الروح القيادية وتغير المناخ

نشر في 25-09-2007
آخر تحديث 25-09-2007 | 00:00
يجب أن تتاح للبلدان النامية في الوقت نفسه محفزات من أجل المشاركة في هذه الجهود بشكل كامل. والحلول التي نقترحها لمشكلة ارتفاع درجات الحرارة عالمياً ينبغي ألا تتطلب من جانبها تضحيات ليس من الإنصاف أن تطالب بها. فالبلدان النامية تتمتع بالحق في النمو وفي التنمية الاقتصادية. ولها الحق في إخراج نفسها من حالة الفقر مستندة في ذلك إلى مساعدتنا المستمرة.
 بروجيكت سنديكيت كل يوم يحمل في طياته دلائل جديدة. فقد أضحى تغير المناخ أمراً شخصيا يشعر به كل فرد من سكان هذا الكوكب.

ومنذ أيام قليلة لا غير، أفاد العلماء في الولايات المتحدة، وهذا آخر مثال فقط، بأن النظام الجليدي في القطب الشمالي يذوب بسرعة أكبر مما تم تصوره حتى الآن. وأفادت حسابتهم بأن نسبة 40 في المئة من الغطاء الجليدي الصيفي لبحر القطب الشمالي ستختفي بحلول عام 2050، وكانت دراسات سابقة قد توقعت ان ذلك لن يحدث إلا بعد مرور قرن آخر من الزمن.

لا عجب إذن أن يمثل موضوع تغير المناخ مركز الصدارة في جدول الأعمال السياسي العالمي، ولذلك دعوت قادة العالم إلى عقد اجتماع رفيع المستوى في الأمم المتحدة يوم أمس، ويساورني بالغ القلق لأن مستوى استجابتنا الحالية لهذه الظاهرة أقل بكثير مما هو لازم.

واجتماع أمس دعوة سياسية إلى العمل وفرصة متاحة أمام البلدان جميعها، صغيرها وكبيرها، من أجل إدراك الضرورة الأخلاقية للتصدي لتغير المناخ بنظرة استعجالية جديدة، وبدء ادراك مصلحتنا الذاتية المتبادلة في القيام بذلك، فتغير المناخ مسألة حاسمة في زمننا هذا.

والحقائق العلمية واضحة، ففي وقت سابق من هذه السنة، بيّن كبار العلماء في العالم تلك الحقائق بوضوح لم يسبق له مثيل في إطار الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ التابع للأمم المتحدة، إذ ان ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض ظاهرة حقيقية عالمياً، وقد تكون آثارها، إن لم يوضع لها حد، مفجعة بل مأساوية على مدى العقود المقبلة، ونحن نعرف ما ينبغي لنا القيام به.

ولدينا الوسائل والتكنولوجيات الميسرة من أجل القيام بذلك، وعلينا أن نشرع في التصدي للمشكلة الآن وفوراً.

أما ما نفتقر إليه فهو الوقت اللازم. وقد كنت أخيرا في تشاد، حيث وقفت شخصياً على الخسائر الإنسانية التي يسفر عنها تغير المناخ. ذلك أن ما يقدر بعشرين مليون نسمة يعتمدون على بحيرة وشبكة أنهار تقلص حجمها على مدى ثلاثين سنة إلى عشر حجمها الأصلي. وتشهد أفريقيا في هذه الفترة بالذات أسوأ انهمار للأمطار في تاريخ القارة، بحيث تدفع بمئات الآلاف من السكان الى مغادرة منازلهم. وما ذلك سوى مؤشرات عما هو آت.

فالمشاكل التي يواجهها جيلنا سيكون أثرها أسوأ على أطفالنا، خصوصاً إذا لم تتخذ أي إجراءات.

وأتحدى أنا، بدعوتي إلى عقد اجتماع الأمس، رؤساء ورؤساء حكومات الدول في العالم بأداء الروح القيادية. وجوهر الروح القيادية يمكن في القيام بالاختيارات، وخاصة الاختيارات العسيرة، وتحديد الاتجاهات الجديدة. كما يكمن في الرؤية وفي الإرادة السياسية، أي القدرة على استباق ما يتعين علينا القيام به وعلى تسريع وتيرة التغير. وأعلم أن ذلك لن يخلو أبداً من عناء، ولكن لا يمكن تفادي المزيد من العناء إلا بالعمل مبكراً.

ويجب علينا أن نولي جميعاً أقصى اهتمام ممكن للعمل. ويقع أكبر قدر من الأعباء على البلدان الصناعية. وذلك أن الجهات التي تتحمل مسؤولية إثارة المشكلة في معظمها تتحمل أكبر مسؤولية في الحد من الانبعاثات التي تؤدي الى تغير المناخ.

ويجب أن تتاح للبلدان النامية في الوقت نفسه محفزات من أجل المشاركة في هذه الجهود بشكل كامل. والحلول التي نقترحها لمشكلة ارتفاع درجات الحرارة عالميا ينبغي ألا تتطلب من جانبها تضحيات ليس من الإنصاف أن تطالب بها. فالبلدان النامية تتمتع بالحق في النمو وفي التنمية الاقتصادية. ولها الحق في إخراج نفسها من حالة الفقر مستندة في ذلك إلى مساعدتنا المستمرة. وعلينا في إطار هذه الجهود أن نشرك القطاع الخاص، وأن نحفز النشاط الاقتصادي، وأن نتبع نهجاً تمويليا جديدا مستنداً إلى معايير السوق، وأن نقوم بتطوير المعارض ونقلها، وأن نهيئ فرص العمل.

وأرضنا أكثر هشاشة مما قد نتصوره. ذلك أن أنظمة أيكولوجية كاملة توفر الدعم لملايين البشر تواجه خطر التعرض لاختلال كبير. وفي بعض الحالات تواجه بلدان وشعوب بكاملها -وليس الأنواع الحيوانية فقط- خطر الانقراض، وأن الجهات الأقل قدرة على تحمل المشكلة وتلك التي تتحمل أقل قدر من المسؤولية عنها من اثار ذلك، هي التي تعاني أشد المعاناة. فالأمر يتعلق بمسألة أخلاقية. ويتعين علينا الاسترشاد في أوجه استجابتنا بمبادئ المسؤولية المشتركة والمصلحة العامة.

وينبغي أن يكون العمل على الصعيد الوطني في صميم استجابتنا. وحتى الآن، كانت هذه الجهود غير كافية. فبعد مرور خمس عشرة سنة على الاتفاقية الإطارية المتعلقة بتسخير المناخ المتفق عليها في ريو، وبعد مرور عشر سنوات على «بروتوكول كيوتو» (الذي تنتهي فترة الالتزام الاول الواردة فيه عام 2012)، لا يزال حجم انبعاثات الكربون في البلدان الصناعية آخذاً في الازدياد.

غير أن السياسات الوطنية غير كافية. فعبور الغازات المؤثرة في المناخ للحدود على نحو غير منظور، والنطاق العريض للمصالح السياسية والاقتصادية التي تدخل في الاعتبار، أمران يستلزمان التعاون الدولي، ولدينا إطار مثالي للعمل، وهو الأمم المتحدة التي تنفرد بامتلاك الوسائل من أجل العمل كمنتدى لإيجاد حل معقول وعادل ومستدام على المدى الطويل لمشكلة تغير المناخ العالمي. وسيتعين ألا يتصدى هذا الحل لمسألة التخفيف من حدة مشكلة الانبعاثات فحسب، بل بأن يساعد الجميع أيضاً، ولا سيما أكثر الفئات ضعفاً، على التكيف مع آثار تغير المناخ، وضمان التنمية المستدامة.

وفي هذه السنة التي تشكل منعطفا -هذه السنة التي قبلت فيها الحكومات الاستنتاجات الحتمية للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ والتي بلغ فيها الوعي العام بتغير المناخ درجة جعلته يهيمن على جدول الأعمال السياسي في العالم- أهيب بقادة العالم إبداء الروح القيادية. وأدعوهم إلى العمل. ذلك أن مواصلة قبول الوضع الراهن أمر غير مقبول.

وعلى الحكومات ان تعمل بشكل متسارع ومبتكر خلال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ الذي سيعقد في ديسمبر في بالي، من أجل وضع إطار تفاوضي. فنحن بحاجة إلى اتفاق متعدد الأطراف جديد وشامل بشأن تغير المناخ يمكن أن يحظى بتأييد البلدان جميعها.

وإنها للحظة حاسمة بالنسبة إلينا جميعاً، فنحن نتحمل جميعنا مسؤولية تاريخية أمام أجيال المستقبل. وسيكون لأحفادنا الكلمة الفصل في ما نحن بصدده.

* بان كي مون | Ban Ki-moon ، أمين عام الأمم المتحدة منذ 1 يناير 2007 ووزير خارجية كوريا الجنوبية سابق.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top