متحف وطني من طراز جديد
كان كتاب «الكويت: من الإمارة إلى الدولة-ذكريات العمل الوطني والقومي» كتاباً يستحق مناقشة معمقة وطويلة لكل من عاصروا أو قاربوا تلك المرحلة وتلك الشخصية. وكان حديث المهتمين بالقراءة ومتابعة الكتاب المميز في المعرض، ذا قيمة مهمة لفئة نوعية، ظلت تتابع السؤال نفسه دائما: متى سيكتب الدكتور الخطيب مذكراته؟ سؤال يدركه أغلبية الوطنيين وكل أعضاء حركة القوميين العرب.قبل أشهر أقامت جريدة «الأيام» معرض الكتاب السنوي في البحرين، فكان فرحي بهذا المعرض، هو أن أجد كتاباً لطالما كنت بانتظاره، كتاباً مكتبتنا العربية بحاجة ماسة إليه، فما ورد في داخله من قضايا تتعدى الشأن الكويتي، ومن كتبه ليس شخصية أو «ملكية كويتية» وإن كان من حق الكويتيين أن يفخروا بأن لديهم شخصية بهذه القائمة، كان كتاب «الكويت: من الإمارة إلى الدولة-ذكريات العمل الوطني والقومي» كتاباً يستحق مناقشة معمقة وطويلة لكل من عاصروا أو قاربوا تلك المرحلة وتلك الشخصية. وكان حديث المهتمين بالقراءة ومتابعة الكتاب المميز في المعرض، ذا قيمة مهمة لفئة نوعية، ظلت تتابع السؤال نفسه دائما: متى سيكتب الدكتور الخطيب مذكراته؟ سؤال يدركه أغلبية الوطنيين وكل أعضاء حركة القوميين العرب، الذين يشعرون أن حلقة ناقصة في تاريخ الحركة مفقودة، وبتعبير بروست «إن الزمن المفقود بالإمكان تصوره»، ولكن الذاكرة الأدبية وشفافيتها لا تخضع لمنطق السياسة وحقيقتها، إنما لسرد متخيل، بينما السياسة ووقائعها، أقرب إلى التاريخ والتوثيق، لكي لا يكون فعلا تاريخ الحركة كما رغبها بروست زمنا مفقوداً، فكان الخطيب بهذا الكتاب يدوّن للأجيال القادمة.شعرت يومها بأن هذا الكتاب منحني عالماً، ظل لوقت طويل سؤالاً ملحاً، فقد كتب رفاق دربه العرب تجاربهم، ولكنه ظل صامتا يدوّن في ذاكرته مثلما يجمع الأوراق المتساقطة هنا وهناك من جيوب الزمن المتباعد، ظل بهدوء معهود –رغم انشغالاته السياسية والمهنية– يعمل بدأب النمل، كان من حسن حظ الخطيب أنه عاش في رحاب الكويت المتسامحة، والتي مرت بمراحل بدت غير متسامحة، فمن خلال صفحات الكتاب كان هناك شعور ومواقف داخلية لتصفيته، هذا الحظ لم تعرفه العراق ولا دول عربية أخرى، حيث عرفت طوال نصف قرن زنازين الوطن العربي أسراباً من حركة القوميين العرب وغيرهم. إن فرحة بشرى الكتاب كان بمنزلة إضاءة للمجهول، حيث هناك أسئلة معلقة نخاف أن تتلاشى مع شخصيات كويتية، معنية بتاريخنا السياسي والوطني والقومي. ترك كتاب الخطيب في الوسط السياسي المهتم لغطاً وحماساً واندفاعاً للقراءة، فمن سألني ما هي الكتب الجديدة والمهمة في المعرض، كان جوابي من دون تردد كتاب الخطيب، وربما ذلك نابع من رؤية كل شخص للقيمة المعرفية والتاريخية للكتاب.ما يبقى مهم في الكتاب، هو الوعي التاريخي بقيمته لدى الباحثين والمؤرخين لتاريخ المنطقة، غير أن القسم الخليجي والكويتي سيهمه الجانب المتعلق بالشأن الداخلي والإقليمي لدور الخطيب في محيط جغرافي متعدد، ظل الخطيب فيه يؤدي دوراً محورياً، كونه مؤسساً وديناميكياً في زمن البدايات، والنكوص والنهوض، الخيبة والتراجع والحلم. بدا الكتاب لي مدخلاً إلى مرحلة الكتاب الثاني المنتظر، إذ تظل التجربة التنظيمية والسياسية لحركة القوميين العرب مهمة، ولاتزال في الأدراج أو في مرحلة التدوين، لعل ثمارها تبلغنا قريباً.ما أثارني في الكتاب هو إيقاظ ذاكرة متعثرة، حملت معها حلماً كبيراً، وبالرغم من الانتكاسات الكبرى في تاريخ الحركة القومية وآمالها، فعلى الأقل كان هناك لدى ذاك الجيل أحلام كبرى يرحلون نحوها من المحيط إلى الخليج، أحلام ربما لا يفهم قيمتها اليوم الجيل الشاب الجديد، الذي بدت لي أحلامه صغيرة، فلا تبلغ القمم المجهولة للإنسان والمجد والفردوس المفقود، فردوسنا العربي الممزق في زمن العولمة. فهل نترك تراث الخطيب وجيله مبعثراً في الصفحات البيضاء، نترك جيلاً كاملاً وطنياً في الكويت من دون التفات، أم نتعلم من التجربة القبرصية، بتدشين «متحف للنضال الوطني» حيث شهدت تلك الحقبة ذاكرتها، فلكل فرد من ذلك الجيل ورقة صغيرة تحت زجاج ذلك المتحف، كل ما يحتاجه الموضوع هو قرار سياسي وتحرك شعبي لذلك الجيل، وللجيل الذي تهمه ذاكرته التاريخية، بأن يؤسس للذاكرة الجميلة للوطن، وطن المفقودين والشهداء في أكثر أنواع الغزو تراجيدية.* كاتب بحريني