لحم الرئاسة المر...وأنياب الجنرال

نشر في 21-08-2007
آخر تحديث 21-08-2007 | 00:00
وصول رئيس غير الجنرال عون إلى قصر بعبدا من شأنه أن يطفئ جذوة الحماسة والأمل في نفس الجنرال، الذي سيعرف جيداً أنه أهدر فرصته الوحيدة، ولن تتاح له فرصة أخرى بعد هذا التاريخ.
 بلال خبيز إذا كان ثمة صفة عامة يمكن أن يطلقها مراقب على أداء المعارضة والموالاة في لبنان طوال العام الماضي. فيمكن القول ببساطة، إن معارضة 8 مارس اتسمت بالسعي إلى تعطيل آلة الدولة، باعتبار أن الاتجاه العام الذي يحكم سياسات فريق الموالاة يحفظ مصالح أميركا وإسرائيل، ويطيح بمصالح الدول المقاومة والممانعة للمشروع الأميركي مثلما يهدد المقاومة الإسلامية التي يحتكرها «حزب الله» في سلاحها ووجودها. الأمر الذي يجعل فريق المعارضة ساعياً إلى تعطيل آلة الدولة اللبنانية من دون الوصول إلى حد تدميرها بالكامل، إذا لم يكن ممكناً إدارتها لمصلحته.

على هذا، لا يجد «حزب الله» حرجاً في مطالبة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بتحسين وضع التغذية بالتيار الكهربائي في مناطق الضاحية الجنوبية من بيروت التي يسيطر عليها الحزب من النواحي كافة، مثلما يطالب بتسريع وتيرة دفع التعويضات للمتضررين من العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف العام الماضي. فهذه المطالبات بالنسبة لـ«حزب الله» لا تتعارض مع اعتباره الحكومة، المطالبة بالتعويض والتحسين، فاقدة للشرعية وغير ذات صفة. أي أنها تكون ذات صفة إذا ما أثبتت سعيها إلى إرضاء «حزب الله» وجماهيره، وتفقد صفتها في الشؤون الأخرى المتكاثرة والمعقدة على نحو يتضاعف بسرعات قياسية وتسهم المعارضة في زيادة تضاعفه يوماً بعد يوم.

على الضفة الثانية، لا تنزعج حكومة الرئيس السنيورة من مطالبات «حزب الله» هذه، ولا أيضاً من طلب الرئيس إميل لحود، الذي تطعن الأكثرية في شرعيته، تمويل رحلته مع حاشيته الفضفاضة إلى نيويورك، لأن مثل هذه المطالب تزيد في شرعية الحكومة وتشكل نوعاً من اعتراف المعارضة بشرعيتها ودستوريتها. والحال يسع المراقب أن يصف الاتجاه العام لقوى الموالاة بصفة الساعي إلى تشغيل آلة الدولة. وهذا ما يضع الفريقين اللبنانيين على طرفي نقيض على مستوى الأداء السياسي ولا يجعل التعارض والتناقض مقصوراً على التوجهات السياسية فقط.

هذا التناقض البيّن ينعكس حتماً على مسلك كل طرف حيال الاستحقاق الرئاسي. حيث يبدو اجتماع المجلس النيابي اللبناني، ولو من دون حضور الوزراء ورئيسهم، إنجازاً للموالاة في حد ذاته. ذلك أن مثل هذا الاجتماع يعطل سلاحاً من أسلحة المعارضة، تمثل طوال الشهور السابقة في إقفال المجلس النيابي ووضع مفاتيح أبوابه في جيب الرئيس نبيه بري المعارض.

وغني عن القول ان انتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهل الدستورية، بصرف النظر عن اتجاهات هذا الرئيس يقع جوهرياً في مصلحة فريق الموالاة، مع ما يستتبعه هذا الانتخاب من تحريك سريع لآلة الدولة المعطلة.

واقع أن انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية يصب في مصلحة الموالاة جوهرياً، لأن الرئيس الجديد، كائناً من كان، لن يقبل أن يستقيل من مسؤولياته في مطلع عهده، يجعل المعارضة التي يقودها «حزب الله» حريصة أشد الحرص على تشكيل حكومة «وحدة وطنية» بثلث ضامن لمصلحتها، مما يجعل تعطيلها في مطلع العهد الجديد أمراً ممكناً دستورياً وقانونياً. والأهم من جواز التعطيل دستورياً وقانونياً، أنه سيكون في العهد المقبل أمراً واقعاً سياسياً، إذا ما تسنى للبنان أن يستفيد من الهدنة الهشة بين الأطراف الدولية والإقليمية المتصارعة على أرضه.

لكن الثلث الضامن الذي تريد المعارضة اللبنانية ضمانه في حكومات العهد المقبل لن يكون ثلثاً مضموناً في أي حال من الأحوال. فما إن تضع المعركة الرئاسية أوزارها ويتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، حتى يفقد «التيار الوطني الحر» بزعامة الجنرال ميشال عون معظم قدرته على الحراك السياسي الفاعل. فتولي الجنرال ميشال عون الرئاسة يحقق للتيار الذي يقوده معظم مطالبه الآنية والمستقبلية، مما يجعل هذا التيار «حراً» فعلاً في عقد تحالفاته على النحو الذي يرتئيه ويحسن مواقعه في المعادلة. مثلما أن وصول رئيس غير الجنرال عون إلى قصر بعبدا من شأنه أن يطفئ جذوة الحماسة والأمل في نفس الجنرال، الذي سيعرف جيداً أنه أهدر فرصته الوحيدة، ولن تتاح له فرصة أخرى بعد هذا التاريخ. الأمر الذي يجعل معارضته سلطات الدولة مجرد رد فعل «شمشوني» على بقاء الهيكل معموراً.

الجنرال عون يقاتل اليوم بأسنانه وأظافره. ولو حدث أن وجد لحم كرسي الرئاسة قاسياً وغير قابل للمضغ أو القضم، فالأرجح أنه لن يتراجع عن محاولة العض عليه بالأنياب والنواجذ، إلى أن تتكسر الأسنان وتتقصف الأظافر.

*كاتب لبناني

back to top