 | 00:00
آخر تحديث 31-01-2008 | 00:00
No Image Caption

يعتبر زواج الأخت الكبرى أولاً قبل شقيقتها الأصغر سناً تقليداً اجتماعياً متوارثاً عرفته معظم الأسر العربية. فهل ما زال هذا التقليد سائداً أم حلّت مكانه قاعدة جديدة مفادها أن الزواج لا يرتبط بالترتيب العمري داخل الأسرة؟ «الجريدة» رصدت آراء متباينة حول هذه القضية.

يختلف رأي الناس والخبراء حول الزامية زواج الأخت الكبرى قبل الصغرى. وبينما يعتبر البعض هذا الأمر حقاً للأخت الكبرى لا يجب انتزاعه منها، يرى البعض الآخر أن زواج الصغرى أولاً لا يقلل من شأن الكبرى بل يخفف العبء عن كاهل الأسر العربية.

في هذا السياق يوضح محمد عبد المنعم (أب لثلاث فتيات) انه لم يزوّج بناته بحسب ترتيب العمر وإنما وفق المتقدّم للخطبة. ويقول: «زوّجت ابنتي الصغرى قبل الكبرى لابن عمها بعد أن سألت هذه الأخيرة فلم تمانع إيماناً منها بأنّ كل شيء قسمة ونصيب. كذلك تقدّم عريس للأخت الأصغر فلم تمانع الكبرى أبداً وهي الآن مدرّسة ومخطوبة لزميل لها برضاها ومن دون فرض رأي عليها».

«كلهن بناتي ونور عيني فلماذا أجني على البقية بسبب واحدة منهن اختارت لنفسها طريق العلم والعمل؟» يقول عبد المنعم، ناصحاً الآباء بألا يجنوا على بناتهم بالأفكار المغلّفة بالسواد. فالزواج، كما يقول، سترٌ للبنات وكلّ واحدة تأخذ نصيبها في الحياة. المهم عدم الإكراه والتخلي عن الأنانية.

من ناحيتها ترفض دعاء محمود (28 عاماً، هي أخت كبرى لأختين) بشدة زواج أصغر أخواتها قائلة: «لن يتم زواج أي من أخواتي قبلي. فأنا جميلة وليس بي عيب كي أظل عانساً. الفكرة مرفوضة من الأساس».

تؤكد دعاء ان ثمة أولويات تؤثر مخالفتها على سمعتها بين الأهل والجيران، موضحة انّ زواج شقيقتها الصغرى قبلهاسيشعرها بأن لا قيمة لها عند أهلها وسيقلّل من فرصها في الزواج مستقبلاً: «لست رجلاً ليُسمَح لي بالزواج متى أشاء، فنحن نعيش في مجتمع مازال يؤمن بالعادات والتقاليد والأصول وألسنة الناس لا ترحم، وهؤلاء يعلّلون زواج الصغرى قبل الكبرى بأمور أخلاقية وجمالية أو عيوب شكلية، كالمرض والعاهات المختلفة. هذا بحد ذاته يجعلني أفكر في المسألة ألف مرة قبل الموافقة على زواج أختي الصغرى قبلي».

لا تفكر أسماء مصطفى (26 عاماً)، وهي الأخت الكبرى ولها أخوات يصغرنها سناً، في هذا الموضوع، مؤكدة انها لا تجد في الأمر مشكلةً: «لا مانع لدي من أن تتزوج أختي الأصغر مني قبلي، بل بالعكس سأفرح لها ولا أعتقد أن في هذا الأمر مشكلة رغم ان البعض يرى فيه كسراً للتقاليد والأعراف».

أما إيمان محمود (24 عاماً) فتقول: «أنا الأخت الصغرى ويصرّ والدي على زواج أختي الكبرى أولاً وهي للأسف تفرض شروطاً تعجيزية على خطّابها، ما يفوت عليها الفرص الجيدة للزواج. يؤثر هذا الأمر عليَّ أيضاً، لكنّ أختي لا تُعير الأمر اهتماماً، من هنا ضرورة النظر إلى هذه القضية الخطيرة بشكل جدي، خاصة أن كل أفراد الأسرة يراعون مشاعر البنت الكبرى وهي بدورها يجب أن تراعي مشاعر شقيقاتها الأصغر سناً.  

رأي علم النفس

حول الرؤية النفسية لهذه القضية يوضح د. سعيد عبد العظيم (رئيس الجمعية المصرية للطب النفسي): «زواج الأخت الصغرى قبل الكبرى يجعل هذه الأخيرة عرضة للقلق النفسي والإحباط والاكتئاب وهي كلها عوامل تصيبها بخلل كبير في الشخصية خصوصاً إذا كانت أقل أخواتها حظاً من ناحية الجمال أو مستوى التعليم، فتتولد لديها عقدة النقص وتحاول جاهدة الخروج منها، إما بتكوين صداقات غير سوية مع فتيات يقاسمنها الظرف المأساوي نفسه أو عبر الانطواء والشعور بعدم أهمية الحياة والإهمال الكبير في مظهرها من منطلق شعورها بأنها غير مقبولة».

ويضيف: «يحتلّ دور الأهل في هذه الحالة أهمية قصوى، من خلال رفع معنوياتها وتعزيز الشعور لديها بأنها ذات قيمة ومكانة والحرص على إشراكها في شؤون الأسرة واستشارتها في أمور تخص شقيقاتها وإحاطتها بالحنان والرعاية».

قسمة ونصيب

يشدّد د. عبد العظيم على أهمية دور الأم في التخفيف من معاناة الإبنة الكبرى وليس في تعييرها إذا طالت مدة بقائها في المنزل. ويؤكد في هذا المجال أن احتواء الأم لابنتها الكبرى ينسيها حزنها وغيرتها من أخواتها المتزوجات كذلك يجب عدم التفرقة في المعاملة بين الأخت الكبرى وشقيقاتها الأصغر سناً.

«ما من مشكلة إلا ولها حل في رأيه، والزواج قسمة ونصيب وسهم يصيب من يريد» يقول د. عبد العظيم، مشيراً الى انه سواء تزوجت الكبرى قبل الصغرى أو العكس الأهم هو الرضا والقناعة وحب الخير للآخرين: «ليست المسألة أيهما تتزوج أولاً الكبرى أم الصغرى فذلك قدر ومكتوب. المهم ألا يتصرّف الاهل بأنانية فيربطون مصير ابنة تريد الزواج والاستقرار وتحلم بالامومة بمصير أخرى غير مستعدة للزواج بعد».

في الإطار نفسه ترى د. عزة البنا (أستاذ الاجتماع في كلية الدراسات الإنسانية في جامعة الأزهر) أن قضية رفض تزويج البنت الصغرى قبل الكبرى تنبع من تراكم أعراف وتقاليد توارثتها الأجيال داخل المجتمعات العربية. وتقول: «بات من الضروري اليوم تجاوز هذه المسألة لأسباب اجتماعية وأخلاقية. من غير المعقول جعل الأخت الكبرى تقف حجر عثرة أمام سعادة أخواتها الأخريات لبناء وتكوين بيت عائلي واستقرار أسري ووضعهن تحت شعار العرف والتقاليد والعادات والأصول، فقد تغيّر الزمن وأصبحت الثقافة أوسع».

تبيّن د. عزة أنّه يجب على كل أب وأم وضع سعادة أبنائهما وبناتهما نصب عينيهما وعدم ظلم طرف لانصاف آخر ليس مظلوماً ولا ظالماً إنما له حرية الاختيار.

وتقع على المجتمع مسؤولية مراعاة مشاعر الأخت الكبرى بتخفيف حدة النظرات والهمسات الجارحة فهذا الامر انّما يحدث لحكمة لا يعلمها إلا الله.

كم من فتاة سبقتها أختها أو أخواتها إلى بيت الزوجية وصبرت فعوضها الله خيراً بعد أيام أو سنوات.

رؤية دينية

يقول د. محمد رأفت عثمان (العميد السابق لكلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر): «لا يحق لأحد أن ينتقد الأسرة التي توافق على تزويج البنت الصغرى قبل الكبرى. فرفض تزويج الصغرى قبل أختها الكبرى عادة سيئة لا يقرها شرع ولا يقبل بها عقل. وحذّر من رد الخاطب إذا كان حسن الدين والخلق. وإن كان في الترتيب بين الأخوات في الزواج خير لأرشدنا إليه ديننا الحنيف».

ويكمل: «قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير». 

back to top