فتش عن القبيلة!

نشر في 11-10-2007 | 00:00
آخر تحديث 11-10-2007 | 00:00
 أ.د. غانم النجار

الصومال البلاد الوحيدة التي افتقدت ومازالت لنظام سياسي متماسك ويحق عليها، بل وينطبق عليها بدقة، المصطلح السياسي «الدولة الفاشلة» أو في عبارة أخرى «الدولة المتهتكة».

يتردد دوماً بأن من أسباب عدم الاستقرار و«اللخبطة» السياسية في بلد كالعراق، أو ربما بلد كلبنان، هو التمايز والتباين العرقي والديني والطائفي وربما المذهبي. وهي وجهة نظر يكررها كثيرون من دون تردد، ومن دون حساب عوامل سياسية بالدرجة الأولى والتي ربما تفعل فعلها في تسخين الأجواء وتوتيرها حتى لو حاول الفرقاء السياسيون المحليون التفاهم.

ويبدو أن الصومال من حيث الشكل هي نقيض ذلك الأمر جملة وتفصيلاً، وهنا أكرر أنه (من حيث الشكل)، فالصومال بلد قد لا يتكرر التجانس الذي في مكوناته في أي بلد آخر، فشعب الصومال برمته ومن دون استثناءات شعب مسلم (بالإمكان البحث عن عائلتين أو ثلاث يدينون بالمسيحية) كما أنه، من دون استثناء، سُني المذهب على المذهب الشافعي، وينتمي الشعب الصومالي بمجمله إلى أصول عرقية واحدة، كما يتحدثون اللغة نفسها، وهي اللغة الصومالية (حيث يعتقد الكثيرون بانهم يتحدثون السواحلية». وربما وجدنا بعض الاستثناءات في بعض اللهجات كاللهجة المسماة (مَي) والتي تكاد تكون لغة قائمة بذاتها. وبالتالي، فإن الشعب الصومالي متجانس حتى النخاع، فالدين واحد، والأصل واحد، والمذهب واحد، واللغة واحدة. فأين الخلل إذاً؟

أو ليس من المفترض، حسب النظرية القائلة بأن التمايز العرقي والطائفي والديني هو سبب النزاعات وعدم الاستقرار في البلاد، أن يصبح الصومال «جنة من الاستقرار»، وهي العبارة التي قالها الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر أثناء استقباله لشاه إيران محمد رضا بهلوي في البيت الأبيض قبل سقوطه بفترة قصيرة، فما كانت الجنة ولا كان الاستقرار إلا أوهام وسراب بقيعة.

كان يفترض وحال الصومال على ما هو عليه من تجانس ظاهري، أن يؤكد تلك النظرية القائمة على التماسك بالتجانس، ولكن الحال غير ذلك فالصومال البلاد الوحيدة التي افتقدت وما زالت لنظام سياسي متماسك ويحق عليها، بل وينطبق عليها بدقة، المصطلح السياسي «الدولة الفاشلة» أو في عبارة أخرى «الدولة المتهتكة»، وهو في ظني مصطلح أكثر دقة فالفشل ملازم لدول كثيرة بما فيها دولتنا الحبيبة، ولكنها ليست بالضرورة متهتكة.

وهكذا بات لزاماً علينا دخول متاهات القبلية، فالمجتمع الصومالي مجتمع قبلي حتى النخاع وتقسيماته الجغرافية والسياسية قائمة على الأبعاد والتضاريس القبلية. وحتى عندما تم تشكيل مؤسسات النظام الفدرالي الانتقالي؛ كالحكومة، والبرلمان، والرئاسة، اضطر المجتمعون إلى استخدام معادلة الأربعة ونصف في المئة والتي على أساسها يتم تعيين الأشخاص في تلك المؤسسات. فالاربعة تمثل القبائل الأربع الرئيسية في الصومال وهي: الإسحاق في الشمال، والدارود في الشمال شرق (البونت لاند)، ودِر أو الرحانوين في الوسط، والهوية في الجنوب بالإضافة إلى المريحان من الدارود في أقصى الجنوب.

أما النصف في المئة فهو لتمثيل الأقليات - إن جاز التعبير - ومن المقرر كما جاء في الميثاق الانتقالي أن يتم تحضير دستور غير قبلي وعرضه على الاستفتاء العام ثم إجراء انتخابات عامة على أسس سياسية وطنية عام 2009، ولكن التحضير لتلك المهمة ما زال يترنح.

وليست المسألة القبلية بالبساطة المتوقعة، كما قد يبدو، ففيها وحواليها جرت معارك وسُفكت دماء حتى بين فروع القبيلة الواحدة، ودخل أبناء العم من فخذ قبلي واحد في معارك طاحنة.

وحتى لو حاول بعضهم إنكار أهمية وفعالية القبيلة في التحولات السياسية الصومالية، فإنها وجدت لتبقى، وستظل كذلك حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.

back to top